يبدو أن قمة الكويت ستكون قمة الفشل بامتياز، شأنها شأن القمم السابقة، التي قل فيها النجاح، وغابت عنها القرارات الصائبة، فلن يتخللها نجاحٌ يذكر، ولن تتمخض عنها قراراتٌ إيجابية، ولن يتنافس أطرافها من أجل التمسك بالحقوق، أو العودة إلى الأصول، أو تنقية الأجواء وتلطيف النفوس، وتوحيد الرؤى وتنسيق المواقف، وسحب مبررات الاختلاف وصواعق التفجير.
بل لن يكون فيها مصافحاتٌ إعلامية، ولا تبادل تحياتٍ دبلوماسية، ولا مرور لأطراف الاختلاف في الأروقة بالمصادفة، ولن يلتقي الفرقاء، ولن يجتمع الخصوم، ومن حضر مندوباً عن كبار المتخاصمين، فإنه لا يقوى على اللقاء، كما لا يملك القرار، وليس من واجبه تلطيف الأجواء أو إذابة الجليد، إنما حضوره فقد لئلا يسجل غياب، حتى لا يكون هو السبب في الفشل المحتوم.
ولن يستطيع كبيرٌ أو صغير، رئيسٌ أو ملكٌ أو أمير، أن يجمع الأطراف، ويدعو الفرقاء، أو أن يلتقي بهم معاً على طاولة إفطارٍ أو مأدبة غذاء، تلطف الأجواء، وتذيب الثلج، فالفجوة بين الفرقاء كبيرة، وقد أصبح من الصعب ردمها، واستعصى على الطبيب علاجها، فقد اتسع الرقع على الراقع، ولو كان ملكاً حكيماً، أو أميراً عجوزاً، أو غيرهما من المتحمسين الطامحين، الذين يتطلعون إلى أدوارٍ ومهام.
ولن تتمكن الكويت التي تستضيف القمة العربية الخامسة والعشرين، والتي تتصف بالوسطية والاعتدال، فلا تعادي أحداً، ولا تخاصم دولة، ولا تؤيد فريقاً أو تعارض آخر، في الوقت الذي يلعب أميرها دوراً فاعلاً في محاولة رأب الصدع الخليجي، وتقريب وجهات النظر بين أطرافه الذين طفت مشاكلهم، وطغت على التحديات التي تواجههم، فإنها لن تتمكن من تحقيقِ مصالحةٍ ولو كانت شكلية، ولن ينجح أميرها في رفع مستوى التمثيل العربي، أو مناقشة المشاكل والتحديات العربية بصورة جدية، رغم ما يتميز به من وسطية، وعلاقة جيدة مع أغلب الأنظمة والحكومات العربية، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة الذي بذلها قبل القمة، والتي سيبذلها خلال فترة الانعقاد.
كونوا على ثقةٍ تامة، أن القمة العربية لن تتمكن من جمع شتات العرب، ولن تستطيع تنقية الأجواء، ولا رأب الصدع، ولن تجمع الفرقاء، ولن تجد حلاً للأزمة السورية المستعصية، ولن يتوحد خطابهم تجاهها، معارضةً للنظام أو تأييداً للمعارضة، أو العكس، كما لن يتمكنوا من ممارسة الضغط على أطرافها، أو التأثير على الفاعلين فيها، لأن العرب باتوا في المسألة السورية خارج اللعبة، وبعيداً عن دائرة الفعل والقرار.
ولن تجد القمةُ الوقت الكافي، ولا الرغبة القوية للتدخل في المسألة الفلسطينية، رغم أنها الأساس، والقضية المركزية للعرب منذ عقود، ومع ذلك فإنهم سيتركون القدس وحدها، تعاني من أنياب ومخالب التهويد الصهيوني المحموم، وسيتخلون عن الضفة الغربية التي تنتقص أرضها، ويقتل ويعتقل أبناؤها، ولن يقدموا الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، ولن يساعدوا في التقريب بين أطراف الانقسام الفلسطيني، ولن يشجعوا مصر أو غيرها لتلعب دور الوسيط بينهم.
كما لن يناقش القادة العرب الأمن القومي العربي، والعلاقات البينية، ولا التنمية العربية، ولا سبل التعاون الإقتصادي، أو مشاريع الدفاع العربي المشترك، فماذا بعد تنتظرون من هذه القمة، التي أرى أنها ستكون قمة الإنحدار الأشد، والسقوط الأكبر، فما سيكون بعدها شتاتٌ أكبر، وتمزقٌ أكثر، وخلافاتٌ أشد، وسياساتٌ أكثر تناقضاً وعدائية لبعضهم البعض.
