أدركتُ الصلاة خلفهما في ليلةٍ مبكرةٍ من ليالي الإحتلال الإسرائيلي وفي لحظةٍ من لحظات التجلِّي الأملوي إستفاقت قرية معركة دغشة على دبابة إسرائيلية وفي يدها عصا موسى الصدر..آنذاك كان الواقع مأزوماً وسطوة الإستسلام مسيطرة على لبنان وجنوبه وكانت الساحة مفرغة من كل الرايات والسلاح الذي رفع في الحروب الداخلية وداسته جزمة الجندي الإسرائيلي..وحدها حركة أمل في تلك المرحلة بقيت في ما تبقَّى من مواجهة خاسرة أمام آلة إسرائيلية مدمِّرة وواقع وجد في الإحتلال فسحة للخروج من عبء السلاح الفلسطيني- اللبناني. لذا حمل محمد سعد وخليل جرادي راية العودة إلى ما يشبه المستحيل تأسيساً على خصوصيةٍ في الدِّين والعقيدة والتزاماً بمواقف الإمام الصدر الدَّاعية إلى مقاومة الإحتلال الإسرائيلي بالأظافر والأسنان، وتلبية لصرخةٍ وطنيةٍ تدفع باللبنانيين إلى المقاطعة والمقاومة..
في بداية تحرُّكهما المدني كرَّس سعد وجرادي صفَّاً مرصوصاً في القرى الجنوبية مقاومة للإحتلال وحصناً آمناً للمجاهدين وبذلك تكرَّست معادلات جنوبية أكلت من سطوة وسيطرة الإستسلام لصالح قوَّة ناهضة وقادرة على إحداث فجوة في جدار الإحتلال وملبِّية لإشتراطات داخلية لا تُفرِّط بمصالح الجنوبيين وبأمنهم،بل تحرص على صيانة وحماية البيئة الجنوبية من أيِّ عنصرٍ طارئ من شأنه الإسهام في الإضرار بمشروعيَّة النضال من جهة وبممتلكات الجنوبيين من جهةٍ أخرى..
من هنا كانت بداية المقاومة تكئة تأسيسية لدى المُجَاهِديَن جرادي وسعد رغبةً منهما في تهيئة مُناخ عام يحتشد خلف إرادة التحرير ضمن إمكانيات متاحة وبذلك يكون الجنوب ومن خلاله لبنان وجهاً لوجهٍ أمام الإحتلال الإسرائيلي..لذا جاءت تطورات آليَّات المقاومة منسجمة تماماً مع مقدِّمات محمد سعد وخليل جرادي باعتبار أنهما قد خرجا من شرنقة الإطار الخاص إلى مساحة سياسية واسعة تعتمل فيها ضرورات الناس بما يطيح بمحظورات حزبية مفيدة ولكنها مقيَّدة لفعلٍ يتجاوز حدود النتيجة المباشرة إلى نتائج ترسم المستقبل السياسي وفق منظوري "صدري" وضع الحركة في سياق الدور الذي يلبِّي حاجة الدولة كشرطٍ مستقيم لا يمكن إختزاله تحت عناوين مصادِرة للدولة تحت وطأة الطائفة أو الجهة الحزبية أو أيِّ مكوِّنٍ آخر يسعى كي تكون الدولة خادمة ووسيطاً يُوفِّر له ما يحتاج من خدمات..
في ذكراهما نستعيد المشهد الأول من ذاكرةٍ جنوبيةٍ تختزن تجربتي محمد سعد وخليل جرادي لنستقرأ الإنتصار والتحرير على ضوء إرادتيهما.......الشيخ عباس حايك..