دخل لبنان في قلب معركة الانتخابات الرئاسية، فالعد العكسي لانتهاء الفترة الدستورية للانتخابات الرئاسية بدأ، ولم يعد يفصلنا عن موعد الخامس عشر من أيار سوى شهر واحد، لأنه بعد هذا التاريخ (في حال عدم الدعوة للانتخابات الرئاسية)، يتحول مجلس النواب الى هيئة انتخابية دائمة، وإذا لم تحصل الانتخابات قبل 25 أيار، يدخل لبنان في الفراغ الرئاسي وتتسلم حكومة الرئيس تمام سلام إدارة البلاد.
وقد افتتح رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، معركة الانتخابات الرئاسية بترشيح نفسه رسمياً، بانتظار إعلان برنامجه الرئاسي الكامل، وقد أدى الترشح الى ردود فعل متفاوتة بين اعتراض وترحيب وترقب، وخصوصاً من قبل قوى 14 آذار التي لم تصدر موقفاً موحداً حتى الآن على صعيد اختيار مرشحها.
وبموازاة ذلك، بدأت بعض الأوساط السياسية والإعلامية والدبلوماسية تتحدث عن تقدم حظوظ العماد ميشال عون الذي قد يصبح المرشح المقبول من القوى الأساسية (تيار المستقبل، حزب الله، التيار الوطني الحرّ)، إضافة إلى دعم دولي وإقليمي، باعتبار أن عون يستطيع ان يكون جسر التواصل بين القوى الأساسية حسبي هذه الأوساط.
لكن مصادر سياسية لبنانية تعتبر «ان ترشيح جعجع والحديث عن تقدم حظوظ عون، قد يكون الهدف منهما خلط الأوراق تمهيداً للبحث عن مرشح توافقي يحظى برضى كل الأطراف الداخلية والخارجية، وفي ضوء ذلك تطرح الأسماء التوافقية كالنائب والوزير السابق جان عبيد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش جان قهوجي، إضافة إلى مروحة واسعة من الأسماء يجري تداولها في الأوساط المعنية».
وبانتظار وضوح الرؤية، يستمر الرئيس نبيه بري بتحركاته لاستكشاف امكانية التوافق على عقد جلسة للانتخابات بعد معرفة الاسم الأكثر قبولاً لدى الجميع، فيما زار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط باريس وموسكو لمتابعة التطورات. كذلك بدأت معظم الأطراف الداخلية تجري سلسلة نقاشات واتصالات لحسم موقفها من الاستحقاق الرئاسي.
فما هي آخر المعطيات بشأن الانتخابات الرئاسية بعد ترشح الدكتور سمير جعجع والحديث عن توافق دولي-إقليمي-داخلي على دعم العماد ميشال عون؟ وما هي العوامل المؤثرة في ترجيح كفة أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية؟
آخر المستجدات الرئاسية
بداية، ما هي آخر المعطيات والمستجدات حول معركة الانتخابات الرئاسية في لبنان؟ من الواضح أن الحراك الرئاسي في لبنان قد انطلق بقوة وأصبحت الانتخابات الرئاسية هي الحدث الأبرز والأهم، رغم انشغال اللبنانيين بقضايا أمنية واجتماعية ومعيشية واقتصادية.
والحدث الأول في ملف الانتخابات تمثل بإعلان ترشح رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، ومن الواضح أن قوى 14 آذار لم تتبنّ هذا الترشّح رسمياً في ظل وجود مرشحين آخرين من هذه القوى (الرئيس السابق أمين الجميّل، الوزير بطرس حرب، النائب روبير غانم..)، وقد لقي ترشّح جعجع حملة قاسية من بعض قوى وأطراف 8 آذار وشُنت على جعجع حملة إعلامية قاسية.
