في رائعة الكاتب الروسي ميخائيل تشخولوف "الدون الهادئ" الذي يستعرض فيه الاوضاع الاجتماعية التي سادت اثناء فترة الحرب الاهلية في روسيا بين البيض والحمر، والتي تخللتها حالات من القتل والسرقة والتنكيل والحرق والاغتصاب والحب والتغير في التوجه السياسي.
يحاول الكاتب تجسيد هذه الحالة التي يعيشها سكان المناطق التي تخضع لقانون المحاربين من خلال شخصية بطل روايته "غريغوري" المقاتل الذي بدل انتمائه عدة مرات اثناء فترة الحرب،لكن تبقى شخصية هذا المحارب المميزة في قتاله مع الاطراف الذي ينتمي اليها مرتبطة بمفهوم الشجاعة القوقازية والجنس الذكوري بالرغم من كونه متأهل من سيدة مميزة وجميلة جدا حسب الوصف وأب لأطفال ،لكنه كان يحبذ البقاء مع عشيقته التي لم تفارقه في مناطق القتال. وأيضا يستعرض الكاتب صورة ثانية لزوجة اخيه التي تحاول ممارسة البغاء مع الصبية الذين بقوا في القرية بعد موت زوجها المحارب ،وفي في غرفة المواشي يكتشف امرها والد زوجها فتقف امامه وتصرخ وتفتح عن صدرها وتقول له خذ انت اذا لا تحب ان يأخذ غيرك ،فينهال عليها بالضرب ويتركها لأنه يرفض هذا التصرف غير الاخلاقي.
فصورة الجنس التي تبقى الاساس في استخدام الكاتب لعبارات تجسد الحالة والانتقال والكر والفر في كل الدول التي تسيطر عليها الحروب وخاصة الداخلية .
وهذه الحالة من الفلتان الاخلاقي التي تسود مناطق الحروب تم وصفها ايضا في روايات الكتاب السوفيات اثناء الحرب العالمية الثانية ، فالاغتصاب حالة سبي عالمية تمارس في كل مناطق الحروب بسبب السلب والفقر والانحلال الاخلاقي والتدهور الاقتصادي والحاجات الجسدية التي تفرضها الحروب لغياب الرجال . الألمان عندما احتلوا مناطق ودول في الاتحاد السوفياتي كانوا يتعلمون الكلمات الروسية التي تساعدهم في الوصول للنساء وممارسة الجنس معهن. ويكتب احد الضباط الالمان في مذكراته بان العسكريين الالمان قد فهموا منذ البداية بأنه لا يمكن الانتصار على امة اغلب نسائها عذارى.
فالاغتصاب الممنهج لم يكن في الاتحاد السوفياتي بل شمل مناطق كثيرة من العالم اجتاحتها الحروب ، وهذا العمل لم يبتعد كثيرا في روايات الامريكيين وأفلامهم في كيفية تعاملهم مع الشعب الياباني والفيتنامي وعن حالات الاعتداء الجنسي والاغتصاب طوال فترة الحرب .
لكن الاعلام ووسائله المختلفة يسلط الضوء على صورة المجتمع السوري في فترة الثورة لإعطاء صورة مشوهة عن الثورة من خلال الاضاءة على حالات كثيرة تدل على مدى حالة الشعب السوري الذي وصل اليها ، وحالة الانحلال الاخلاقي لهذا الشعب .طبعا الاعلام وخاصة اللبناني يحاول الإساءة للمعارضة السورية وللثورة نفسها فالمطالبة بالحرية والديمقراطية مرتبطة بالانحلال الاخلاقي وممارسة البغاء والفلتان الجنسي .فالإعلام اللبناني يحاول تصوير الثورة بأنها سبب الانحلال وظهور هذه الظواهر الاجتماعية المرعبة "الاغتصاب والتحرش الجنسي والاستغلال للنساء والاعتداء عليهن وعلى الاطفال خارج بلدهم وتصويرهم عرضة من قبل الجميع للانتهاك الاخلاقي لعدم وجود الرادع والحامي الذي كانت تؤمنه الدولة .
فالإعلام اللبناني وتحديدا "قناة الجديد التي تهتم بعرض الفضائح لأسباب خاصة تروج لمثل هذه الافلام الدعائية المأجورة ليس حرصا على النساء السوريات بل شماتة في المعارضة . ففي نشرات الاخبار وفي برنامج للنشر يقوم البرنامج بعرض تحقيقات عن هذه الحالات والتي تكون حقيقية ولكن لا تهدف للحماية والمعاقبة بل لتذكير الشعب السوري بكلمات المخابرات في الافلام التي تسرب اثناء التحقيق والتعذيب مع المعتقلين "بدكم حرية هذه الحرية" .
وكأن الجديد في عرضه لهذه التحقيقات يؤمن خدمة خاصة للانقضاض على الثورة وليس على الحالة الاخلاقية التي ليس لها اي مبرر لا في حالات الحرب ولا في حالات السلم. الانحراف في سورية ليس جديدا وهو موجود منذ زمن والفنادق السورية كانت تقدم هذه الخدمات ليس من خلال الاجنبيات بل من سوريات، عندها لم تكن هذه الاصوات مرفوعة بالوقت الذي كان اللبنانيون القاصدون سورية يستفيدون من هذه الخدمات،. ومن كان يستمع الى برنامج اسمه حكم العدالة والذي يعرض على الاذاعة السورية كل نهار ثلاثاء والذي كان موضوعه من مواضيع الحالات الاجتماعية السورية تقدم من ملفات المحكمة السورية في كافة المناطق و كانت تتناول فيه قصص جنسية مروعة ومفزعة فالسورين كانوا يعرضونها بشجاعة ،اما القنوات التي تحاول ممارسة السبق الصحافي في كشف هذه المشاكل لم تقف امام اي فضيحة من فضائح جيش النظام في سورية الذي يمارس المداورة في الاغتصاب للأطفال ومن ثم حرقهم.
