لطالما كان لمقولة " ومن الحب ما قتل " وقع رومانسي , حتى انها نحت في الكثير من الاحيان الى معنى المديح ، ومثلت حالة من الرقي يصل اليها العاشق الولهان فتجعل منه نبراسا تتجلى فيه اروع مراتب الشعور الانساني ، يضحي صاحبها بكل شي وحتى بحياته كرمى لارضاء المعشوق ، و نسج الكتاب والشعراء روائع قصائدهم ورواياتهم والكثير من الحكايات حول قصص الحب وتقديمه كواحدة من الفضائل الانسانية العالية ، الا ان هذه النرجسية الجميلة تطلق فقط على الانسان السوي ، وعلى صاحب العقل السليم ، لانه كما يؤكد علماء النفس فان ما بين الجنون والعقلانية خيط رفيع جدا ، يتبين الابيض من الاسود منه عندما تبزغ في قلب ذلك العاشق صورة المعشوق لتشرق بعد ذلك على كامل تفاصيل الوجود ، فلا يستطيع ان يرى الاشياء من من خلال انعكاسها ومنها وفيها وعبرها ، فيفتقد لوجود المقايس او المعاير، فلا موازين تحدد ابعاد تصرفاته ومواقفه الا ميزان افتتانه بالحبيب ، ليتحول بذلك الى مجنون بكل ما للكلمة من معنى ، هكذا اطلق على قيس مجنون ليلى ، وهكذا تحكم شغف عبلة بصاحبنا عنتر ، والموت المحتوم هو المصير الاجمل الذي مشى اليه روميو ليلتحق بحبيته جوليات ،
وها نحن بلبنان نشهد حالتين من الجنون الا انهما لا يوجبان علينا الاحساس بالتعاطف لان خطرهما ومضارهما لا يختصران على صاحبيهما بل تتعاداهما الى ابعد من ذلك بكثير ، فذلك الانتحاري الاحمق اللاهث خلف حورية العين والذي يجد في السعي اليها والطواف حولها خلاصه وانعتاقه من أغلال الشبق المستحكم بخلايا عقله حتى اطفأ اي اشعاع نور في قلبه فأحاله الى كتلة سوداء وحوّله والى وحش كاسر بفترس من يقف امامه ظانّا بان هذا هو طريق الوصول ، فان لم يجد الفريسة فانه ينقض على ذاته كما حصل مع انتحاري الشويفات ،
واما حالة الجنون الثانية فهي التي يجسدها الجنرال ميشال عون ، الا ان هذه المرة فالشبق من نوع اخر والشهوة من سنخ مختلف ، انه العشق المجنون لكرسي الرئاسة الاولى التي لا يمكن فهم او مقاربة مواقف هذا العاشق الولهان الا انطلاقا من هذا الحب المجنون ، وهنا فقط يكمن سر عقدة تشكيل الحكومة عنده اذا لم تشكل بالنسبة اليه قوس قزح يعبر عنه الجنرال الى سدرة المنتهى ، والا فيتحول الجنرال الشبق ايضا الى وحش كاسر هو الاخر يسير خبط عشواء بلا اي وازع عنده ، اذ ليس بهذه اللحظات عنده اي قيمة لا لحليف ولا لخصم ، ولا اعتبار لصديق او حتى محب ، وهذا بالظبط ما عبر عنه الجنرال بالامس وبكل وضوح وبالفم الملان : ان الحكومة التي ممكن ان تحرمني من الوصول الى رئاسة الجمهورية لن تشهد النور ، ومن اجل عيون الكرسي الاولى وداعا ايتها الشراكة الوطنية ، ووداعا ايها الوطن بل وداعا ايتها الحياة ،وهذا ما نحن عليه بكل اسف وهذا ما نعاني منه حيث وقعنا بين مجنونين مفتونين بحوريتين اثنتين .