في هذا الوقت استغربَت أوساط كنَسية مسيحية أن تُفتح معركة قيادة الجيش قبل المعركة الرئاسية وفي لحظة شديدة الخطورة والحساسية، ودعَت إلى نقل المعركة إلى مكانها الطبيعي وهو رئاسة الجمهورية لجملةِ أسباب، أهمّها الآتي:

أوّلاً، الانتخابات الرئاسية تشكّل مفتاح انتظام عمل المؤسسات الدستورية التي أصبحَت شِبه معطلة وتنذِر بانعكاسات خطيرة في حال استمرار الفراغ الرئاسي.

ثانياً، الانتخابات الرئاسية تفتح الباب تلقائياً أمام الشروع بالتعيينات العسكرية والأمنية.

ثالثاً، لا يجوز تكريس عرفٍ جديد باختيار قائد للجيش في غياب رئيس الجمهورية.

رابعاً، التعطيل الرئاسي هو الذي فرضَ التمديد العسكري وليس العكس، إذ لو تمَّت الانتخابات الرئاسية في وقتِها لما كان التمديد العسكري حصل أساساً.

خامساً، مواصلة التركيز على التمديد أو التعيين العسكري تشَكّل حرفاً للأنظار عن المعركة الأساسية وهي المعركة الرئاسية بامتياز، فضلاً عن أنّه ينعكس سلباً على دور الجيش في مرحلة مفصلية.

سادساً، يجب الاستفادة من الإجماع الدولي على الجيش لحَثِّه على مواصلة مهامّه التي تكلّلت بالنجاح في أكثر من محطة ومناسبة، والاستجابة للدعوات الدولية بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

سابعاً، إبقاءُ عين الجيش ساهرةً على الحدود التي دخلت مع الربيع في فصل جديد.

وجدّدت الأوساط الكنَسية الدعوة أخيراً إلى إعادة نقل المعركة من الجيش إلى الرئاسة، لأنّ العقدة اليوم دستورياً وتشريعياً وحكومياً وعسكرياً هي في الفراغ الرئاسي، وبالتالي الأولوية كانت ويَجب أن تبقى في انتخاب رئيس جديد اليوم قبل الغد.

التأزّم السياسي

في موازاة ما تقَدّم، دخلَ لبنان مرحلة جديدة من التأزّم السياسي مع انضمام التشريع إلى روزنامة الخلافات بين المسؤولين، والتي تنعكس تعطيلاً وشَللاً، فيما البلاد على موعد مع جملة استحقاقات ومواعيد، تبدأ من الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية التي أنجِزت كلّ الترتيبات لوضعها قيد التنفيذ، ولا تنتهي بجلسة الحوار الرقم 11 بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» الاثنين في 4 أيار، وخطّة تحرّك شاملة توَعّدَت بها هيئة التنسيق النقابية تبدأ في 6 أيار، في غياب أيّ حلّ لمعضلة سلسلة الرتب والرواتب، وصولاً إلى جلسة انتخاب رئيس جمهورية جديد الرقم 23 في 13 من أيار أيضاً، في وقتٍ شدّدَت بكركي على «وجوب أن يكون لدينا رئيس قبل 25 أيّار».

بين باريس والفاتيكان

وفي هذه الأجواء، تنشَط الاتصالات اللبنانية في فرنسا والفاتيكان للخروج من المأزق الرئاسي وانتخاب رئيس، ويتولّاها كلّ مِن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي يتوّج زيارتَه الباريسية بلقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اليوم، حيث سيحضر الملفّ الرئاسي طبَقاً دسماً على طاولة محادثاتهما، ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي يتوَجّه من باريس الى الفاتيكان للقاء عددٍ من المسؤولين هناك، بعدما كان التقى الراعي في العاصمة الفرنسية في أكثر من مناسبة، أبرزُها خلالَ غداءٍ أقامَه رئيس مجلس إدارة بنك بيروت سليم صفير في حضور مدير العلاقات العامة في البنك أنطوان حبيب.

