وسوست الحيّة قديماً لجدّينا الأوّلين آدم وحوّاء، فوقعا في حبائلها، وهي ما زالت توسوس إلى الآن، وما زلنا نقع في حبائلها. تبدو قصّة آدم وحوّاء، التي بات ثمة شبه إجماع لدى المسيحيين على رمزيتها، وكأنها قصة كل فرد بشري من بدء الكون إلى يومنا الحاضر.
تقول الرواية إن الله، بعدما خلق آدم وحوّاء، أوصاهما بأن يأكلا من كل ثمر الجنّة، ما خلا شجرة واحدة "لئلا يموتا". فأغوتهما الحيّة بقولها: "إنّما الله عالم أنكما في يوم تأكلان من ثمرها تنفتح أعينكما، وتصيران كآلهة عارفَي الخير والشرّ" (كتاب التكوين 3، 2-5). دغدغت الحيّة كبرياء آدم وحوّاء، فصدّقا أنهما قادران على أن يصيرا إلهين. فسقطا سقوطاً عظيماً.
الحيّة ترمز في الرواية إلى الشيطان، غير أن التراث الكنسي يجمع على القول إن الإنسان هو المسؤول عن خطيئته. فلو لم يكن ثمة حيّة في الرواية لكان آدم وحواء سقطا بدافع من شراهتهما وطمعهما.
دور الحيّة في الرواية ثانوي، والخطيئة تنبع من إرادة الإنسان. آدم وحوّاء رغبا بأن يصيرا كالإله الذي خلقهما، والحيّة ساعدتهما في تزيين هذه الرغبة وفي إمكان بلوغ مراميها. في هذا السياق يقول القدّيس أفرام السوري (+373): "النهم كان مدعاةً للأخذ بمشورة الحيّة. وقد آذاهما أكثر من مشورة الحيّة".
الخطيئة كانت ثمرة الإرادة الحرّة لآدم وحوّاء، فهما لو تابا إلى الله لكان غفر لهما معصيتهما. غير أنّ كبرياءهما قد منعهما من سلوك طريق التوبة (هنا يختلف التراث المسيحي والتراث الإسلامي في شأن توبة آدم). وأفرام نفسه يقول: "لو تاب آدم وحواء بعد المعصية، لاستعادا ما كانا يملكانه قبل مخالفتهما الوصية". والدليل الآخر الى كبرياء جدّينا الأوّلين هو أن كلاهما برّأ نفسه من التهمة ملقياً المسؤولية على الآخر أو على الحيّة. لذلك، يتابع أفرام تفسيره، الرواية بالقول: "عندما لم يشأ آدم الاعتراف بخطيئته، استجوب الربّ حوّاء، وعوضاً من أن تتضرّع وتذرف الدموع على خطيئتها لتُرحم هي وزوجها قالت إن الحيّة أغوتني فأكلت".
بلغ الكبرياء بالإنسان حدّاً فظيعاً. هو يرتكب الخطيئة، ثم ينسبها بلا وجل إلى الله. فأوغسطينُس المغبوط (+435) يقول: "حاول آدم، بمكره، أن ينسب خطيئته إلى الله نفسه. فقال لله معاتباً: المرأة التي أعطيتني لتكون معي هي التي أغوتني... هذا التصرّف يتّصف به كلّ الخطأة الذين يلومون الله على ما ارتكبوه من خطايا. وهذا مصدره الكبرياء".
لم تنتهِ قصّة آدم وحوّاء مع الله والحيّة. أدم وحوّاء هما نموذج لكل إنسان يرتكب المعصية، ويرفض الإقرار بأنّه مسؤول عمّا جنته يداه. يعتقدون أنفسهم آلهة، فيستبيحون القتل والذبح والتهجير والتدمير. كبرياؤهم يأبى أن يروا أنفسهم دون الآلهة، التي بيدها حيوات البشر ومصائرهم. حين أغوت الحيّة آدم وحوّاء قالت لهما: "تنفتح أعينكما". هما كانا مبصرين قبل أن يظنّا إنهما، بفضل الغواية ستنفتح أعينهما. صارا أعميين عن معرفة الحقّ حين ظنّا أنهما بفعلتهما سيبصرانها. متى ستصيرون بشراً يا آلهة قد كفرت بها البشر؟
متى ستصيرون بشراً يا آلهة كفرت بها البشر؟
متى ستصيرون بشراً يا آلهة كفرت بها...الأب جورج مسوح
NewLebanon
مصدر:
النهار
|
عدد القراء:
878
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro