تترقّب الأوساط السياسية معرفة ما عاد به وفد تيار»المستقبل» من الرياض فجر امس في ضوء سلسلة اللقاءات التي عقدها مع الرئيس سعد الحريري، ونتائج لقاءات الاخير مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي التقى بدوره عدداً من المسؤولين السعوديين الكبار.

وكانت اجتماعات الرياض انتهت الى تأكيد موعد لقاء الحوار الأول في عين التينة ما بين السابع والعشرين والتاسع والعشرين من كانون الأوّل الجاري، بعدما اتُّفق مبدئياً على توسيع جدول اعمال الحوار بضم بعض العناوين الجامعة التي لا يمكن الاختلاف عليها في المرحلة الراهنة، خصوصاً تلك التي تتعلق بضرورة حماية التضامن الحكومي وتفعيل الأداء والإنتاج لبَتّ بعض الملفات الحيوية العالقة، على ان يتعهّد الطرفان بترتيب المسائل لدى حلفائهما، لتأمين التوافق المفقود في مجلس الوزراء.

لقاءات الرياض

وقالت مصادر الوفد العائد فجر أمس من العاصمة السعودية، والذي ضمّ رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والنائبين السابقين غطاس خوري وباسم السبع ونادر الحريري مدير مكتب الحريري، قالت لـ»الجمهورية» إنّ التفاهم كان تامّاً على عدد من العناوين، خصوصاً الصيغة الأوّلية لجدول اعمال طاولة الحوار مع «حزب الله».

وكشفَت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ السنيورة عقد لقاءً طويلاً مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل امتدّ لساعتين تقريباً، وخُصّص للبحث في مختلف التطورات على الساحتين العربية والدولية، وما يمكن ان تؤدّي إليه التطورات المأسوية في سوريا وبعض الدول العربية، وانعكاساتها على الساحة اللبنانية والعالم العربي، بالإضافة الى ملفات لبنان التي يوليها الأمير الفيصل أهمية خاصة بناءً على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولا سيّما منها تلك المتصلة بالإتصالات الفرنسية ـ السعودية والفرنسية ـ الإيرانية والتي عبّرت عنها الجولة التي قام بها موفد الرئيس الفرنسي جان فرنسوا جيرو الى بيروت، بعد جولاته المكوكية بين باريس وطهران والرياض والتي تخلّلها في وقت سابق لقاءٌ طويل بين جيرو والأمير الفيصل في باريس، قبل زيارته الى بيروت.

كذلك التقى السنيورة وزير التربية والتعليم السعودي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، وعرضَ معه للتطورات في لبنان والمنطقة، وسُبل تعزيز التعاون بين الرياض وبيروت، ومصير بعض المشاريع التي تنفّذ في بعض المناطق اللبنانية بدعم من المملكة السعودية.

ملفّ العسكريين

على صعيد آخر، ظلّ ملف العسكريين المخطوفين عالقاً بين مطرقة جدّية الجماعات الإرهابية الخاطفة في التفاوض وسندان تحديد الوسيط الجديد، في وقتٍ أكّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ «موضوع المقايضة قائمٌ في المبدأ»، وقال لأهالي العسكريين الذين زاروه أمس: «إنّ قضية العسكريين هي قضية كلّ لبنان واللبنانيين»، مشيراً إلى أنّه ينسّق مع رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في هذا الملف، «وحسب المعلومات التي وردتني امس (أمس الأول) إنْ شاءَ الله الأمور أفضل».

إلّا أنّ برّي شدّد على «ضرورة إعطاء الخبز للخبّاز وعلى التعامل مع هذا الملف الوطني على قاعدة «تعاوَنوا على قضاء حوائجكم بالكتمان» لضمان تحقيق الغاية التي نتوخّاها جميعاً، وهي سلامة العسكريين المخطوفين وإطلاقهم».

مصادر الخليّة

وفي غياب أيّ بشائر حَلحلة في هذا الملف، قالت مصادر خلية الأزمة لـ»الجمهورية» إنّ كلّ الأوراق باتت مكشوفة، وتبيّنَ من الجهات الخاطفة أنّ ورقة العسكريين لم تكن سوى ورقة ابتزاز ووسيلة لإحداث فتنة في الداخل اللبناني، فالخاطفون لم يتعاطوا بجدّية مع المفاوضات حتى الآن، وأصبحت لدينا معطيات شبه مؤكّدة تفيد أنّهم لا يريدون الحلّ ولا التفاوض ولا المقايضة، خلافاً لما يُظهرونه أمام الرأي العام».

