حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، كانت «صفقة» إطلاق العسكريين المختطفين لدى «جبهة النصرة» في جرود عرسال «تقاوم» الرياح التي هبت عليها فجأة من الجرود، في ربع الساعة الأخير، بفعل مطالب تعجيزية طرحها الخاطفون عند الاقتراب من «خط النهاية».
وبرغم التعثر الذي أصاب صفقة التبادل أمس، إلا أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أكد لدى خروجه من «بارك أوتيل شتورا»، حيث تابع مجريات اليوم الطويل من التفاوض، أن «الأمور لم تنتهِ وأن التفاوض مستمر، ولا يمكن الحديث عن فشل».
وشكل قرار رئيس الحكومة تمام سلام بإلغاء رحلته إلى باريس للمشاركة في قمة المناخ، من أجل متابعة قضية العسكريين، دليلا على وجود معطيات بأن المفاوضات لم تتوقف، وأنها يمكن أن تصل إلى النهاية السعيدة التي ينتظرها الأهالي منذ سنة وأربعة أشهر.
وبالتزامن مع تعثر عملية التبادل، أعلن أحد قياديي «النصرة» في القلمون أبو عمرو القلموني، في حسابه عبر «تويتر»، أن الجبهة ستكشف كل مراحل المفاوضات مع الحكومة اللبنانية، وقال حرفيا: «ترقبوا إصدارا للاخوة في «جبهة النصرة» يروي مرحلة أسر العسكريين (اللبنانيين) من بدايتها وحتى نهايتها وتفاصيل عملية التبادل وأسباب العرقلة».
وقبل التطور المفاجئ الذي استجد من «خارج النص» قبيل منتصف ليل السبت ـ الأحد الماضي، كانت كلّ المعطيات تؤكّد أن المقايضة وضعت على السكّة الصحيحة، مع تنفيذ السلطات اللبنانيّة الشق المتعلق بها في الاتفاق، ومبادرتها إلى المباشرة في تلبية المطالب التي سبق أن جرى التوافق عليها مع «النّصرة»، وفق الروزنامة المحددة، من دون المسّ بـ«الخطوط الحمر» المرسومة من قبل اللواء ابراهيم، الذي بقي على تواصل مستمر مع الوسيط القطري.
وفجر الأحد، كانت الاستعدادات قد اكتملت لتسليم «النصرة» عددا من الموقوفين والموقوفات في السجون اللبنانية والسورية، وبينهم زوجات وأبناء لقياديين في «النصرة»، كما توجّهت قافلة مساعدات إنسانية وغذائية منذ ساعات الصباح الأولى إلى مدخل عرسال من جهة اللبوة، وانتظرت الأوامر للانتقال إلى مخيمات النازحين السوريين في الجرود لإفراغ حمولتها.
في هذا الوقت، كانت السيارات الرباعية الدفع تنتقل إلى وادي حميد وعلى متن إحداها ضابط رفيع المستوى يُمثِّل اللواء ابراهيم، بالإضافة إلى سيارات إسعاف. وقد انتظر الموكب طويلا عند النقطة المحدّدة لاستلام العسكريين المحتجزين وفق ما هو متّفق عليه، قبل أن يعود أدراجه إلى بيروت خالي الوفاض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شاحنات المواد الإنسانية والغذائية، بعدما استجدّت معطيات تفيد بأنّ «النصرة» لم تكتفِ بلائحة المطالب والأسماء، وإنّما أدخلت عليها عناصر جديدة لم تكن واردة سابقا.
ومع ذلك، لم يتسرب اليأس إلى المفاوض اللبناني خصوصاً بعد تلقي إشارات إيجابيّة من خلف الحدود، تؤكّد أن التسوية لا تزال سارية المفعول، وأن المفاوضات لم تصل إلى نقطة اللاعودة (التفاصيل ص3).

ترشيح فرنجية

سياسيا، يبقى ترشيح زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية بمثابة نقطة الارتكاز للحركة الداخلية، كما للحراك الديبلوماسي الذي كانت علامته الفارقة زيارة القائم بالأعمال الأميركي ريتشارد جونز إلى بنشعي، وهي زيارة اعتبر البعض أن توقيتها ينطوي على إشارة أميركية واضحة إلى الغطاء الذي يحظى به ترشيح فرنجية من قبل واشنطن.