اللهم إلا إذا كانت قراراتها ضد الإرهاب، والذي بات يعني في مفهوم الأنظمة العربية بأنه المقاومة، إذ لم يعد لدى الكثير من الأنظمة العربية فرقٌ بين الاثنين، أو فاصلٌ مميزٌ بينهما، بل إنهما في عرفهم وتشريعهم وقانونهم فعلٌ واحد، وتمارسه مجموعة واحدة، هي التي تطلق على نفسها اسم المقاومة، فتساوت عندهم قوى الممانعة والمقاومة العربية، حزب الله والجهاد الإسلامي، وحماسٌ والإخوان المسلمون، مع غيرهم من القوى المتطرفة، والجماعات المتشددة، اليمينية القومية، والدينية المنحرفة.
يريدُ بعض المجتمعين في قمة العرب، أن تكون القمة مخصصة لمواجهة المقاومة، وأن تصدر قراراتها بالإجماع لحظرهم والتضييق عليهم، ومحاربتهم ومطاردتهم، وسجنهم ومحاكمتهم، وهناك حوافزٌ لمن يلتزم بالقرار، وينفذ المطلوب منه بدقة، أو يبالغ في تنفيذه، إذ سيكون العطاء بقدر الجهد والاجتهاد، ومساوٍ للنتيجة والأثر.
ولعل بعض القادمين إلى القمة قد قبض مقدماً، واستلم قبل المشاركة، ومنهم من يعرف الأثمان الحقيقية، والجهات التي ستدفع، والأطراف التي ستتعهد، دعماً لميزانيات، أو سداداً لديونٍ، أو تحديثاً لجيوش، أو إنعاشاً لاقتصاديات دول، وإعادة دراسة لهياكل اقتصادية وإدارية، أو تمويلاً لأنشطة اجتماعية، ومشاريع خيرية، بقصد إسكات الشعوب، وإلهاء الناس، وحرفهم عن الأهداف الحقيقية، وإبعادهم عن المعزولين والمحظورين والمتهمين بالإرهاب، ليتأكد لهم عزلهم، ويسهل عليهم محاربتهم، أملاً في القضاء والانتصار عليهم.
وكونوا واثقين أن إسرائيل، وهي العدو المركزي والوحيد لأمتنا العربية والإسلامية، ستكون بمنأى عن قرارات القمة المتشددة، اللهم إلا إذا أرادوا أن يخطبوا ودها، ويلتمسوا رضاها، ويطلبوا منها بأدب أن تتلطف مع الفلسطينيين، وأن تكون معهم أكثر رقةً وليناً، فتخفف بطشها، وتقلل قتلها، وتقلع عن بعض ممارساتها، لئلا ينكشف أمرهم، وتنفضح حقيقتهم، ومن المستبعد جداً أن يتضمن البيان الختامي للقمة أي تهديدٍ لها، أو تلويحٍ بالعصا ضدها، أو تحريك ما يغيظها ولا يرضيها من قضايا.
كانت الشعوب العربية دوماً تصف القمم العربية، بأنها قممٌ فاشلة، بل خائبة ولا تحقق شيئاً، وأنها ليست إلا لتعميق الأزمات، وتوسيع الهوات والفجوات، وإحباط المواطنين وتيئيسهم، وأنها ليست أكثر من منبر للاستعراض، وإظهار الطاقات والكفاءات، أو فضح العجز وكشف الجهالة، وتأكيد الأمية.
أو أنها منصة لتبادل الاتهامات، وتراشق المسبات، وفضح الأسرار، وهتك الأستار، وتسجيل المواقف، وإحراج البعض، وإغضاب آخرين، ودفعهم لترك القاعة ومقاطعة الجلسات، أو الغياب عن الكلمات، أو الإنشغال بالرسائل النصية، والمحادثات عبر شبكة التواصل الاجتماعي، أو الانشغال بفنون الرسم والتخطيط، أو الاستغراق في النوم، لمن لا يعرف التعامل مع الهواتف الذكية، والاستفادة من خدماتها الرائعة.
ألا يدرك القادة العرب أن أوطانهم مهددة، وأن بلادهم مدمرة، وبيوتهم خربة، وشعوبهم ثائرة، وأن عروشهم في خطر، وأن استقرارهم بعيد المنال، عصي على الثبات، وأن مصالحهم باتت في مهب الرياح، وأن أعداءهم يتربصون، ويتآمرون عليهم، ولا يصدقون معهم، وأنه لم يعد لديهم وقتٌ للاستدراك، أو فرصة لتجاوز الظروف والأوضاع، فهي أصعب من أن تحتملها أمة، أو أن يسكت عنها نظام، إذ أن الرياح التي تهب على المنطقة هوجٌ وعاتية، وتكاد تقتلع كل شئ، فلم يعد للأوطان في الأرض أوتادٌ تشدها، ولا عمودٌ يرفعها، فسارية الأمة العربية غائبة، بل لا وجود لها، فلا يمكن لخيمة العرب أن يستقيم حالها، بغيرِ عمودٍ يرفعها، وبلا أوتادٍ في الأرض مغروسة بعمقٍ تشدها وتحفظها.