وأضافت هذه المصادر: «لقد تجاوبنا إلى أقصى حدّ ممكن، وفتحنا قنوات تفاوض مباشرة وغير مباشرة مع الخاطفين، وكنّا نصطدم في كلّ مرّة بتلاعبهم وعدم جدّيتهم، بدليل أنّهم لم يرسلوا لنا لوائح إسمية بعدد الموقوفين الذين يريدون المقايضة معهم، كذلك لم يرسلوا حتى الآن أيّ تعهّدات خطّية بالتوقف عن قتل العسكريين لكي نستأنف التفاوض، وإنّ الشيخ وسام المصري الذي تبرّع معلناً أنّه يستطيع إحضارَ هذه الورقة عاد ليُعلن مواقف وسط الأهالي يُحمّل فيها «حزب الله» المسؤولية ويطلب منه الخروج من سوريا، وهو المطلب الذي تراجعَت عنه الجهات الخاطفة عندما كان التفاوض قائماً معها».

ودعت المصادر نفسُها «إلى التوقف مليّاً وبحَذر شديد أمام النزاع المحتدم بشدّة هذه الايام في جبال القلمون بين تنظيمَي «داعش» و»جبهة النصرة» وترقّب مآلاته، لأنّه بات يشكّل الخطر الأكبر على مصير المخطوفين العسكريين وحياتهم، ما يعني أنّ كلّ مقاربة لهذا الملف ستختلف». وشكّكت المصادر نفسها في صدقيّة المصري وقدرتِه على تنفيذ وعوده، وقالت: لقد أتَحنا له المجال واسعاً لتنفيذِها لكي لا يُقالَ إنّنا أقفلنا الأبواب أمام المبادرات الخَيّرة».

تهديد «داعش»

وكان التطوّر اللافت في دلالاته وأبعاده خلال الساعات الماضية التهديدات التي أطلقها تنظيم «داعش» بقتل ثلاثةِ عسكريين مخطوفين، واصفاً في تسجيل مصوّر الرئيسَ سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بأنّهم «حلفاء فرنسا» واتّهمَهم بالمشاركة في تحويل الجيش اللبناني «دميةً في أيدي «حزب الله»، وقال إنّه «يخوض حرباً مع الحزب» واتّهمه بـ»التدخّل في شؤون المسلمين في سوريا»، متوجّهاً إلى الحريري وجنبلاط وجعجع قائلاً: «إنّ حياة العسكريين الثلاثة أو موتَهم يعتمد على خطوتكم المقبلة».

وردّ جنبلاط ليل أمس في تغريدةٍ على موقع «تويتر»، على الاتّهامات الداعشية، فأكّد: «لم ولن نتخلّى عن دور الوساطة تحت مبدأ المقايضة في أيّ ظرف». وقال: لست أفهم اتّهام ممثل «الدولة الإسلامية» حول فرنسا وغير فرنسا. ولا علاقة لنا بما يفعله أو يقوله الغير، وليس هذا الكلام للتجريح بسَعد الحريري أو سمير جعجع».

ولفتَ الى انّ وزير الصحة وائل ابو فاعور «سيستمرّ بجهوده للتبادل على قاعدة المقايضة بعيداً من حسابات الغير، وأتمنّى من «الدولة الإسلامية» أن تُقدّر هذا الموقف». وأكّد «أننا نقوم بواجبنا من اجل العسكريين المخطوفين بعيداً من حسابات الآخرين».

تطوّر قضائي

وفي تطوّر قضائي لافت، قرّر رئيس المجلس العدلي بالإنابة القاضي أنطوني عيسى الخوري تسطيرَ مذكّرة للنائب العام التمييزي يطلب فيها فتحَ تحقيق في عدم تنفيذ قرار المجلس العدلي القاضي بسَوق جميع المتهمين في قضية الاعتداء على أمن الدولة في مخيّم نهر البارد، إلى العدالة قسراً. كذلك قرّر تكرار سَوق المتّهمين الممتنعين عن المثول أمامه إلى جلسة تُعقَد في قصر العدل في بيروت الجمعة الواقع فيه 23/1/2015 «.

مصادر قضائية

وأوضحَت مصادر قضائية لـ«الجمهورية» أنّ هذا القرار صدرعلى خلفية تمنُّع المتّهمين من تنظيم «فتح الإسلام» عن المثول أمام المجلس العدلي للمرّة الثالثة على التوالي، وتساءلت عن سبب عدم سَوقهم الى جلسة المحاكمة بواسطة القوى الأمنية مثلما يحصل في كلّ المحاكمات عندما يتمنّع المتّهم، إذ تكون عندها مهمة القوى الأمنية جلبه قسراً.

