اختصَّ الغربيون الأم بيوم لشكرها اسموه عيداً، بدأت الفكرة في اميركا , واعتمدت سنة 1908 في الثامن من أيار واستقر بعدها في الأحد الثاني منه ، ثم انتشرت في الدول الاسكندينافية سنة 1917 معتمدين يوم الثاني والعشرين من شهر آذار، وتبعهم في ذلك كثير من دول العالم بما فيها الدول الاسلامية على اختلاف في تحديد تاريخه·وبعض الدول لا تحتفل به مستقلا بل تجعله للأب والأم معا وبعضها تحتفل به كعيد الأسرة .
كانت إيران تحتفل بعيد الأم يوم ولادة الشاهبانو فرح ديبا وقد ألغي بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني رحمه الله ، ومن جملة خطوات الاستقلال الثقافي والعودة إلى المفاهيم الاسلامية، وربط المناسبات العامة بالمناسبات الاسلامية اعلن الامام الخميني في الخامس من أيار سنة 1980 يوم ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام والموافق للعشرين من جمادى الثانية يوماً عالمياً للمرأة المسلمة، انطلاقاً مما ورد عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله بحقها: "فاطمة أم أبيها"، ولتكون هذه الشخصية المميزة أسوة لنساء المسلمين.
دوام الشكر:
اذا كان الغرض من تخصيص يوم للام والمرأة ايجاد مناسبة تمنع من نسيانها وتساعد في ايفائها بعض حقها من الجميع، فان علماء الاسلام واتباعاً للهدي القرآني والنبوي يتفقون على عدم اختصاص وقت دون آخر بشكر الأم، وعلى أن الامر بشكرها خاصة من خلال النص القرآني الوارد في سورة لقمان الآية الرابعة عشرة من جملة قوله تعالى:
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ - لقمان - الآية - 14
هو أمر بمعروف وارشاد إلى احسن الخلق، يرتضيه العقلاء ولا يتعلق بوقت دون آخر فهو مطلوب على الدوام من خلال الربط بينه وبين شكر الله (ان اشكر لي ولوالديك),على أن التخصيص بيوم معين للتذكير بفضلها لا مانع منه·
حقيقة الشكر:
يرتبط الشكر بالمعرفة، والشكر على النعم وشكر المنعم خصوصاً يرتبطان بمعرفة المنعم والنعمة وذلك اننا نروي عن الامام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قوله: "آوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: يا موسى اشكرني حق شكري، فقال: يا رب وكيف اشكرك حق شكرك وليس من شكر اشكرك به الا وأنت انعمت به علي؟ قال: يا موسى الآن شكرتني حين علمت أن ذلك مني"·
ولذلك نجد الله عز وجل عندما أمرنا بشكره والوالدين بين لنا النعمة والسبب فقال عن الام: حملته وهنا على وهن وفصاله في عامين، وقال عن نفسه: إليَّ المصير وترك بيان ما يتعلق بالأب مما يوحي بعناية خاصة بالأم·
هذه العناية يفسرها المأثور النبوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما "جاءه رجل، فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: امك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك"·
ولا تكتمل حقيقة الشكر الا بتوفيق الله عز وجل اليه، وهو ما تبينه الآية الخامسة عشرة من سورةالاحقاف: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ - الأحقاف - الآية - 15 ويشير إلى هذا المعنى زين العابدين الامام علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب في "رسالة الحقوق":
"واما حق امك ان تعلم انها حملتك حيث لا يحتمل احد احداً، واعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي احد احداً، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال ان تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك، وتضحي وتظلك، وتهجر النوم لاجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، وانك لا تطيق شكرها الا بعون الله وتوفيقه"·
رسول الاسلام والام:
الام في الاسلام، وفق ما قدمناه، وهو نموذج بسيط مما تزخر به تعاليم الاسلام، مقدمة ومقدسة بحيث جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الجنة تحت اقدام الامهات" وفي هذا بيان لصورة النبي محمد صلوات الله عليه وآله، الذي ما فتئ اتباع الشياطين يحاولون المس بساحته ويأبى الله الا أن يتم نوره باشاعة تعاليم القرآن والسنة كما أتى بها نبينا الكريم·
اللهم وفقنا لاداء حقه وحق امهاتنا وابائنا برحمتك يا ارحم الراحمي
سماحة الشيخ علي خازم