تنتمي معظم المجموعات السكانية في كوردستان إلى الأرض قرية كانت أم مدينة، في السهل أو في الجبل بعلاقة حميمة وارتباط وثيق يصل في بعض مستوياته إلى القدسية، وفي مستويات أخرى يتحول ذلك الارتباط بالانتماء إلى عنوان أو رمز أو لقب أو كنية تلازم اسم الفرد لكي تكون لصيقة به، مذكرة إياه بالأرض وقدسيتها والحفاظ عليها.
ولعلنا قرأنا وسمعنا أسماء كثيرة تختصر الاسم الثلاثي إلى اسم الشخص واسم قريته أو مدينته أو منطقته كما في البرزانيين والسنجاريين والبرواريين والسليفانيين والعقراويين والهوراميين والفيليين والشبك، ومئات أو ربما آلاف المكونات الاجتماعية التي قرنت اسم أفرادها باسم الأرض سواء كانت تلك الأرض قرية أو مدينة أو سهلا أو جبلا فهي تعبر عن انتماء أهل كوردستان إلى الأرض التي حاولت كل الأنظمة التي تعاقبت على حكمها في أجزائها الأربعة إلى مسخ ذلك الانتماء أو تمزيقه بسياسات التعريب والتتريك والتفريس التي تعرض لها سكان كوردستان عبر العصور.
ولعل ما جرى في جزئها الجنوبي كان أكثر بشاعة حينما أراد المحتل أن يبيد سكانها بشكل كامل في معارك أراد لها قدسية دينية فأطلق عليها احد عناوين الآيات أو السور القراءانية بما يوحي للجندي بأنه يقاتل مرتدين عن الدين وكفرة يستحقون الموت والسلب والنهب وهذا ما جرى فعلا حيث اجتاحت قوات ذلك الجيش ما يقرب من خمسة آلاف قرية لتبدأ أبشع عملية تطهير عرقي عرفتها البشرية منذ مآسي الحرب الثانية، ويتم فيها إزالة تلك القرى بالكامل من على وجه الأرض بما فيها من بساتين وينابيع مياه وكنائس وجوامع ومدارس، وينقل سكانها إلى صحراوات جنوب العراق لكي يتم دفنهم إحياء في حفر كبيرة وشقوق طويلة احتضنت أجساد ما يقرب من ربع مليون طفل وامرأة وشيخ، ذنبهم فقط إنهم كورد ينتمون إلى وطن اسمه كوردستان؟
ولم تكتف تلك السلطات العنصرية بإبادة أولئك الناس وإزالة قراهم من الوجود فعاودت معالجة الآخرين بالغازات السامة والأسلحة الكيماوية في مناطق كرميان وبهدينان وهورامان، وكانت حلبجة نموذج البدائية والبربرية التي مارسها نظام صدام حسين وحزبه وعسكره في كوردستان العراق، حيث تم قصف تلك المدينة الجميلة وهي من أقدم أقضية كوردستان والعراق وأكثرها إنتاجا للشعراء والمفكرين ورجال الدين والدولة، فأمطرها بغازاته وأسلحته الكيماوية ليقتل في الدقائق الأولى أكثر من ثلاثة آلاف إنسان معظمهم من الأطفال والنساء ولكي يرتفع الرقم إلى خمسة عشر ألف بعد أيام من قصفها وإبادتها بمن فيها.
تلك الجرائم وما سبقها عبر التاريخ سواء في الجزء الشمالي منها حيث المنع القاتل لأي تسمية كوردية مهما كانت، أو الشرقي منها حيث التفريس على خلفية الانتماء العرقي للعنصر الآري، وما رافق ذلك في الجزأين الجنوبي والغربي من عمليات التعريب والتهجير وما ذكرناه أعلاه في الإبادة، أعطى سكان هذا الوطن الجميل إصرارا مذهلا على الارتباط بالأرض، ليكون جزء من تسمية وكنية كل إفراده دون أن يفكر احدهم باسم شهرة أو كنية أسرية انتسابية بصلة دم لعشيرة أو قبيلة، فكانت القبائل هنا تنتمي للأرض كما في البرزانيين الذين يتكونون من عشرات العشائر وآلاف البيوتات مثلهم مثل السنجاريون والبرواريون والخوشناو والزرارية والهورمان والفيلية والشبك وغيرهم، وكل هذه التسميات إنما هي أسماء الأرض سواء كانت قرية أو مدينة أو سهل أو جبل أو صفة لحالة معينة، وليست أسماء قبائل تنتسب إلى جد واحد وأفخاذ تتدرج منه لتكون عشيرة يرتبط أفرادها بصلة نسب القرابة.