لعب الساخرون من النصَ السياسي المسلوب الارادة , دوراً مهماً في توسيع رقعة المشاهدة التلفزيونية لفترات ما قبل , أو مابعد النشرات الاخبارية , واستمتع المشاهدون اللبنانيون بالسخرية الخاضعة لتجربة سياسية مرَة أثقلت المواطنين سياسياً واقتصادياً , وشظَت من نسيجهم الاجتماعي , وجعلتهم مللاً وجماعات متخاصمة الى الحدَ الذي أوصلهم الى الرغبة في القتل , والانتظار الصعب لحروب ضروس آتية . كانت مجموعات " قربة تنحل" و "الأسأل شي" و "بس مات وطن" ولا "يمل" , وتلك المستولدة من أرحام سابقة لأعمال الضحك السافرة والساخرة من السياق السياسي اللبناني , ويبرز ال"شي أن أن " و " مافي متلو" كجهة ممثلة لحالة وجدانية مختزنة في الضمير اللبناني نتيجة للمضاعفات والتأزَمات الممسكة بالواقع اللبناني , والمعطلة لقيام دولة لجهة استقامة بُنى اجتماعية وسياسية . كانت الشاشة الصغيرة تعكس صور الواقع السياسي بسلبياته وعيوبه كافة , وتُثري المشاهد بأدوار كوميدية ناجحة في التعليق والاثارة رغم الملل من اجترار الفكرة ومجَها لسنين طويلة . باتت التعليقات السياسية محطَ انظار وانتظار فئات لبنانية محتشدة أمام الشاشات باعتبارها قنوات تواصل طائفي ومذهبي وسياسي , وهي تعكس حالات الانقسام المستشرية في الجسم السياسي , وفي أبنية السلطة لطبقة أوصلت لبنان الى الهاوية . بعد النجاح الذي لامس الشعور اللبناني ودغدغه , لجأت البرامج التلفزيونية الضاحكة والمُضحكة الى ابتذال رخيص ضعضع من سمات الهوية الأساسية لأعمال هاضمة ومهضومة لواقع مُبتذل , ارتقت به الى شمول فاضح لتعرية ما تبقى من ستر على عورات السياسة في لبنان . لم يكن الابتذال في اللفظ فقط , وفي التعليقات المُتصلة بالمُجون , بل أمست الصورة عاكسة لحال من الرخص عبر أنثنة المشهد التمثيلي , واظهار المفاتن لدُمى متحررة , من نساء " الاسكاتشات" الناقدة لمُزريات أهل السياسة . باتت الضحكة الساخرة مؤثرة على الوضع الجنسي للمشاهدين , فالاستعراضات والألفاظ الفاحشة تثير الشهوة والشهود , وتحرك غرائز غير نائمة فتنقل الحضور من أجواء الضحك العشوائي الى مشهدية جنسية مدروسة من قبل الشاشات الصغيرة وبوسائل من التعري اللفظي والحركي في تماثل كاشف عن أعضاء خاصة وحسَاسة . من الصعب ترسيخ علاقة تلفزيونية مع نمطية استهلاكية تُعزز من حالات الفلتان الأخلاقي , وفي ذلك أخطار تطال مجتمعاً بات فاقداً لوعيه بالمسؤولية تجاه نفسه لتأثره بالبيئة الطائفية وتداعياتها الخطرة على المجتمع اللبناني . ان الانقسام السياسي , والمُتعاطي اللبناني مع مستوياته وشبكاته السياسية والحزبية , وضع اللبنانيين في غُرف اعلامية تعمل على تحشيدهم وتحفيزهم وتعبئتهم وفق مصالح أسنان القوم , وتُرك لبعض هذه الوسائل العمل على تخريب المجتمع بواسطة مفاسد تنقلها برامج متنوعة ومنها هذه البرامج التي بدأت كفكرة مقاومة للرخص السياسي , وتحوَلت الى عمل ممجوج ووقح وخارج عن قيود الأخلاق العامة , وقدَ سهَل اصطفافها السياسي والطائفي دخولها الطوعي الى بيئات محافظة تحرص على تربية رصينة خاصة وأن الكثرة العُمرية من المشاهدين لهذه البرامج هم من الأطفال والشباب المراهقين الذين استهوتهم السخرية اللاذعة وأغرتهم الليونة النسوية الفاضحة في التعبير عن نقدَ فكرة متفلتة من رحاب الآداب . في احدى البرامج , هناك من يروَج لحالات الشذوذ الجنسي بطريقة مُستخدمة بقالب فُكاهي , وجعل من المُمثلين المُميزين في الأعمال اللاذعة مجرد تافهين يتصرفون بحركات المثليين , وبألفاظ مُعيبة لا تليق بهم , ولا بطبيعة الأعمال التي شكلت حافزاً وهاجساً مرحباً به في كلَ بيت لبنانيَ. كما أنَ المرأة اللعوب في احدى هذه الأعمال , قدَ خرجت عن النصَ السياسي الى النصَ الجنسي , ولا أدري ما السبب الذي يجعل من المنتجين لهذه الأعمال ماثلين ومائلين الى العُري الجسدي أكثر من العُري السياسي . لا أعتقدَ أنَ التجارة وحدها المعيار لنقل الفكرة وتحويلها وتحويرها الى مخادع مُضاءة بالأنوار الحمراء , لأن هذه الأعمال راجت وازدهرت وحققت مكاسب سياسية واعلامية اعلانية , وبالتالي فان الرأسمال الاستثماري نال أرباحه من جرَاء الضحك الساخر والهادف , ولا يبقى أمامنا سوى الاعتقاد بوجود ماكنة شيطانية يقف وراءها فاسدون مهمتهم تفريغ المجتمع اللبناني من محتواه الأخلاقي والانساني لاهدار ثروة لبنان الحقيقية والمتمثلة بقيم شعبه ونُبل انسانه .
البرامج الساخرة من الاثارة السياسية الى الاثارة الجنسية
البرامج الساخرة من الاثارة السياسية الى الاثارة...علي سبيتي
NewLebanon
مصدر:
لبنان الجديد
|
عدد القراء:
1677
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro