صدر حديثاً للكاتبة وأستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتورة هلا رشيد أمون كتاباً جديداً تحت عنوان "متاهات العُنف الديني والسياسي"، (عن دار النهضة العربية – ط.أولى 2014).
يتضمن الكتاب أربعة فصول يتفرّع منها بعض العناوين. ومن العناوين التي يحتويها الكتاب: "متاهة العنف الديني"، "السلفية: من التحرير إلى التكفير"، "فلسفة الموت في الثقافة العربية"، "الحجاب: هل هو أداة سياسية، أو قيمة أخلاقية ودينية"، "متاهة العنف السياسي"، "الشعوب العربية: من الغيبوبة إلى الثورة"، "مأزق حزب الله الأخلاقي والديني"، "مصر في قبضة ديمقراطية الإخوان المسلمين"، "سوريا حرب المرجعيات والنماذج الجاهزة"، "متاهة النظام الطائفي في لبنان"، "العلوية: أزمة البحث عن الهوية الضائعة"، "حزب الله: ضرورة تغيير قواعد الصراع... منعاً لاندلاعه"، "قانون الانتخاب الذي أيقظ اللعنة"، "متاهة أو جُرح طرابلس"، "معوقات إقامة إمارة إسلامية في طرابلس"، "لو نطقت طرابلس"، " أزمة طرابلس: هل انقلب السحرُ على الساحر"، "في نقد ما يسمى المجتمع المدني".
وجاء في كلمة للكاتبة أمون: ولأن الحقيقة، كما يقول ميشال فوكو "لا تُقال ولا تُفهم، بمعزلٍ عن استراتيجيات السلطة وآلياتها في الاستبعاد والحجب والتلاعب والتعتيم". فقد قمتُ باستنطاق ومساءلة واستجواب الكثير من الطروحات والمنظومات الفكرية والدينية والسياسية، بهدف الكشف عما تخفيه وراءها، من مطامح سلطوية، وما أدت إليه على مستوى الممارسة، من خراب فكري وإنساني ومجتمعي؛ وكذلك بهدف تعرية الأيديولوجيات الدينية التي وظفت كل ما هو ديني ومقدس في سبيل تحقيق مكاسب سلطوية وسياسية وظرفية، وفضح ألاعيب من يدّعي القبض على الحقيقة وامتلاك مفاتيح النجاة والتغيير، ومن يتخذ الجماهير كاحتياطي للتعبئة والتجييش، او كأداة وجسر للاستيلاء على الحكم والدولة والسلطة، في الوقت الذي يوهم فيه هذه الجماهير، بأنه يدافع عن مصالحها وحقوقها وهويتها ومقدساتها.
وإذا كان لكل سلطة أدواتها ومفرداتها ومنتجاتها وأسواقها، فإن السلطة الرمزية هي الملعب الوحيد للكاتب والباحث عن الحقيقة، والداعي إلى تحقيق العدالة والمساواة والحرية، وتتلخص أدوات هذه السلطة، بالكلام والكتابة ونقد الأفكار والنماذج الجاهزة والقوالب الفكرية المتحجّرة، وبالقدرة على دحض الأوهام الأيديولوجية التي تروّج بإسم "الحاكمية الإلهية"، لأكذوبة امتلاك الحقيقة أو الوصاية على القيم أو احتكار حمل رسالة الحق والعدل والخلاص. فلا وظيفة للكاتب عندي، سوى التفكيك والتعرية والمعارضة والقد التي هي من أمضى الأسلحة في محاربة "فلسفة الخراب" المستشرية في العالم العربي.
فالمثقف الذي يتعامل مع أفكاره على أنها تنتمي إلى عالم المطلق والمقدّس؛ والذي لا همّ له سوى التأكيد على هويته الثقافية وانتمائه العقائدي أو الحزبي – تشكّلت كلّ متاهات العنف الديني، ودوَامات العنف السياسي التي تدور فيها المجتمعات العربية منذ عقود. وقد ترك هذا الدوران العبثي في هذه المتاهات المظلمة، شروخاً عميقة وجروحاً غائرة في جسد الأمة ووجدان المواطن، ادّعت مقالات هذا الكتاب، أنها أرادت معالجتها بالتحليل الموضوعي الذي ينأى بنفسه عن الوقوع تحت تأثير أو سحر مقولات أي تيار ديني أو سياسي، باستثناء السحر الأسطوري الذي لا يُقاومه أي عاقل، لقيم الحق والعدل والخير والجمال ومنطق العقل السليم، هذه القيم التي تمّ للأسف، التلاعب بها وخيانتها وتلويثها، من قبل نفس الأشخاص الذين كان يفترض بهم، احترامها وحمايتها وتقديمها على كل ما عداها.