وعلمت «السفير» أن الرئيس سعد الحريري أبلغ فرنجية، خلال اتصاله به أمس الأول، أن ما اتفقا عليه في لقاء باريس لا يزال ساري المفعول، وهو ملتزم به، وينطلق منه في اتصالاته مع قوى «14 آذار».
ويُرجح أن يكون طرح الحريري الرئاسي حاضرا بقوة على طاولة جلسة الحوار التي ستعقد اليوم في عين التينة بين وفدَي «المستقبل» و «حزب الله».
وفي انتظار ما ستؤول إليه الاتصالات، أبلغت مصادر مواكبة للملف الرئاسي «السفير» أن مصير ترشيح فرنجية يتوقف على الاعتبارات الآتية:
- مبادرة الحريري إلى الإعلان الرسمي عن ترشيح فرنجية بعد استكمال اتصالاته مع حلفائه، ليصبح طرحه رسميا ويضع حدا نهائيا لفرضية المناورة، ما يفرض على الأطراف الاخرى التعاطي معه بجدية أكبر.
- ترقب حصيلة المشاورات التي تتم على خطَّي «8 و14آذار» مسيحيا لتسويق اسم فرنجية، وتأمين أوسع نصاب دستوري ووطني لانتخابه في أقرب وقت ممكن.
- تحديد وجهة قانون الانتخابات النيابية الذي يبدو المحك الأصعب أمام رحلة فرنجية إلى قصر بعبدا، ذلك أنه إذا كان الحريري سيرشح رئيس «تيار المردة» على قاعدة اعتماد «قانون الستين»، فإن من شأن ذلك أن يُعَقِّد الموقف ويُصَعِّب إمكان الحصول على قبول عون بترشيح فرنجية، لا سيما أن قانون الانتخاب العادل وفق النسبية هو مطلب جوهري لـ «الجنرال»، أما إذا وُجِد استعداد لدى الحريري والنائب وليد جنبلاط لاعتماد النسبية، فإن ذلك قد يسهل تجاوب عون مع التسوية المطروحة، أو على الأقل سيجعله محرجا حيالها، ولن يكون سهلا عليه تبرير رفض اسم فرنجية، وبالتالي فإن هناك ما يشبه العلاقة العضوية بين قانون الانتخاب ورئاسة الجمهورية.
وأبلغت أوساط واسعة الاطلاع «السفير» أنه من المتوقع أن يكون الأسبوع الحالي مفصليا على صعيد تحديد الاتجاه الذي سيسلكه الطرح المتعلق بترشيح النائب فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، مشيرة إلى أن الاتصالات ستتكثف على كل المستويات خلال هذا الأسبوع، خصوصا على خط «حزب الله» – الرابية، وتبعا لنتائجها سيتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
واستغربت الأوساط مواقف «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» و «حزب الكتائب» المعترضة على ترشيح فرنجية، برغم أن رئيس «المردة» هو أحد الأقطاب الموارنة الأربعة (الأقوياء الأربعة)، الذين كانوا قد اتفقوا في لقاء بكركي على دعم وصول أي منهم إلى الرئاسة، إذا حظي بفرصة لذلك، متسائلة: لماذا يُرفض ترشيح فرنجية الآن وهو الذي يملك الحيثية المسيحية الضرورية، ويتوافر فيه الشرط الذي توافقوا عليه في لقاء بكركي؟
وقال الرئيس سلام أمام زواره أمس إن هناك مؤشرات إلى جدية التحرك الحاصل، في ملف رئاسة الجمهورية ما يساعد على توقع انفراج ما، معتبرا أن من يساهم في الحل يجب أن يُعطى فرصة مناسبة وكافية، فلا يستطيع البلد أن يبقى منتظرا موقف فلان أو رفض فلان، آملا في أن تثمر الاتصالات توافقا على انتخاب الرئيس.
ولفت الانتباه إلى ان اتصال الرئيس سعد الحريري أمس الأول بالنائب سليمان فرنجية يؤشر إلى جدية ما في الموضوع الرئاسي، متمنيا «ان تكون هناك جدية لدى كل الأطراف، وأنا لا أبني موقفي على مشاعري وأحاسيسي بل على معطيات وعلى الحاجة الملحة لانتخاب رئيس في أقرب فرصة»