وكان الراعي شدّدَ على وجوب انتخاب رئيس قبل 25 أيار، ووَجَّه خلال حفلِ استقبالٍ أقامَه القائم بأعمال السفارة اللبنانية في باريس غدي الخوري، في حضور باسيل، ثلاثة نداءات: «الأوّل إلى اللبنانيين المنتشرين في الخارج وكهَنة الرعايا والمؤسّسة المارونية للانتشار، للعَمل من أجل استعادة المغتربين جنسيتَهم اللبنانية. والثاني إلى المجلس النيابي للإسراع في إقرار قانون استعادة الجنسية للمغتربين من أصل لبناني، والثالث إلى الكتل السياسية والنيابية للإسراع في انتخاب رئيس قبل 25 أيار المقبل.

وقال الراعي: «حالَ عودتِنا إلى لبنان معك يا معالي الوزير، يجب أن نسعى إلى كودرةِ مسؤولين مِن كلّ الأطراف لنجدَ مخرجاً لأزمة الفراغ الرئاسي، وتكون لدينا الكرامة ويحقّ لنا القول إنّنا لبنانيون، والشخص الوحيد الذي يعطي الحرّية والكرامة للّبنانيين هو رئيس الجمهورية، وهو الضامن لوحدة اللبنانيين ولشرعية المؤسسات.

لا يجوز أن نصبحَ مهزلةً أمام العالم في غياب رئيس للجمهورية، وأكرِّر القولَ إنّه فورَ عودتنا إلى لبنان سنعمل معك يا معالي الوزير من أجل إيجاد حلّ سريع لأزمة الفراغ الرئاسي، ويجب أن يكون لدينا رئيس قبل 25 أيار، ولا سيّما أنّ معاليك رجلُ تحَدٍّ، ونحن نقول نريد رئيساً وربُّنا سيُرسل أفضلَ رئيس، ونحن نقول ذلك لأنّك رجلٌ مناضِل ومحِبّ وحُرّ، وجميعكم رأيتم أنّه مارسَ وظيفته كوزير للخارجية من دون أيّ لون، واللون يبقى في قلبِه».

الحريري

ومِن واشنطن، أكّدَ الرئيس سعد الحريري خلال جلسة حوار عُقِدت في «ويلسون سنتر» أنّنا لن نسمح أبداً بعودة الحرب الأهلية إلى بلدنا، ولن نلجأ أبداً إلى العنف مهما كان الأمر، على رغم أنّه قد تمّت مواجهتنا بالعنف والاغتيالات. وقد وقفنا بكلّ وضوح إلى جانب العدالة والاعتدال ومؤسسات الدولة في مكافحة الإرهاب والتطرّف. ولكن في حال استمرار الوضع الراهن فإنّه سيكون من الصعبِ على نحوٍ متزايد منعُ ألسِنةِ اللهَب في المنطقة من إشعال حرب أهليّة في لبنان.

ويمكن منع هذا الأمر فقط في حال قامت المجموعات اللبنانية المختلفة باتّباع وتنفيذ مجموعة واضحة من الخطوات، أبرزُها:

أوّلاً، نحن بحاجة إلى انتخاب رئيس، فالفراغ في سُدّة الرئاسة أمرٌ خطير جداً ويُسهِم في شلّ جميع مؤسسات الدولة. والشعور بأنّ الأمور تسير بشكل طبيعي من دون رئيس للجمهورية أمرٌ خطير.

ثانياً، علينا التأكيد والالتزام بإعلان بعبدا الذي يدعو إلى حياد لبنان عن الصراع السوري.

ثالثاً، علينا محاربة كلّ أنواع التطرّف، سواءٌ التطرّف السنّي أو الشيعي. وحاليّاً، نحن في حوار مع «حزب الله» بهدف تنفيس الاحتقان في البلد، إلّا أنّه في المسائل الأساسية، مثل انسحاب مقاتلي الحزب من سوريا وانتخاب رئيس للبنان، فإنّ «حزب الله» لن يستمعَ إلّا إلى إيران.

