بينما يمعن «حزب الله» في إغراق الساحة اللبنانية بالدماء السورية متجاهلاً كل النداءات الوطنية الداعية إلى تحييد لبنان وعزله عن أزمات المنطقة، وها هو يطلق «النفير العام» في صفوف مقاتليه حاشداً خلال الساعات الأخيرة «الاحتياط من عناصره في بيروت والبقاع الشمالي تمهيداً لخوض معركة القلمون» وفق ما كشفت مصادر ميدانية لـ«المستقبل»، لم يعد من شكّ وطني في كون الحزب العاجز عن التماهي مع المصلحة اللبنانية العليا هو بدليل الواقع والوقائع «فاقداً للشيء لا يعطيه» ولا يملك أن يتخذ قراراً ولا خياراً استراتيجياً خارج منظومة الإيعاز الإيراني لا سيما في ما يتعلق بالانسحاب من سوريا أو بالانتخاب الرئاسي. وبالأمس صارح الرئيس سعد الحريري محاوريه في واشنطن بهذه الحقيقة اللبنانية المرّة من خلال قوله في المحاضرة التي ألقاها في «ويلسون سنتر»: «نحن في حوار مع «حزب الله» بهدف تنفيس الاحتقان في البلد، إلا أنه في المسائل الأساسية مثل انسحاب مقاتلي الحزب من سوريا وانتخاب رئيس للبنان، فإن «حزب الله» لن يستمع إلا إلى إيران«، معرباً في هذا المجال عن أسفه لأنّ دفاع الحزب عن ديكتاتورية الأسد أدى إلى استيراد الإرهاب إلى الساحة اللبنانية. 

وإذ حذر من أنّ استمرار الوضع الراهن سيجعل «من الصعب على نحو متزايد منع ألسنة اللهب في المنطقة من إشعال حرب أهلية في لبنان» ونبّه إلى أنّ الاستقرار النسبي الراهن «ليس مستداماً ما لم يتم تعزيز مؤسسات الدولة وايجاد حل للحرب في سوريا»، رسم الحريري في المقابل خارطة طريق لبنانية لتحصين الاستقرار الوطني ترتكز على ثلاثية: «إنهاء الفراغ الرئاسي والتزام «إعلان بعبدا» ومحاربة كل أنواع التطرف السنّي والشيعي»، مشيراً في الوقت عينه إلى وجوب أن تترافق هذه الخطوات مع التزام المجتمع الدولي بإنهاء الحرب في سوريا وانتهاج سياسة واضحة لدعم أصوات الاعتدال في المنطقة، وسط تشديده على أنّ «بشار الأسد هو المصنع الذي يُنتج التطرف» وأنّ «إزالته» ستحصل «عاجلاً وليس آجلاً» باعتبارها الطريقة الوحيدة لاستعادة الاستقرار في سوريا. 

وعن التحديات الكبرى التي تواجهها المنطقة، لفت الحريري إلى وجود «تهديدين يتغذيان من بعضهما البعض» وهما يتمثلان بسياسة إيران التوسعية وخطر الإرهاب والتطرف، مشدداً من هذا المنطلق على ضرورة «أن تكون المعركة الجارية ضد «داعش» مصحوبة بعمل واضح وإدراك أنّ العرب لن يتسامحوا بعد الآن مع السلوك الإيراني المهيمن ولقد حملت عملية «عاصفة الحزم« هذه الرسالة الدقيقة». وأشار الحريري في هذا السياق إلى أنّ كلاً من إيران و«داعش» استغلا القضية الفلسطينية كذريعة لهجماتهم ضد المجتمع العربي والحكومات، ومن الضروري حرمانهم من هذه الحجة من خلال وضع حد لمعاناة الفلسطينيين عبر حلّ الدولتين«، خاتماً محاضرته بالتنويه بأنّ الدور القيادي للولايات المتحدة «سيبقى ناقصاً» ما لم يتم حل الأزمة السورية.

رسالة من غزالي

وفي حوار لاحق مع الحاضرين، كشف الرئيس الحريري عن تلقيه رسالة من رستم غزالي قبيل مقتله يعرب فيها عن رغبته في الظهور على التلفزيون لإعلان «أمر ما»، قائلاً: «اتصل بنا غزالي قبل مقتله وأراد أن يظهر على التلفزيون ويعلن عن أمر ما لا نعرف ما هو وبعد ذلك مباشرة تم ضربه«ـ وأضاف: «يوم واحد قبل ذلك اتصل غزالي بشخص أعرفه وأعطيناه رقم تلفزيون «المستقبل» فقد أراد أن يطلّ عبره وأن يقول شيئاً ولكن الفرصة لم تُتح له، كما حصل مع غازي كنعان الذي «انتحر« بخمس رصاصات».

وفي معرض تأكيد تفاؤله بنتائج أعمال المحكمة الخاصة بلبنان، شدد الحريري على أنّها «كمحكمة دولية تعمل بشكل سريع» بخلاف ما يعتقد البعض، مشيراً إلى أنه «عندما تعلن المحكمة أسماء القتلة سيلقى القبض عليهم عاجلاً أم آجلاً، فهم ليسوا أقوى من ميلوسوفيتش الذي سيق إلى العدالة».

