يكاد الرئيس ميشال عون وحده، تقريباً، يرفع النبرة عالياً في وجه الجميع بازاء التعيينات العسكرية والامنية، ويتصلب في وجهة نظره وهو محوط بمعادلة محرجة له، في الغالب التقى الافرقاء الآخرون عليها مباشرة او على نحو غير مباشر: لا قائد جديداً للجيش قبل انتخاب رئيس الجمهورية، أياً يطل الوقت.
بل يكاد يكون للمعادلة هذه وجه مكمّل لها، أكثر مرونة: من دون ان يفصح عون، علناً ونهائياً، عن تخليه عن ترشحه للرئاسة، لن يكون في الامكان الخوض في تعيين صهره قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائداً للجيش في ما بعد. ترجمة هذا الموقف بالذهاب الى انتخاب رئيس يلتقي عليه الافرقاء جميعاً ــــ بمَن فيهم عون ــــ توطئة لمرحلة جديدة في البلاد، احدى محطاتها تصحيح الخلل غير المسبوق في الاسلاك العسكرية التي شهدت او ستشهد في الشهور القليلة المقبلة مزيداً من تأجيل تسريح الضباط الكبار.

الخطوة التالية هي انتظار المبادر الاول في استكمال سلسلة تأجيل التسريح. وزير الداخلية نهاد المشنوق قال امام بعض مَن اجتمع بهم، انه لم يعدّ بعد قرار تأجيل تسريح المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص، رغم ان المادة 166 من قانون قوى الامن الداخلي تتيح له اتخاذ القرار. يلاحظ ايضاً ان بصبوص يتصرّف كأنه راحل في موعد احالته على التقاعد اواخر ايار المقبل. تالياً لا خيارات محددة حتى الآن لدى الوزير قبل عودة الرئيس سعد الحريري من واشنطن، وتوجهه الى الرياض لاطلاق مشاورات في ملف التعيينات الامنية من هناك. بدوره رئيس تكتل التغيير والاصلاح ينتظر عودة الحريري بسبب ترابط التعيينات تلك، ووضعها في سلة واحدة.
الا ان تعامل الاطراف الباقين مع تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، للمرة الثانية منذ عام 2013، على انه حتمي وواقع في زمانه، لا يعفي عون من خوض معركته الى اقصاها، تبعاً لمعطيات منها:
1ــــ لن يقبل بأي ذريعة تساق اليه لتبرير تأجيل تسريح قائد الجيش، والتسليم بتكرار السابقة.
2ــــ يضع على الطاولة الخيارات كلها باحتمالات مفتوحة لا تحدّها خطوط حمر، بما في ذلك اولئك الكثيرو الهلع على مصير الحكومة. ما يسمع منه محدثوه انه لن يتردد في قلب الطاولة وان لم يجاره حلفاؤه. والمقصود الرئيسي بذلك حزب الله بالذات.
3ــــ في رأي عون ان مجلس الوزراء هو صاحب القرار. والاحرى ان يكون كذلك اكثر من اي وقت مضى عندما يُحمّل صلاحيات رئيس الجمهورية. امام مجلس الوزراء احد حلول ثلاثة يوافق عليها عون اذا حظيت بثلثي المجلس ما دام تعيين قائد الجيش في الاحوال العادية يتطلب هذا النصاب الموصوف:
ــــ تعيين قائد جديد للجيش سواء كان روكز او سواه. لكن بالتأكيد يريد مغادرة قهوجي اليرزة. الاولى انه يطلب من مجلس الوزراء الذي يثابر على عقد جلساته بلا اي عراقيل، الاضطلاع بمسؤوليته حيال احالة القائد الحالي للمؤسسة العسكرية على التقاعد، ومن ثمّ تعيين خلف له.


لا قائد جديداً للجيش قبل انتخاب الرئيس اياً يطل الوقت



ــــ انتقال إمرة الجيش الى الضابط الاقدم رتبة ما دام لا شغور في المؤسسة العسكرية. اذا شغر منصب القائد حل محله رئيس الاركان، واذا شغر هذا يحل محله الضابط الاقدم رتبة ايا تكن طائفته ومذهبه. لا شغور في القيادة كي يُخوّف البعض به البعض الآخر، ناهيك بأن انتقال الإمرة منصوص عليه في قانون الدفاع.
ــــ لا يسع وزير الدفاع التذرع بعدم تعيين مجلس الوزراء قائداً للجيش كي يعوّل على المادة 55 في قانون الدفاع، بغية تأجيل تسريح قهوجي بحجة تفادي الشغور. ما ان تنتهي ولاية القائد ويتعذر تعيين خلف له، يحل في المنصب رئيس الاركان ومن ثم الضابط الاقدم رتبة. بسبب التفسير المستجد للمادة 55 ــــ وهي لا تُقرأ في اي حال بالطريقة الحالية لتطبيقها ــــ بات ثمة ما يشجّع مجلس الوزراء على المضي في خلافه على القائد المقبل، وتجنب تعيينه بدعوى مزدوجة السبب: الخلاف على الاسم، وعدم فرض تعيينه على الرئيس المقبل. بات تطبيق المادة 55 على هذا النحو عُرفاً يدرج لاحقاً كلما اختلفت السلطة الاجرائية ــــ او تعمّدت الخلاف ــــ على تعيين قائد للجيش او مدير عام احد الاسلاك العسكرية والامنية.
ــــ يستفز عون اتخاذ وزير الدفاع قراره ــــ وان تسلّح بما تنيطه به المادة 55 ــــ منفرداً من دون العودة الى مجلس الوزراء سياسياً في احسن الاحوال. بالتأكيد الصلاحية محصورة بالوزير بناء على اقتراح قائد الجيش ــــ الذي يقترح لنفسه تأجيل تسريحه ــــ ولا شأن لمجلس الوزراء بها. الا ان تصرفاً غير مألوف كهذا، لم يسبق ان عرفه الجيش على مرّ 70 عاما في تاريخه، لا يسع وزير اتخاذه منفرداً بلا تأييد معلن من مجلس الوزراء، مثابة غطاء سياسي في مرحلة كالتي تحضرها البلاد حاليا. بذلك يعتقد عون بأن على مجلس الوزراء بنصابه الموصوف الموافقة على قرار تأجيل التسريح، فيسلّم اذ ذاك بارادة الغالبية ما دامت سلطة القرار تكمن في مجلس الوزراء، لا عند الوزير المختص الذي يكتفي بالتوقيع.