كيف يمكن للمرء أن يتأقلم مع ما يجري في عالمنا العربي..؟؟ هل تاهت أفكارنا في زواريب ثقافة الموت إلى الحد الذي أصبحنا فيه نفتقر إلى أبسط البديهيات وأكثرها وضوحاً..؟؟ أوليس عشق الحياة هو أحد الغرائز التي غرسها الخالق فينا..؟؟ فما الذي أوصلنا إلى طريق موحّد هو الموت..ولكن بفرعين أحدهما اختياري والآخر إجباري، وقع عليك اختياره صدفة لأن شريكك في الوطن قرّر أن يسلك الفرع الأول من الطريق الذي سيوصلك أنت حتماً إلى الفرع الآخر..!!
فهل أصبح قدرنا أن نتعايش مع هذا البؤس، وأن نكيف أوضاعنا مع ثقافة الموت السائدة بقوة في مجتمعاتنا، وهل عجزت فعلاً إنسانيتنا عن تغيير هذا الواقع، وتفكيكه والخروج بحلول تضمن الأمن والسلام والإستقرار وحق الحياة للجميع..؟؟
ففي ظل ثقافة الموت المنتشرة في عالمنا العربي بشكلٍ عام واللبناني بشكلٍ خاص أحببنا أن نطلّع وإياكم إلى الأسباب التي تكرّس هذه الثقافة في مجتمعاتنا لدى الأجيال الناشئة وإلى السبل الكفيلة بإخراجنا من عنق زجاجةٍ لا تفوح إلا برائحة الدماء والبؤس والشقاء.
ولنبدأ أولاً من البيئة الإجتماعية والتربوية التي تكرس هذه الثقافة بأبسط الوسائل، مثلاً الهدايا التي يقوم الآباء بشرائها لأطفالهم، فأوّل ما يمكن أن يخطر في بال أب يريد شراء لعبةٍ لطفله المدلّل "بارودة أو مسدس أو قنبلة وصورايخ أو..أو.." وغيرها من الألعاب التي تحرّض على العنف والقتل. أما ألعاب الفيديو التي تغزو عالم أطفالكم الإلكتروني، هل جرّبتم مرّةً واحدة ان تدخلوا وتروا ما هي تلك اللعبة الإلكترونية التي يلعبها أطفالكم ما يقارب أكثر من منتصف اليوم، إنها كلها ألعاب إلكترونية شديدة الخطر على النموّ الذهني للطفل في عمرٍمعيّن تعلّب تفكيره باتجاه العنف والقتل والتدمير وغيرها من الأساليب العدائية التي لا شكّ بأنكم تلاحظونها في أساليب أطفالكم اليومية في تعاملهم مع الآخر. فهناك ألعاب وهدايا ترفيهية قد تكون أكثر تسلية وفائدة من هذه الألعاب التي تشكل خطراً حقيقياً على مستقبل أبنائكم.
وبالرغم من خطورة هذه الألعاب إلا أنها لا تصل إلى مستوى خطورة ذلك الأب الذي يعلّم ابنه أو ابنته الصغيرة على حمل السلاح الحقيقي وإطلاق النار في الهواء أو على هدفٍ معين، وكم هي كثيرة الضحايا العفوية التي سقطت من جراء هذا الجهل الذي يكرسّه الآباء في نفوس أطفالهم.
فالطفل الذي تعلّم على حمل السلاح من نعومة أظافره لم يقابل من يخالفه الرأي في المستقبل القريب بالورود بل سيقابله بالرصاص الذي أثمر على يديه عنفاً واعتداءً وكرهاً لللآخر.
ثم البيئة الاقتصادية الرثّة المسيطرة من شقاء وبؤس يلوّن الحياة بلون الفقر المقذع الذي يحاول السياسيون تكريسه عبر إرساء سياسة التجويع لإبقاء المواطنين تحت رحمتهم ليكونوا مجرّد رصيد انتخابي ودروع بشرية مستعدّة للموت من أجلهم في حال "علقت" كما هو متعارف عليه في المجتمع اللبناني.
ولا ننسى بعض وسائل الإعلام التي باتت أبواقاً رنّانة تزخرف ثقافة الموت والجهاد وتلونها بشتى ألوان الأناشيد الجياشة التي لا تنشد إلا القتل والفتنة. ففي ظل أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية متأزمة يقف اللبناني مكبّلاً أمام وعيه ولا وعيه الذي يبلور له ثقافة الموت كحلٍّ جذري من كافة مشاكله ومسؤولياته.
ففي ظل العنف والموت الملتف على حياتنا كالتفاف السوار على المعصم لا يكفي أن تقف أمام الموت عارياً، بل يجب عليك أن تتصدى له بالتفكير والنقد والكتابة، فموت الوعي والإحساس بقيمة الحياة جعل الإنسان على هيئة جثة بلا إحساس يعيش الحياة بلا حياة منتظراً الموت الذي لم يعد قدراً غيبياً بقدر
ما هو لعبة مؤسسات اجتماعية واقعية تجعل من الفرد يعيش الحياة وهو ميت. فإن العبور من الموت إلى الحياة لا يتم ولن يتم إلا عن طريق الوعي واحترام الآخر، فمعاً نجسّد الحياة ومتفرقين لا نجسّد إلا الموت والدمار.
نهلا ناصر الدين