ورداً على سؤال، أبدى الحريري قناعته بأنّ الجريمة التي ارتكبها ميشال سماحة من خلال إدخاله متفجرات من سوريا لتفجير الساحة اللبنانية إنما هي «عمل استخباراتي سوري جرى بالتنسيق مع إيران ووكلائها في لبنان لزعزعة الاستقرار فيه»، مشيراً في الوقت عينه إلى أنه «على الصعيد السياسي لا يمكن لحزب الله أو سوريا أن يقوما بأي مناورة من دون إذن من إيران».

وعن مدى تأثير «حزب الله» على المؤسسة العسكرية، أجاب الحريري: «ليس هناك تأثير للحزب على الجيش الذي يقوم بعمل عظيم من خلال إرساء الاستقرار على الحدود ومحاربة المتطرفين، ولكن في الوقت نفسه هل يقترفون أخطاء؟ الجميع يقترف الأخطاء ولبنان يمر بمرحلة دقيقة حالياً».

وفي ما يتعلق بالدور التركي المرتقب في إنهاء الحرب السورية، أعرب الحريري عن اعتقاده بأنه «إذا تم اتخاذ قرار اليوم بالحظر الجوي فوق سوريا من قبل المجتمع الدولي فسنرى أنّ تركيا ستكون أول الدول التي سوف يكون لها تأثير سواء على داعش أو النظام السوري»، مشدداً على وجوب القيام بثلاث خطوات لإنهاء الأزمة السورية وهي «إقامة منطقة حظر جوي وتوحيد المعارضة وتدريب الجيش السوري الحر».

جنبلاط: لحصرية «الحرب والسلم»

تزامناً، برز أمس على شريط التصريحات المحلية جملة مواقف وطنية أطلقها رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط عبّر فيها لمناسبة الذكرى العاشرة للانسحاب السوري من لبنان عن تطلعه إلى «الوقت التي نحتفل فيه بوجود سلطة مركزية واحدة فوق كل السلطات، وبالجيش الذي يمتلك وحده قرار الحرب والسلم، خلافاً لمزايدات البعض من هنا وهناك، بما يمثل ترجمة فعلية لإعلان بعبدا«، مؤكداً في هذا السياق أنّ الأوان آن «لعدم جعل لبنان ساحة مرة أخرى للمصالح الإقليمية«.

سليمان لـ«المستقبل»: «إعلان بعبدا» 

يضع حداً للقتال خارج الحدود

وفي الغضون، شدد الرئيس ميشال سليمان لـ»المستقبل» على أهميّة عودة اللبنانيين من القتال خارج الحدود «قبل فوات الأوان لأن هذه العودة ستساعد في حلحلة الكثير من المشكلات العالقة في لبنان»، وسأل: «أليس من المنطقي ربط تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية بحرب اللبنانيين خارج الأراضي اللبنانية، ما يجعلنا نسأل «أي خطاب قَسَم سيعتمد الرئيس العتيد وكيف له أن يُقارب هذه المسألة الشائكة ومن سينتخبه إن تبنّى عملية القتال خارج الحدود ومن سيرفضه في حال رفضه هذه المسألة، ومن سيقبل به قبل الاطلاع مسبقاً على موقفه النهائي من مسألة قتال اللبنانيين على أرض غير لبنانية».

ورداً على سؤال عن مطالبة النائب وليد جنبلاط بتطبيق «إعلان بعبدا»، أجاب سليمان ان موقف النائب جنبلاط من «إعلان بعبدا» لم يتغيّر، وما قاله بالأمس القريب عن استحالة تطبيقه جاء بمثابة «توصيف المشهد«، معتبراً ان العلاقة مع جنبلاط ثابتة ومستمرّة وانقاذية. كذلك اعتبر سليمان ان البلاد بأمس الحاجة لتكريس منطق الاعتدال والحد من خطورة الاصطفافات، وما مطالبة النائب جنبلاط بامتلاك الجيش اللبناني «قرار الحرب والسلم» إلا تماهٍ مع «تصوّر الاستراتيجية الدفاعية» الذي تم عرضه على «هيئة الحوار الوطني» في قصر بعبدا، والذي ينسجم مع الروحية السيادية لـ«إعلان بعبدا» الذي أوصى بمتابعة مناقشته.

وأردف سليمان مشيراً إلى أنه «إذا جاء اتفاق الطائف ليضع حداً لحروب الآخرين على أرض لبنان، فإن إعلان بعبدا جاء ليضع حداً لحروب اللبنانيين على أراضي الآخرين» للحؤول دون الاقتتال الداخلي، مشدداً على أهمية استمرار الحوارات القائمة، شرط ان تسلك الطريق السريع إلى ساحة النجمة لانتخاب الرئيس، ما يُعيد قطار البلاد إلى «السكّة الدستوريّة».

وعن «لقاء الجمهورية»، أكد سليمان أنه «سيكون بمثابة القوة الضاغطة لتحصين اتفاق الطائف وإيجاد الحلول لبعض الثغرات التطبيقية التي تعيق حالياً تطبيق الدستور وتضع البلاد في مهب الفراغ من دون المس بجوهر الطائف».