تشكل الفقرة المتعلقة بالمقاومة أحد المواضيع الخلافية في البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية ما بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعد الانتخابات النيابية عام 2005، في حين أن النص حول المقاومة كان يتم الإتفاق عليه سريعاً وبإجماع في كل البيانات الوزارية للحكومات التي شكلت منذ عام 1989 بعد إقرار اتفاق الطائف باعتبار أن الأمر كان من المسلمات الوطنية.
المقاومة في الطائف: غياب النص الصريح
تضمن إتفاق الطائف فقرة عن تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي جاء في نصها: “استعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً تتطلب الآتي:
أ – العمل على تنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة.
ب – التمسك باتفاق الهدنة الموقع في 23 آذار 1949.
ج – إتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً، والعمل على تدعيم وجود للقوة الدولية في الجنوب اللبناني لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود”.
فمؤيدو المقاومة يعتبرون أن عبارة “كل الإجراءات اللازمة” تعني المقاومة بشكل أكيد ويستندون بذلك إلى تصريحات نواب كانوا في الطائف وإلى البيانات الوزارية المتعاقبة، ولا سيما منها بيان الحكومة الأولى بعد الطائف، أما معارضو المقاومة فيعتبرون أن الطائف لم يأت على ذكر المقاومة تصريحاً ولا تلميحاً، وعبارة “الإجراءات اللازمة” الواردة في الطائف لا تعني المقاومة بل إجراءات قانونية وديبلوماسية، ولو كان المقصود بذلك المقاومة لكانت نصت على ذلك أو استحدثت كلمة “وسائل”.
ويستندون في موقفهم إلى تصريحات نواب كانوا في الطائف وأكدوا أن كلمة المقاومة لم تكن واردة في أي نص مقترح. وحتى عندما طلب احد النواب إضافة كلمة “مقاومة” بعد عبارة “الإجراءات اللازمة” لم يحظ طلبه بالموافقة. كما أن المنطق، وفقاً لهم، لا يقبل التمسك باتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل واعتماد المقاومة.
المقاومة في البيانات الوزارية
استناداً إلى النص الوارد في الطائف حول المقاومة، جاءت جميع البيانات الوزارية بعد إقرار الطائف متضمنة فقرة عن دعمها، إنما بصيغ مختلفة.
وفي قراءة لنصوص البيانات الوزارية منذ عام 1989 الى 2014 (حكومة الرئيس نجيب ميقاتي) يتبين تغيّر النصوص والألفاظ حول المقاومة. والبيانات قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 تضمنت كلمات تقدير وإشادة بالمقاومة مثل: “دعم المقاومة الباسلة “(سليم الحص 1989)، إلى”حق الشعب اللبناني في المقاومة الوطنية المشروعة إستنادا الى شرعة الامم المتحدة (عمر كرامي 1990)، إلى التمسك بالثوابت اللبنانية في حق لبنان حكومة وشعبا في التصدي للاحتلال”(رشيد الصلح 1992) و هو النص نفسه الذي استخدم في حكومات الرئيس رفيق الحريري الثلاث في عهد الرئيس الياس الهراوي،مضافاً إليه “التزام القرار 425″.
وبعد الإنسحاب الإسرائيلي عام 2000 غاب عن البيانات الوزارية ذكر القرار 425 الذي تعتبر الأمم المتحدة أنه نفذ كاملاً، في حين تعتقد الدولة اللبنانية أنه نفذ جزئياً ولا تزال هناك أراض محتلة وحضرت الإشادة بدور المقاومة في إنهاء الإحتلال والحفاظ على إنجاز المقاومة والعمل على تثميره في كل المجالات (حكومة الحريري 2000 و 2003).
وفي آخر حكومة قبل إغتيال الرئيس رفيق الحريري برئاسة عمر كرامي وردت عبارة “إعتماد المقاومة لمواجهة العدوان الاسرائيلي”، إنطلاقاً من إتفاق الطائف وتأكيده أن إستعادة سلطة الدولة تتطلب إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي.
أما وبعد إغتيال الرئيس الحريري عام 2005 فإن الإنقسام الحاد بين بين فريق 14 آذار الذي حمل لواء إتهام سوريا بإغتيال الحريري، وشارع 8 آذارالشاكر لسوريا على مساعدتها للبنان طيلة فترة وجودها فيه، لم يمنع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من تضمين بيانها الوزاري عبارة “أن المقاومة اللبنانية وسلاحها هما تعبير صادق وطبيعي عن الحق الوطني للشعب اللبناني في الدفاع عن ارضه في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية”.
وبعد حرب تموز 2006 ظهر دعم المقاومة مقروناً بإلتزام الـقرار 1701، وبالتمسك بتعبير”المقاومة” وبالتخلّي عن “سلاحها” فجاء النص “حق الشعب في المقاومة أو حق لبنان حكومة وشعباً في التصدي للإحتلال الاسرائيلي بكل الوسائل المتاحة”.
وبعد الدوحة، وتلاقي الخصوم بعيداً عن الأرض اللبنانية المهتزة، تم التوصل إلى تسوية أوصلت قائد الجيش العماد ميشال سليمان الى بعبدا، ليشهد بيان حكومة الإرادة الوطنية الجامعة برئاسة السنيورة ولادة ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، ثلاثية ولدت عشية البيان على مأدبة عشاء أحد رجال الأعمال البيروتيين، وجمعت وزيراً من فريق المستقبل يومها وشخصية من فريق 8 آذار، لتستمر هذه الثلاثية، بحرفيتها، مع حكومتي سعد الحريري ونجيب ميقاتي، رغم الإتهامات التي وجهت لحزب الله باغتيال الحريري.
اليوم، مع حكومة الرئيس تمام سلام وتمسك فريق 8 آذار”بالثلاثية” وفريق 14 آذار ببيان بعبدا كصيغة للبيان الوزاري، يجري التفتيش بأجواء من الهدوء والروية عن صياغة بديلة، والكل يجمع أن اللغة العربية مطاطة ان التسوية ل ابد آتية من خلال النقاشات الدائرة في لجنة صياغة البيان الوزاري.