تراكمت الملفات حتى بدا ان الحكومة باتت تنوء بأثقالها، وهي تترّنح إلى حد السقوط، في ظل شغور لا يسمح لها باستقالة تحمّلها مسؤولية ادخال البلاد في فراغ مطلق، الامر الذي تعول عليه قوى 8 آذار التي خففت حملتها في الأيام الاخيرة بعدما شعرت بأن الحكومة بدأت تتهاوى وان احتضان فريق 14 آذار لها جاء ضعيفاً.
عملياً، بدأ جمع النفايات من مواقع عدة في العاصمة ومحيطها، وهي تنقل الى اماكن تجميع ريثما تستكمل اللجنة المكلفة معالجة ملف النفايات مناقشاتها بعد ظهر اليوم وتقرر امكنة الطمر او نقلها الى اماكن خارج البلاد في الاشهر الستة المقبلة، كما أبلغت مصادر وزارية "النهار"، مؤكدة أن لا حلول قريبة والسبب أن من يطرح الحلول هو من يحرّض عليها. وقال الوزير أكرم شهيب ان "لا خيار الا بايجاد حل لأن أي مطمر هو أفضل من إلقاء النفايات في الشارع. جمع النفايات من الشوارع سيتم في ساحات بعيدة عن البيوت وفي مواقف، على ان يتم الفرز في الكرنتينا والعمروسية، وتوزع لاحقاً على المطامر وفق قدرة كل منها على الاستيعاب. ما يهمنا هو رفع النفايات من الشوارع..".
واذا كان المجتمع المدني ظهر هذه المرة أكثر فاعلية في شأن مطلبيّ حياتيّ محق، فان كثيرين استغلوا هذا الوضع لاثارة شغب وفوضى عبر حرائق مفتعلة ورمي نفايات في شوارع العاصمة، وتحديداً عند دارة رئيس الوزراء في المصيطبة، مما أثار استياءه الشديد، وعتب قريبون منه على ما يسمى "سرايا المقاومة"، الامر الذي حمل وزير المال علي حسن خليل على التأكيد "ان من قام برمي النفايات على منزل رئيس الحكومة مجموعة زعران ولا علاقة لأي مرجعية سياسية بما قاموا به والامر مرفوض ومدان".
وعلمت "النهار" أن المجموعة التي إعتدت أمس على سيارة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، قصدت بعد الظهر منزل الرئيس فؤاد السنيورة في شارع بلس ببيروت وأنهالت أمامه بالسباب والشتائم والتهديد. واوضحت مصادر رئيس كتلة "المستقبل" أن هذه المجموعة تابعة لـ"سرايا المقاومة".
وبينما توزعت حركة الاعتراض لتشمل، الى بيروت، طريق ضهر البيدر، وزوق مكايل، واقليم الخروب، وعكار، نفذ أصحاب الشاحنات العموميّة وإدارة وعمال مطاحن بكاليان اعتصاما في مرفأ بيروت منعاَ لدخول شاحنات جهاد العرب المحمّلة بالنفايات لرميها في موقف الشاحنات، مهدّدين بإقفال المطاحن والامتناع عن توزيع الطحين مما يضع البلد في مواجهة أزمة جديدة هي أزمة الرغيف.
من جهة اخرى، برزت ازمة الاخطار التي باتت تهدد حركة الطيران في مطار بيروت، بعدما عمدت شركة "سوكلين" وبلديات الضاحية الجنوبية والشويفات الى تجميع نفاياتها قرب سياج المطار. وصرح وزير الاشغال العامة غازي زعيتر لـ"النهار": "راسلت وزارات الداخلية والبلديات والدفاع والبيئة لاعلامهم بخطورة الوضع، أنا أنذرت وأرفع الصوت". وحمّل زعيتر هذه الوزارات الثلاث "أي تقصير ممكن أن يضر بالسلامة العامة أو سلامة الطيران".