عرضت قناة الجديد في برنامج للنشر بتاريخ 26 يناير 2014 لقطة مصورة لإحد الرجال السوريين مع قريبة له، يذهب معها لممارسة الجنس في مغارة ويتم تصويرهما بواسطة كاميرات مركبة، يُشكر برنامج النشر ومعده طوني خليفة على محاربة الانحلال الخلقي وهذا يتطلب العمل منا جميع لمنعه وإنزال اقصى العقوباب بالفاعل . ولكن القناة لم تتوقف عن هذه الشراهة عندما وقعت منذ فترة حادثة في منطقة النبطية اعتداء جنسي على فتاة قاصر من رجل ثمانيني ، وعندما كشفت من قبل ابنة عمها الذي حاول هذا الرجل الاعتداء عليها ايضا، رفعت الصوت عاليا وعرف الاب المعاق الذي قرر ايصال الموضوع الى المحاكم .فالقضاء ميع الموضوع بواسطة التحقيق القضائي الذي اصبحت الضحية فيه مجرمة والمجرم ضحية، لم نشاهد القناة ولا برنامج للنشر يتابع هذه القضية اللبنانية .
سورية دولة متعددة الطوائف والأعراق والقوميات وتختلف بالثقافة والمفاهيم عن لبنان ولا يمكن ان لا نرى الا هذه الاعمال. هذا شعب يوجد فيه المثقف والمتعلم والمتدين والمبدع من الكتاب والشعراء والأدباء والممثلين والمفكرين الذين نحب ونحترم
ونرى ايضا العديد من اصحاب السوابق والمجرمين والمنحرفين والحشاشين والمدمنين والقاتلين والمنحلين اخلاقيا والذين يمارسون البغاء واللواط .
فالشعب السوري لا يختلف عن اللبناني وعن العراقي والفلسطيني والأردني،وجميعنا عشنا مأساة الحرب وكانت معاناتنا متشابهة وكان الجوع والقتل والفلتان والانحلال الاخلاقي سيد الموقف.
والمخابرات السورية سابقا مارست هذا العمل البشع ضد اللبنانيات تحت شعار أنهن جميلات وجنسيات . فاليوم يتم استغلال السوريات كما استغلت العراقيات في الماضي تحت هذا الشعار بأنهن جنسيات ومثيرات ويتوجهون بالتحديد نحو القاصرات ومحاولة اغرائهن بالمال والجميع يتجه نحو السوريات ويستغل حالتهن ومأساتهن من خلال الاندفاع الجنسي للرجال والكبت الجنسي الذي يعاني منه الرجل العربي والذي يحال الانتقام لرجولته بالزواج من قاصر سورية كي يفك غشاء بكارتها ويعيد الثقة بنفسه بأنه رجل ، فإذا كان الشرف يكمن في غشاء البكارة عند الفتاة ،فأين يكمن اذا الشرف عند الرجل. طبعا الفلتان في المجتمع السوري هو انتكاس طبيعي للثورة ولكن الثورة السورية حالها كحال باقي الثورات العالمية التي مرت بعدة انتكاسات لكن بالنهاية كل الانتكاسات في الثورات تجدد عمرها وتعيد رونقها وزخمها من جديد.
احببنا دمشق وياسمينها، حلب وشهبائها ،حمص وعاصيها وميسلون ومعركتها وتاريخها ،ادلب ومعرتها ، تدمر وزنوبتها ، باب الحارة والتاريخ السوري –اللبناني.
لقد احببنا نزار قباني وشعره ، محمد الماغوط وكتاباته ،حنا مينا وروايته ، ادونيس ونثره ، علي فرزات ورسمه ، خالد خليفة وقصصه ، سعد ونوس ومسرحه ، ميشال عفلق وفكره ،الكواكبي وفلسفته وصالح العلي وسلطان الاطرش ابراهيم هنانو وبطولاتهم ،نجيب الرئيس وقلمه ، شكري القوتلي وعروبته والدراما السورية .واحببنا
أصوات أصالة ،ميادة الحناوي ، القدودد الحلبية فجميعهم سورييون ولم نجد عيوبا في ثقافة هذا الشعب طوال الفترة السابقة ولم يكن الانحراف الجنسي هو السائد. لكن اليوم خرجت هذه المشاكل الى العلن لتعلن بأعلى صوتها انها مشكلة العصر .
في سورية ثقافة المناطق والنواحي تختلف عن المدن الكبرى في سورية عادات وتقاليد لا تزال منذ العصور الوسطى بل هناك من يعبد الفرج ومن يعبد الشيطان ومن يعبد الرئيس .
بل هناك المخابرات والأمن كانت ومازالت ترتكب المعاصي بحق الشعب السوري يوميا.
فالانحلال ظاهرة غير عادية ويجب محاربتها و ضبطها ومنعها وليس استخدامها ورقة ضغط للتشوية والإساءة لقوى الثورة وتجييرها لخدمة النظام لأنها ورقة خاسرة في حال استخدمها الاعلام سياسيا .
والسؤال الذي يطرح على هذه القنوات والبرامج كم عدد النساء اللواتي يمارسن البغاء وسط مجتمع يبلغ تعداده 25 مليون نسمة و11 مليون منه تم تهجيره في الداخل والخارج.
د.خالد ممدوح العزي ...
صحافي وباحث اعلامي مختص بالإعلام السياسي والدعاية .