أكد نائب الرئيس العراقي الملاحق قضائياً طارق الهاشمي أنه بعث باستقالته أمس إلى الرئيس جلال طالباني، وندد بالإجراءات « الدموية» التي اتخذتها الحكومة ضد الشعب، «خصوصاً العرب السنة». وفيما دعا دول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة النظر في قراءة الوضع في العراق، أكد في حديث إلى «الحياة» في الدوحة أمس أنه «قدم إلى دول المنطقة معلومات عن خطط أعدت لضرب أمنها واستقرارها»، وحض الولايات المتحدة على عدم تسليح حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي قال إنها «تستخدم السلاح في قتل الشعب»، ودعا أيضاً الرئيس باراك أوباما إلى «إكمال المهمة الأميركية في العراق لأنها لم تكتمل» وطالبها بـ «وقف التغول والنفوذ الإيراني في العراق». وشدد على ضرورة «إطاحة المالكي سلمياً».
وسئل الهاشمي، الذي صدرت في حقه ستة أحكام إعدام، وتلاحقه شرطة إنتربول عن استقالته، فقال: «أنا منتخب من مجلس النواب، وصدر مرسوم جمهوري بتعييني، وحتى هذه اللحظة لم يصدر مرسوم بتعيين شخص آخر، ولم يطلب رئيس الجمهورية إقالتي، وبالتالي أنا أتمتع بوضعي القانوني الطبيعي، وصحيح أنني لا أمارس مهماتي، لكن ما زالت صلاتي وعلاقاتي مع دول العالم بحكم منصبي».
وأضاف: «حان الوقت (للاستقالة) بعد ما حصل من الإجراءات الدموية التي قام بها المالكي وإلقاء القبض على النائب الشجاع أحمد العلواني واستخدام القوة المفرطة في قمع المتظاهرين السلميين، ولا بد من إشارة تضامن مع أهلنا في الأنبار، ولذلك وجدت أنه لم يعد هناك مبرر للاحتفاظ بالمنصب، وسأقدم الاستقالة اليوم (أمس) بشكل رسمي».
وإلى من ترسل الاستقالة وكيف، قال: «سأرسلها اليوم (أمس) من خلال القنوات الرسمية إلى ديوان رئاسة الجمهورية»، وأكد أن «لا رجعة عن الاستقالة بالتأكيد، كنت أفكر بها منذ زمن، لكن بودي أن أختار الوقت المناسب لتقديمها، وهناك قضيتان (وراء الاستقالة الآن)، الأولى اعتراضي على نهج سياسات نوري المالكي، وثانياً استخدام القوة العسكرية في الأنبار من دون مبرر للتعامل مع متظاهرين سلميين مطالبهم مشروعة ودستورية، فلماذا استخدمت القوة العسكرية؟».
وتابع: «اليوم لم يبق هناك مغزى للبقاء في السلطة طالما أن نوري المالكي اختطف العملية السياسية، وهمش شركاءه السياسيين كافة، وأصبح بالتالي هو الحاكم الآمر وعلى الآخرين أن يسمعوا ويطيعوا، لم تعد هناك أهمية للمنصب الحكومي أيا كان هذا المنصب».
وعماذا سيفعل بعد الاستقالة، أجاب: «القضية الأساسية اليوم هي قضية وطني وقضية التغيير، وبالتالي سأجند كامل طاقاتي وإمكاناتي وعلاقاتي العامة من أجل الإسراع في عملية التغيير نحو بناء دولة المواطنة، الدولة المدنية، دولة المؤسسات والعدل، وتحريري من هذا المنصب (استقالته) يعطيني هامشاً إضافياً للتحرك مع دول العالم، وسأتحرك باسمي وليس بمنصبي كما كان» سابقاً.
وأضاف: «اليوم لدينا مشكلة، وهي أن العراق خرج من سكة الدولة المدنية إلى الدولة الدينية المذهبية الحزبية الطائفية والعقبة الأساسية التي تواجهنا اليوم هي حكومة نوري المالكي والنفوذ غير المسبوق لإيران، لكن مع ذلك أعتقد بأن هناك الكثير من أصوات المعارضة، سواء داخل التحالف الشيعي أو داخل التيار الليبرالي أو في التيار الإسلامي، والكثير من العناصر الوطنية التي تستطيع أن تتحمل مسؤولية إجراء التغيير، وبالتالي كل فرص التغيير (إطاحة المالكي) سلمياً من دون اللجوء إلى العنف قائمة، لكن هذا التيار الوطني في حاجة إلى دعم عربي ودولي».
وسألته «الحياة» إلى من سيوجه رسالة المطالبة بالدعم، فقال: «أوجهها إلى الدول التي تعاني أمنياً من حكومة نوري المالكي، ومن هذا النفوذ غير المسبوق لإيران، خطابي (أوجّهه) إلى دول مجلس التعاون الخليجي وعلى وجه الخصوص السعودية، وهي بإمكانها في حقيقة الأمر، حفاظاً على أمنها الداخلي وحفاظاً على سيادتها ولمنع التدخل في شؤونها الداخلية، أن تعيد النظر في علاقتها (مع حكومة المالكي)، وتعيد النظر إلى نظرتها للمشهد العراقي، وبالتالي لا بد من مقاربة جديدة تعمل على إعادة ترتيب الأوراق في الداخل العراقي، ليس من أجل إسعاد الشعب واستقراره وسيادته، وانما من أجل الحفاظ على أمن دول مجلس التعاون الخليجي وسيادتها».