كذلك نبّه المدير العام للطيران المدني السابق حمدي شوق عبر "النهار" من خطورة رمي النفايات في محيط المطار، "لانها قد تصل إلى مستويات أعلى من ارتفاع سطح المدرج، ولانها تغير حال الحرارة في محيط المدرج، فالطائرات تتأثر مباشرة بالطقس وأي انبعاثات ستؤثر في انسياب الهواء فوق جناحي الطائرة، وخصوصا وقت تكون في مرحلة الاقلاع أو الهبوط. وثالث المخاطر أن النفايات من شأنها تعزيز وضع الطيور بجانب المطار وهذا أمر خطير جداً".
قضائيا، تابع النائب العام المالي القاضي علي ابرهيم، دراسة ما توصلت اليه التحقيقات الاولية في ملف شركتي "سوكلين" و"سوكومي" والاموال المستوفاة من الصندوق البلدي المستقل. واصدر قراراً تمهيدياً قضى بتعيين لجنة فنية للقيام بمهمات حدّدت في نص القرار على ان ينظر في ضوء ما تتوصل اليه في المقتضى القانوني. وقد اثار الامر اعتراضات ودفاعا عن الشركة التي سيخرج رئيسها ميسرة سكر للمرة الاولى في اطلالة تلفزيونية غدا الخميس "لتوضيح امور في اطار الحملة التي تستهدف الشركة".

الحكومة
حكومياً، وبعدما ارجأ الرئيس تمام سلام جلسة مجلس الوزراء أمس الثلثاء قبل موعدعقدها بنصف ساعة، رجحت مصادر وزارية ان تلقى جلسة غد الخميس مصيرا مماثلا من حيث انفراط عقدها بعد ان يعمد سلام الى رفع الجلسة وعدم تحديد موعد جديد لمجلس الوزراء ريثما تتضح الامور والمواقف، في خطوة تغني عن الاستقالة. وبدا واضحا أمس من جواب الوزير الياس بوصعب عن عدم توافر اماكن للطمر في المتن الشمالي وكسروان، ان "تكتل التغيير والاصلاح" يتعمد عدم تسهيل الامور في اطار رده على تعامل الحكومة مع مطالبه، وخصوصا بعد زيارة نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع سمير مقبل للرابية أول من أمس. وقالت مصادر مطلعة على أجواء الزيارة، لـ"النهار" ان العماد ميشال عون، بعدما سمع تأييداً من مقبل لمبدأ التعيين في المواقع العسكرية، اقترح عليه ان يتشاور مع المعنيين في ايجاد صيغة لتعيين قائد جديد للجيش واعضاء للمجلس العسكري يؤجل تسلمهم مهماتهم الى حين انتهاء ولاية قائد الجيش الحالي وعدم التعرض له او لكرامته كما يدعي البعض. وطلب منه موافاته بالجواب قريبا، مع استعداده للبحث في صيغة مقبولة لدى الجميع. وحذر عون من ان يؤدي رفع الجلسة الخميس وعدم تحديد موعد جديد لمجلس الوزراء الى فرض امر واقع واصدار قرارات التمديد لانه سيبادر الى تحرك احتجاجي على الامر.
وأبلغت مصادر متابعة "النهار" ان هناك "من يريد اجراء مقايضة بين النفايات والتعيينات"، متوقعة اللجوء الى منطق فرض الحلول التي لن تكون على حساب فئة دون أخرى.
وأمس تلقى رئيس الوزراء دعما متعدد المصدر، من الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، ومن السفير السعودي علي عواض عسيري الذي "أكد حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره ومؤسساته الدستورية وفي مقدمها الحكومة التي تثق بحكمة رئيسها ووطنيته وحرصه على المصلحة الوطنية العليا، وتعتبر ان الحكومة هي صمام الأمان وتعريضها للضغط في هذه المرحلة الدقيقة قد ينطوي على عواقب ليست في مصلحة لبنان". كذلك أكدت كتلة "المستقبل" النيابية ثقتها بالرئيس سلام ودعمها الكامل له في تحمل مسؤولياته الدستورية في الحفاظ على أحكام الدستور وعلى صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء.