لفتني حديثٌ شيعيّ صباحي في بيت جارنا، بعد الإستماع لنشرة الأخبار الصباحية واحتساء وجبة دسمة من سمّ الفتنة المقدّم مجانّاً بشكلٍ يومي على قنوات التشرذم التي تمزّق المجتمع اللبناني. ألا وهو: "ما الذي يدفع الإنسان إلى تفجير نفسه..؟؟ ماذا أدخلوا في عقله حتى وصل لهذه الدرجة من الإستدماء والعنف..؟؟ ما هي العقيدة التي يؤمن بها ومن أفتى له بشرعيتها..؟؟ ".
فهذه الأسئلة كثرت في الأيام الماضية بعد انتشار ظاهرة الإنتحاري في لبنان، فأصبحنا بعد كل عمليّة إنتحارية نحاول ،لا إرادياً، أن نفهم سرّ هذا الإفتداء عند الإنتحاري، فلا نجد أيّ سبب مقنع لهذا التفجير البدني القاتل. فأن يفجّر الإنتحاري المسلم نفسه وسط مجموعة مسلمة مثله هذا هو التناقض بحد عينه مع مفهوم الجهاد الإسلامي.
وفي العودة إلى الدراسات التحليلية عن ظاهرة الإنتحاريين، أشارت بعض الدراسات التي اعتمدت على البحث في شخصية هؤلاء الإنتحاريين في غزّة بعد موتهم من خلال متابعة حثيثة لكتابتهم الأخيرة قبل إقدامهم على العملية وصولاً إلى التعرف عن كثب على عائلاتهم وأصدقائهم، توصّلت إلى أن أغلبية الذين قاموا بهذه العمليات لا يعانوا من حالات أو أمراض نفسية دفعتهم إلى هذا الفعل. بل هم نوعية من الناس الذين لا يعانون مرضاً نفسياً بل لديهم شخصية تتقبل بسهولة آراء الغير وتعتمدها كلياً. كما يمكنهم تقبل نقيضها وتبنيها حرفياً وذلك ضمن مهلة محدودة. كما أنهم يقدمون على العملية الإنتحارية من دون تناولهم الكحول أو المخدرات.
ومما لا شكّ فيه أن مجتمعنا يتحوّل تصاعدياً إلى مجتمع عنيف. فالعنف بات موجوداً على شاشات التلفزة، على مواقع التواصل الإجتماعي، في علاقاتنا وتعاملاتنا مع الآخر بالأخص عندما يكون مختلفاً معنا مذهبياً أو سياسياً. فهذا العنف الناتج عن الأوضاع المزرية في البلاد العربية مع جرعات عالية من الشعارات الطائفية والمذهبية التي تجيّش عواطف الشباب اليائس من أي حل آخر سوى قتل نفسه وقتل الناس معه هي العامل الأكبر في تغذية هذه الظاهرة.
ولكن في مداورة الحقائب الجهادية ألمح شيئاً من هذا القبيل في ثنايا عقيدة مجاهدي حزب الله، فهذا الإنتحاري الذي يفجّر ذاته بالأبرياء من أهل دينه ليس بعيد الشبه عن مجاهد حزب الله الذي يحمل دمه على كفّه ويذهب للإنتحار في سوريا في مواجهة أبناء دينه من الأبرياء أيضاً. وكأنهم يحملون نفس العقيدة الخاطئة "عقيدة الموت" ولكن بشكل مختلف، وربّما إذا كان الإنتحاري يفجر نفسه ليكسب غداءً مع رسول الله (ص)، فإن مجاهد حزب الله بالمقابل يقذف نفسه في النار السورية ويجاهد إلى جانب الطاغية بشار الأسد ضد شعبه ليكسب عشاءً مع الإمام علي (ع)..!!!
بصراحةٍ تامة شوّه كل من حزب الله والقاعدة ديننا الإسلامي إلى أبعد الحدود، فهم يرتكبون الجرائم تحت غطاء الدين البريئ منهم والأفضل أن يخرج علماء دين معتدلين من السنّة والشيعة ويعلنوا بأن دين الإسلام براء من هؤلاء المرتدّين.