أما على صعيد العماد ميشال عون، فرغم أنه لم يعلن ترشحه رسمياً، فإن الحديث عن وصوله لرئاسة الجمهورية أصبح أفضل من السابق بعد أن نشرت جريدة الرياض السعودية تقريراً صحافياً يتحدث عن أهمية وصول عون للرئاسة الأولى، كما نُشرت تقارير اعلامية عن وجود رغبة أميركية بدعم عون وامكانية أن يشكل الأخير أحد الخيارات التوافقية بين عدة أطراف أساسية كتيار المستقبل وحزب الله، في ظل دعم دولي وإقليمي لعون.
لكن مصادر سياسية مطلعة في بيروت تعتبر «ان ترشّح جعجع والحديث عن حظوظ عون القوية، قد يكون الهدف منهما حرق هذين المرشحين تمهيداً لوصول مرشح توافقي أو مرشح مقبول من معظم الأطراف، كالنائب السابق جان عبيد، أو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أو قائد الجيش العماد جان قهوجي. إضافة الى ان بورصة الترشيحات تزداد يوماً بعد يوم، ومن الأسماء المرشحة: النائب سليمان فرنجية، وزير المال الأسبق دميانوس قطار، وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، النائب روبير غانم، الوزير بطرس حرب، الرئيس أمين الجميّل وشخصيات أخرى مصرفية واقتصادية.
العوامل المؤثرة في الانتخابات
لكن ما هي العوامل المؤثرة في الانتخابات الرئاسية في لبنان في هذه المرحلة؟
يرى الكثير من الباحثين والمحللين السياسيين في لبنان «انه منذ تأسيس الكيان اللبناني كان دور القوى الدولية والإقليمية عاملاً مؤثراً في الانتخابات الرئاسية باستثناء معركة الرئيس سليمان فرنجية التي أدى فيها العامل المحلي-الداخلي دوراً مؤثراً، بحيث إن الفارق بين فرنجية ومنافسه الرئيس الياس سركيس كان صوتاً واحداً».
أما اليوم فيرى هؤلاء «ان العوامل الداخلية والإقليمية والدولية متداخلة، فالدول الخارجية لا تستطيع ان تفرض رئيساً على لبنان دون موافقة الأطراف الداخلية، والأطراف الداخلية قد لا تستطيع حسم خياراتها الرئاسية دون الأخذ في الاعتبار دور بعض القوى الخارجية كأميركا وفرنسا والسعودية وإيران والفاتيكان مع تراجع الدور السوري حالياً».
وتقول بعض المصادر السياسية «إن اختيار الرئيس المقبل للبنان يخضع لعدة اعتبارات، ومنها توافق الأطراف الأساسية على المرشح، دور الرئيس الجديد في معالجة الملفات الساخنة ومنها تداعيات الأزمة السورية ودور الأطراف اللبنانية في الأزمة، مستقبل سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية، الأوضاع الأمنية والاقتصادية».
وتشير هذه المصادر الى «أهمية دور الرئيس المقبل في طمأنة المسيحيين في لبنان والمنطقة في ظل ما يتعرض له المسيحيون من مخاطر في هذه المرحلة، والأطراف الدولية والإقليمية تركز على أهمية أن يكون الرئيس الجديد قادراً على معالجة الملفات الساخنة في ظل المتغيرات الخارجية والداخلية».
وتتابع هذه المصادر: «ان اختيار المرشح الأساسي الذي سيكون له الحظ الأقوى للوصول للرئاسة الأولى سيخضع لهذه الاعتبارات، وإذا لم يحصل توافق داخلي مع ارتياح خارجي للاختيار، فإن احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية الى ما بعد 25 أيار سيكون وارداً بقوة، مع أن الأطراف الخارجية والفاتيكان والبطريركية المارونية يؤكدون أهمية إجراء الانتخابات في موعدها المحدد».
بالخلاصة، لقد أصبح الاستحقاق الرئاسي داهماً والمعطيات والتطورات تتغير يوماً بعد يوم، والأطراف والقوى السياسية الداخلية، إضافة إلى الأطراف الخارجية تتحرك بقوة على خط المعركة الرئاسية والجميع ينتظر وضوح الرؤية قبل الخامس والعشرين من أيار المقبل، وإلا فسندخل في الفراغ الرئاسي.