وكذلك استغربَت المصادر القضائية نفسُها ما صدر من مواقف عن بعض القيادات السياسية تتّهم القضاء بالتباطؤ وعدم تنفيذ المحاكمات، في الوقت الذي لا تتّخذ الأجهزة الأمنية إجراءاتها لسَوق المتهمين.

وكشفَت المصادر أنّ المجلس العدلي أنهى 85 في المئة من المحاكمات في ملفّات الحرب في مخيّم نهر البارد عام 2007، وأصدر في حقّ المتهمين أحكاماً، وبقيَ 15 في المئة منهم من أصل 41 ملفّاً لا يستطيع محاكمتهم بسبب تمنّعِهم عن المثول أمامه.

وتجدر الإشارة الى أنّ المجلس العدلي عندما ينتهي من محاكمة نسبة الـ 15 في المئة المتبقّية من هؤلاء الموقوفين يعلن إقفالَ ملف الموقوفين الإسلاميين.

النفط والغاز

ومن جهة ثانية ظلّ ملف الثروة النفطية والغازية محورَ الاهتمام الرسمي في ضوء المعلومات التي وردت الى مراجع مسؤولة عن مباشرة إسرائيل في سَرقة حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة والتي قرصنَت منها مساحة 870 كيلومتراً مربّعاً في الاتفاق الحدودي البحري الذي أبرَمته مع قبرص أيام حكومة السنيورة.

وفي هذا الإطار التقى برّي أمس قائد القوات الدولية العاملة في لبنان «اليونيفيل» الجنرال لوتشيانو بورتولانو (الذي زار رئيس الحكومة تمام سلام ايضاً) وعرَض معه ما يمكن الأمم المتحدة وقواتها العاملة في لبنان أن تقوم به من دور لمنعِ اسرائيل من اغتصاب حقوق لبنان النفطية والغازية في المنطقة الاقتصادية.

وإلى ذلك، ترَأسَ سلام اجتماعاً خُصّص للبحث في ملف النفط والغاز، وحضرَه وزير الطاقة والمياه ارتور نظريان ولجنة الطاقة والمياه النيابية برئاسة النائب محمد قباني وهيئة إدارة قطاع إدارة البترول.

وشدّد نظريان على ضرورة ان يقرّ مجلس الوزراء المراسيم المتعلقة بتحديد البلوكات النفطية البحرية وتلزيم التنقيب عن النفط آملاً «أن تكون هذه المسألة هدية الحكومة للشعب اللبناني في السَنة المقبلة».

أضاف: «المهمّ أن نتحرّك، لأنّه لا يمكننا تأخير هذا الأمر بالنسبة الى وضع لبنان، ونعطي المجال للعدوّ الاسرائيلي للاستفادة من الآبار الموجودة عندنا».

بدوره شدّد قباني على «التفاهم والتكامل» بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في موضوع الغاز والنفط بالنسبة الى مستقبل لبنان الاقتصادي والمالي». وأشار الى «مشروع خريطة طريق أعدَّته هيئة إدارة قطاع البترول في المجلس النيابي، ولجنة الأشغال والطاقة تبنّت هذه التوصية وأصبحت خريطة طريق متبنّاة من المجلس النيابي». وقال: «هذا ما رفعناه الى رئيس الحكومة، ونحن نريد أن نكملَ متعاونين لإقرارها، وتشمل إقرار المرسومين في مجلس الوزراء وقانون الضرائب في مجلس النواب».

تغريم إسرائيل

من جهة ثانية تبنَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار «البقعة النفطية على الشواطئ اللبنانية» الذي يطالب إسرائيل بتعويض لبنان 856،4 مليون دولار، وأوضحَ مندوب لبنان الدائم لدى المنظمة الدولية نواف سلام أنّه «للمرّة الأولى منذ العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006، تبنَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم بأكثرية 170 من أصل 179، قراراً رقمُه 212/69 اعتمدَت فيه مبلغ 856،4 مليون دولار أميركي يتوجّب على اسرائيل ان تدفعَه كتعويض حتى تاريخه عن الأضرار التي لحقت بلبنان مباشرةً بعد قصفِها محطة الجيّة للطاقة الكهربائية» في حرب تمّوز 2006.