رابعاً- نحن بحاجة إلى مقاربة مسألة اللاجئين السوريين في لبنان، لأنّه عندما يتواجد في بلد لا يتجاوز عددُ سكّانه 4 ملايين، 1.2 مليون لاجئ نكون أمام أزمة وطنية. وفي هذا الإطار علينا معالجة جذور هذه الأزمة! إنّ إنهاءَ الحرب في سوريا هو الوسيلة الوحيدة للتخفيف من ضرَر اللاجئين على لبنان. وإزالة بشّار الأسد هي الطريقة الوحيدة لاستعادة الاستقرار في سوريا.

ريفي وخوجا

وفي سياق آخر علمَت «الجمهورية» أنّ لقاءً حصَل في تركيا بين وزير العدل اللواء أشرف ريفي الذي مثّلَ لبنان في مؤتمر السلام التركي، ورئيس الائتلاف السوري خالد خوجا، وطلبَ ريفي من خوجا وضعَ كلّ إمكانات الائتلاف للإفراج عن العسكريين اللبنانيين المخطوفين، والضغط لمنع فصائل المعارضة السورية من انتهاك حدود لبنان والالتزام بسيادته، مشدّداً على ضرورة بناء علاقات مستقبلية مع سوريا ما بعد الأسد قائمة على احترام سيادة البلدين.

بدوره أكّد خوجا بذلَ كلّ الجهد لتحرير العسكريين ومنع الاحتكاكات على الحدود، مشيداً بدعم فئات لبنانية كبيرة لقضية الشعب السوري الساعي إلى التخلّص مِن نظام الأسد.

مأزق التشريع

ومع دخول لبنان منعطفاً خطيراً يهدّد بتعطيل تشريعي بعد التعطيل الرئاسي، نشطَت الاتصالات في الساعات الماضية، وعُقد لقاء في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام الذي اعتصَم بالصمت.

جعجع

في هذا الوقت، ردَّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على من يقول إنّ المشكلة في الفراغ الرئاسي هي مسيحية-مسيحية، بالقول: «إنّ الفراغ الرئاسي مرَدُّه إلى عدم مشاركة بعض الكتل النيابية في جلسات انتخاب الرئيس في مجلس النواب».

وإذ دعا جعجع برّي إلى «التأكّد مِن النواب المقاطعين للجلسات»، سأل: «لماذا لا يشارك نوّاب كتلة «حزب الله» وحلفاؤه في جلسات الرئاسة»؟، مشيراً إلى أنّ «توصيف المشكلة بأنّها مسيحية-مسيحية هو لغطٌ كبير».

«8 آذار»

وقالت مصادر قيادية بارزة في قوى 8 آذار أنْ لا وضوحَ حتى الآن في إمكان انعقاد لقاء قريب بين الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون كما يتردّد، وقالت لـ»الجمهورية»: «المأزق السياسي الراهن جعل الوضعَ صعباً، لكنّ أفقَ الخروج منه ليس مغلقاً، والاتصالات الجارية للخروج من أزمة التشريع مستمرّة، لكن لا حلّ حتى الآن.

وأكّدَت المصادر أنّ البلاد لا تحتمل مزيداً من الأزمات والشَلل، وقالت إنّ عدم إمكانية انتخاب رئيس جمهورية حتى الآن لا يعني مطلقاً تعطيلَ مجلس النواب وتجميدَ البلاد.

وأشارت المصادر في هذا الصَدد إلى أن لا شيءَ جديدٌ في الموضوع الرئاسي، فالأمور لا تزال على حالها وترشيحُ عون لا يزال يَحظى بدعم «حزب الله». في المقابل أكّدت المصادر «استمرارَ الحوار السنّي ـ الشيعي، معتبرةً أنّ مجرّد لقاء الطرَفين المتحاورين يُبَرّد الأجواء ويُخَفّف الاحتقان».

جنبلاط

من جهته، أيّدَ النائب وليد جنبلاط تشريعَ الضرورة، وقال تعليقاً على السجال المتعلق بالتشريع والمواقف السياسية المتضاربة حوله: «لا بدّ من إقرار مشروع الموازنة العامة في مجلس الوزراء وإحالتها إلى المجلس النيابي وفق الدستور والأصول، وكي لا تتحوّل مناقشة الموازنة إلى حفلةٍ للمزايدات الشعبوية في مجلس النواب، ممّا قد يعرّض أرقامَها للتضَخّم الكبير على حساب الاستقرار المالي والنقدي، ولا سيّما في ما يتعلق بسلسلة الرتب والرواتب التي لا مفرَّ من تأمين وارداتها قبل التفكير بإقرارِها».