وأكد أنه نبه «منذ سنوات إلى هذه المسألة، وقدمت معلومات كاملة إلى دول، وعلى وجه الخصوص إلى السعودية والبحرين ودول خليجية أخرى مفادها أن حكومة نوري المالكي والأجهزة المخابراتية بالتنسيق مع إيران تعمل اليوم على استقطاب شباب من الشيعة في هذه الدول، من أجل تدريبهم وتأهيلهم ليكونوا عناصر للتخريب وزعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول (الخليجية)، أنا لم أتوانَ، بل كشفت كل هذه المعلومات، وقدمت بالأسماء وتواريخ جوازات السفر وأرقامها (معلومات) عن تلك المسائل، لكن يؤسفني أن ردة الفعل كانت محزنة وبائسة ولا ترقى إلى التهديد الذي ثبت الآن، وهو أن نوري المالكي يعمل فعلاً بشكل جاد (ضد أمن دول الخليج)، وهو يستثمر الغفلة الخليجية والعربية التي لم تتعامل مع المشهد العراقي كما يستحق، وهذه الجرأة انكشفت يوم أمس في تلك الباخرة التي تنقل أسلحة إلى معارضين في البحرين، فماذا يعني ذلك؟ إنها عربدة أمنية من قبل حكومة نوري المالكي وتجاوز غير مسبوق على دول مجلس التعاون الخليجي، ما كان ذلك سيحصل لو أخذت الدول العربية الخليجية بمبادرتنا واستمعت إلى نصيحتنا في وقت سابق واتخذت تدابير وإجراءات كفيلة بالحد من تحول هذا البلد (العراق) اليوم إلى عبء على الأمن العربي بعد أن كان ظهيراً للأمن القومي العربي».
وتابع: «أنا جاهز وأعتبر نفسي جزءاً من امتداداتي لأهلي (في الخليج)، وشعب العراق جزء من المنظومة الخليجية، وبالتالي نحن، عشائرياً وعائلياً، امتداداتنا إلى الخليج، وأنا جاهز لأي نوع من المشورة وتبادل الرأي».
وطالب الرئيس باراك أوباما «بعدم إغلاق ملف العراق والقول إن اهتماماته موجهة صوب الداخل (الأميركي) فقط وإلى ما يتعلق بشؤون الصحة والتعليم، وأقول إن المهمة لم تكتمل، إلا إذا كان الهدف الأميركي من غزو العراق عام 2003 مجرد إحداث الفوضى الحالية وتسليم مفاتيح بلدي إلى إيران التي تكنّ حقداً تاريخياً للعراق وشعبه. أنا أقول لأوباما بمنتهى الصراحة: عليك أن تكمل المهمة التي بدأها خطأً سلفك السابق جورج بوش، وإذا كانت هناك أخطاء وإذا لم تكن الأجندة الأميركية تدمير العراق وتسليمه الى ايران، واذا لم تتضمن الخطة هذا الهدف السيئ الضار بسيادة بلدي، فانه حان الوقت لك (لأوباما) أن تسجل إرثاً جديداً في إصلاح واقع الأمر في العراق، وأن تعدِّل كل هذه الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة السابقة».
وأوضح: «العراقيون لا يهمهم من يحكم في البيت الأبيض، نحن غير معنيين أن يكون هناك ديموقراطيون أو جمهوريون في البيت الأبيض، ما يهمنا هو أن الولايات المتحدة اتخذت قراراً عام 2003، خطأ أو صواباً، بغزو العراق، الذي دفع بسببه ثمناً باهظاً، أنا اليوم أريد من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على وجه الخصوص، أن يعيد النظر في موقفه مما يحصل في العراق، أولاً نريد إيقاف التغول والنفوذ الإيراني غير المسبوق في العراق، وثانياً أن توفي الولايات المتحدة بالتزاماتها التي قطعتها للشعب العراقي عام 2003 عندما قالت نحن سنقوم بغزو العراق من أجل تخليصه من الديكتاتورية، وبناء دولة المؤسسات والعدل، الدولة المدنية، أين هذا الوعد اليوم من حكومة (عراقية برئاسة المالكي) موالية لإيران، واعتمدت القضية المذهبية والطائفية لتطهير العرب السنة؟ والجانب الثاني المهم هو الدعوة إلى وقف تسليح حكومة نوري المالكي، فلا يجوز للرئيس الأميركي أوباما وهو يمتلك الكثير من المعلومات الأمنية التي تشغل الرأي العام اليوم في الداخل والخارج أن يقتنع بأكاذيبه أن التحدي الأمني في العراق ينبغي أن يواجه بالمزيد من القوة العسكرية، أنا أقول إن الحكمة مطلوبة وليس القوة».
ولفت الهاشمي في هذا الإطار إلى أن «نوري المالكي يعتبر العرب السنة إرهابيين، وعلى هذا الأساس فإن هذه الأسلحة ستستخدم لقتل أبناء الشعب العراقي، وعلى وجه الخصوص العرب السنة، وهذه الرسالة أوجهها أيضاً إلى الرئيس الروسي بوتين، وأقول احذروا تجييش حكومة نوري المالكي بأي أسلحة فتاكة لأنها تستخدم لقتل الشعب العراقي».
وسئل عن مواقف أعلنها الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر تجاه ما يجري في العراق، وهل توجد بينهما اتصالات، فقال «أنا اقدر تصريحاته، وهي تعبر عن قراءة موضوعية لنهج نوري المالكي، نوري يحاول أن يقدم نفسه كمنقذ للشيعة وبالتالي يستهدف اليوم السنة ويقتلهم من أجل أصوات الشيعة، لكن هذه اللعبة اكتشفها السيد مقتدى الصدر، أنا أعرف أن شعبي متعدد الأعراق والأديان والقوميات والمذاهب، والتالي لا يصلح لأمر البلد سوى نموذج الدولة المدنية».