عاد كعجوزٍ فتك بجسده مرض خبيث يدعى الصراع الداخلي..وأثقلت كاهله قيود حديدٍ خارجية الصنع.. أحكمت سيطرتها على مفاصل أقدامه الدامية بفعل فاعل.. فأحنت ظهره نكبات السنين وعاد ليلملم أشلاءً جديدة..يضمها بصمت إلى سابقاتها التي لم ينتهِ بعد من إحصائها..هذا هو وطني.
فهي أيام قليلة، تلك التي فصلت ما بين انفجار ستاركو الأسبوع الماضي وانفجار حارة حريك يوم أمس، فتراب الشهيد شطح ومحمد الشعار وغيرهم من الشهداء لم يبرد بعد من دمائه، حتى هز انفجار إرهابي جديد منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت موقعا 6 شهداء و77 جريحاً، واستهدف التفجير الذي أتى عبر سيارة مفخخة بنحو 20 كلغ من المواد المتفجرة، رباعية الدفع مركونة صف ثان "الشارع العريض" في حارة حريك قرب مطعم "الجواد" بجانب المقر السابق لقناة المنار، وفي مكان لا يبعد سوى نحو مئتي متر من مقر المجلس السياسي لـ"حزب الله". وذلك عند الساعة الرابعة والدقيقة السادسة من بعد ظهر أمس الخميس. وكعادتهم أهل السياسة في لبنان من بعد كلّ انفجار يأخذون هدنةً من خطابات التهديد والوعيد ويظهرون شيئاً من التضامن الكاذب فيما بينهم.
وأوضحت مصادر أمنية أن نتائج فحوص الـ«دي. أن. آي»، العائدة للأشلاء التي عثر عليها داخل السيارة التي انفجرت في حارة حريك أمس، من شأنها أن تحسم أسلوب تنفيذ العملية عبر انتحاري فجر نفسه بالسيارة التي كان يقودها في وسط الطريق، بينما العبوة كانت موزعة وموضبة في أبواب السيارة، التي سبق وحذّر الجيش من خطورتها في برقية عسكرية عمّمت على الأجهزة الأمنية قبل 12 يوماً من التفجير. وأوضح ضباط معنيون أن الوزن لم يكن كبيراً لسبب أساسي هو أن السائق لجأ إلى إخفاء العبوة وتوزيعها في أبواب السيارة تفادياً للتفتيش.وأشارت مصادر صحفية بأن السيارة تم تفخيخها في الأراضي السورية.
بينما عثر في الساعات الماضية على إخراج قيد فردي يعود لشاب من قرية حنيدر في وادي خالد الشمالية يدعى قتيبة محمد الصاطم (20 عاماً) في مكان التفجير ويتم مقارنة الصورة التي عليه بما تبقى من أشلاء وجه الجثة.
والصاطم هو طالب سنة ثانية في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية في طرابلس، وقبل نحو أسبوعين أبلغ والده الجهات الأمنية عن فقدان ابنه وعدم عودته إلى البيت. هذا واستنكرت عشائر وادي خالد تفجير حارة حريك، وحمّلت حزب الله مسؤولية سلامة ابنها الذي تؤكد بأنه اختطف على أحد حواجز الحزب منذ أكثر من خمسة أيام وهو في طريقه لعرسال. بينما يتم الآن التحقيق في هذه الأثناء مع والد الساطم في مركز استخبارات الجيش في طرابلس.
فأيّ مصير ينتظر لبنان واللبنانيين بعد تسارع وتيرة الانفجارات على هذا الشكل المخيف، وبعد أن أصبحنا مشاريع أشلاءٍ ممزقة، وبعد أن تاهت أحلامنا ما بين ظلام الانفجارات وظلام الأنفس. وماذا عن حكومة الأمر الواقع التي كانت في طريقها إلى التشكل عندما اصطدمت بانفجار الأمس الذي هزّ تلك النقطة التي قرر سليمان أن ينهي بها سطر الفراغ المتحكم بلبنان..