عسيري

في مجال آخر، أكّد السفير السعودي علي عواض عسيري أمام وفدٍ مِن القيادات الروحية والأهلية في طرابلس والشمال زارَه في السفارة رافضاً التطاولَ على المملكة وملكِها، على عمقِ العلاقة اللبنانية-السعودية مشدّداً على أنّه لن يؤثّر عليها شيءٌ، وجَدّدَ حِرصَ بلاده على استقرار لبنان وسيادته ووحدة اللبنانيين التي نتمنّى أن نراها على أرض الواقع.

وقال: نحن ندرأ الفتنة ولا نشجّعها بين الأفرقاء اللبنانيين، وندعو إلى وحدة الصف اللبناني وإلى انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة، لأنّه الأمين على الدستور، ونتمنّى كلّ الخَير للبنان كلّه وللشمال أيضاً، وأكّد أنّ جهود المملكة لن تتوقّف، وتتأثّر بالمستجدّات التي نرى أنّها خرجَت عن المعهود وشَذّت عنه، وتمنّى ألّا يتأثر أيّ لبناني في المملكة، وألّا يتضرّر أيّ إنسان، وهذا ليس مِن أطباع المملكة. ونحن نتمنّى أن نرى العلاقة تتعمّق، وهذا ما نسعى إليه».

في الموازاة، زار وفدٌ من رجال الأعمال اللبنانيين المقيمين في السعودية رئيسَ الحكومة، ووضعَه في الهواجس التي تنتاب اللبنانيين المقيمين في السعودية ودوَل الخليج.

داتا الاتصالات

إلى ذلك، يَعقد مجلس الوزراء جلستَه العادية عصرَ الأربعاء، حيث سيعود طلبُ وزارة الداخلية الحصولَ على «داتا الإتصالات» كاملةً بدءاً من 1 أيار المقبل ووضعها بتصرّف الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى الواجهة مجدّداً، بعدما أُرجِئ في الجلسة السابقة، بسبَب اعتراض وزراء «حزب الله» عليه، وإعطاء فرصة لإجراء الإتصالات اللازمة، في اعتبار أنّ هذه الداتا حاجةٌ للأجهزة الأمنية التي تواجِه مخاطرَ الشبكات الإرهابية النائمة وتلك التي بوشِر برصدها بعد توقيف رؤوس منها أو متورّطين من الصفّ الثاني في الفترة الأخيرة، خصوصاً منذ منتصف آذار الماضي في الشمال والبقاع والجنوب، ومِن بينِهم سوريّون متورّطون في عمليات أمنية أُفشِلت قبلَ حصولها.

ويناقش المجلس طلبَ وزارة الشؤون الاجتماعية تمديدَ مهلةِ المشروع المتوافق عليه بين الوزارة ومفوّضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة حتى نهاية العام 2015 وقبول هبة ماليّة إضافية لدعم جهود الإستجابة لتداعيات النزوح السوري إلى لبنان، وهو ما أثارَ إشكالاً الأسبوع الماضي بين الوزير رشيد درباس وباسيل.

وأرفِقَ جدول الأعمال بالطلب إلى الوزراء لتوقيع عشرة مراسيم عادية وتحتاج إلى تواقيعهم لنَشرِها بموجب المادة 62 من الدستور التي أعطَت بعضَ صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً.

39 سائقاً عادوا إلى لبنان

وفي مجال آخر وصَلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت أمس طائرةٌ أردنية من عمّان، وعلى متنِها 39 سائقاً لبنانياً مِن السائقين اللبنانيين الذين كانوا عالقين في محيط ميناء ضبا السعودي إثرَ إقفال الأردن لحدوده البرّية مع سوريا منذ حوالى الشهر، ممّا أعاقَ تمكّنَهم من العودة عبر الطريق البرّي الذين كانوا يستخدمونه عادةً.