بعد هدوء عاصفة تشكيل الحكومة، وحصي المكاسب والمناصب والمغانم، من قبل القوى والكتل السياسية التي وزرت، لا بد من التفكير بهدوء.
هناك في قلعة شامخة في جرود كسروان، من اعتزم استمراره في التماهي مع مبدأه ونهجه، واختار الصدق مع نفسه وجمهوره، فلم تغريه أي لسانيات مجملة، ولم تستهويه أي مناصب تعرض عليه، وأي ملامح تسووية أو ما شبه بها، قرر "الحكيم" بحسم عدم الدخول في المهاترات السياسية والمكاسبية، وأعلن رفضه الدخول في حكومة تضم مختلف الأفرقاء، خصوصا أن هناك طرف ما يطيح بنظرية الإجماع بتفرده في الذهاب الى القتال خارج الحدود اللبنانية دون استشارة أحد، ودون الطلب من أي فريق لبناني.
قرار رئيس حزب القوات اللبنانية هذا، اتى على نسق قراراته السابقة التي لا تنسجم مع قناعاته، ولا قناعات جمهوره، فعلها الحكيم في حكومة الرئيس عمر كرامي، رفض منصبه الوزاري كي لا يوقع موافقا على الوصاية السورية على لبنان، أو الاحتلال السوري بغطاء إقليمي ودولي كما يحلو له ان يسميه، دخل المعتقل أحد عشر عاما ولم يتنازل عن قيد أنملة من مبادئه، هذا ما بقي سائرا به بعد خروجه الى الحرية. وسط هذه المعمعة السياسية، والتناتش بين الكتل حول الحصص الوزارية، كان جعجع يراقب من عرينه شامتا ربما، وهو يضمر ما يستشرفه، حول السلوك المعتاد لحزب الله، والذي سيأخذ الغطاء المحلي، ومن ثم سيطيح بكل شيء عند أول مفترق.
بعيد التشكيل جمهور الفريقين اجتاحته موجة غضب على قياداته، فجمهور قوى الرابع عشر من آذار، عزت عليه المشاركة مع من يتهمونه بقتل قياداتهم، وحس بالإحباط من جراء التنازلات التي يقدمها هذا الفريق فترة بعد فترة، ويسأل كيف يكون بعد اغتيال الوزير محمد شطح ليس كما قبله، ومن ثم نشارك حزب الله على طاولة واحدة؟ كيف نشرع لحزب الله عبر جلوسنا معه حربه ضد الشعب السوري، وما استتبعته من تداعيات على الداخل اللبناني؟ في المقابل كان جمهور قوى الثامن من آذار يشن حملات وحملات على قياداته التي ساومت ورضيت بالجلوس مع من اتهموهم بالعملاء، والتكفيريين.
رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون كان يقاتل من اجل الحصول على منصب أو آخر، وعلى حقيبة سيادية وخدماتية، وقد ربط بحصوله على كرسي وزاري المصير المسيحي، ما أثار حمية الشارع المسيحي، الذي بالتأكيد رفض هذه المهاترة وهذا التسخيف الذي قام به من يدعي الحرص على حقوق المسيحيين.
وحده الحكيم سمير جعجع، كان الصادق والمتماهي مع نفسه وقناعاته، لم يلن ولم يساوم، ولم يدخل معترك الدجل، ولا إحباط الجمهور، ودائما من يكون منسجما مع قناعاته وصادقا مع قاعدته، هو المنتصر الأكبر.