جميل هو عنوان المناسبة التي منها اطل بالامس امين عام حزب الله, في افتتاح صرح ثقافي باسم " منتدى جبل عامل للثقافة والادب " هو لا شك له وقع الموسيقى في قلوب واسماع الجنوبيين ، وبغض النظر عن الظروف والاجواء المحيطة بهذا الافتتاح ، ولو افترضنا جدلا اننا تخطينا كل الاولويات التي يحتاجها فعلا المجتمع الجنوبي هذه الايام ، ونسيان اسئلة مطروحة بقوة على الساحة الجنوبية واهمها : ما القيمة العملية لصرح ثقافي هنا او معلم سياحي هناك يصرف لهم ملايين الدولارات في ظل اوضاع اقتصادية متردية جدا ، وهل ان الحاجة الملحة لابناء جبل عامل والفئة الشبابية منهم بالخصوص المتزاحمون على ابواب السفارات هي التي تتصدر سلم هذه الاولويات ؟
الا ولانه من المعلوم عند الجميع بان الدول المانحة والممولة للاحزاب السياسية في لبنان تمنع عليها اي نشاط استثماري تجاري يمكن ان يؤمن فرص عمل لهؤلاء الشباب ، لتبقى امامهم فرصة العمل الوحيدة المتوفرة هي فقط عبر الانخراط والتفرغ بهذه الاحزاب نفسها ،
فبغض النظر عن ما تقدم وحتى لا نتهم بالاستغراق في التحديق الى القسم الفارغ من الكوب ، فلا بد من التعبير ها هنا عن شي من الرضى على هكذا نشاطات وهكذا مشاريع ،
رضى لا يمنع من تسجيل تحفظ وتحذير ، اما التحفظ فهو على الشكل الذي ظهّر فيه هذا العمل المفترض ان يكون ثقافي بامتياز ، فكان يفضل حينئذ تجنب اقحام السياسة بحلتها الفاقعة ، بحيث شاهدنا سيطرة محكمة للمشهد الحزبي والمواقف السياسية على الصورة ، ان من خلال تصدر الشخصيات السياسية للمقاعد الاولى ورمي الشعراء والفنانيين الى الخلف ، او بسبب اطلاق الامين العام لمواقف سياسية لا علاقة لها بالمناسبة ، خاصة انه كان من الملفت ما اعلنه عن رفضه ( ولو المبطن ) لحضور جلسة الحوار ! مما يشكل حالة تناقضية عجيبة ومستنكرة بين الثقافة والحوار ، مما افقد هذا الصرح حديث الولادة روحه الثقافية الحقيقية ليتحول وقبل ان تدب به الحياة الى مجرد مركز حزبي جاف لا يختلف البتة عن اي من المراكز الحزبية ,
ومما زاد من فداحة المشهد ، هو تصفيق الحضور المفترض ان يكونوا يمثلون نخبة مثقفي جبل عامل ، هذا الحضور الذي استمر جامدا كأن على رؤوسهم الطير ولم تهتز الايادي للتصفيق طبعا ولو لمرة واحدة حال القاء الشيخ فضل مخدر كلمته ، على الرغم مما قدمه من صور نثرية رائعة , وعبارات ادبية غاية في السلاسة ,, فكان ملفت ان كل هذه الجهود منه لم تحرك ساكنا عند الحضور ، وهنا يأتي التحذير ،
فهل بعد ان تم القضاء على اي مظهر من مظاهر التنوع السياسي الذي لطالما اشتهر به جبل عامل ،، فيعمل الان على مسخ صورة المثقف العاملي ، فيتم استحضار جمع من متقني ثقافة التصفيق ، الذين يبدعون جيدا بهذا العلم الجديد قهم حتما يعرفون" كيف" و"اين" و"لماذا" والاهم لمن يصفقون !!
لتتحول بذلك صورة المثقف عندنا كما هي الحال في الانظمى الشمولية الى مجرد مصفق للزعيم , وهذا ما نخشاه ونحذر منه ، لان التجربة علمتنا ان لا ثقافة ولا ابداع ولا حياة ولا حتى مقاومة في مجتمع يتخلى فيه المثقف عن دوره الحقيقي .