أقرت القمة الروحية الاسلامية المسيحية في بكركي امس، «مأسسة القمة وجعل اجتماعاتها العادية فصلية»، وطالبت بالإفراج عن جميع المخطوفين والاسرى المدنيين والعسكريين والروحيين وفي طليعتهم المطرانان يوحنا ابراهيم وبولس يازجي.

 


وجاء في بيان القمة التي عقدت برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي: «عقدت القمة الإسلامية - المسيحية اجتماعا لها في بكركي، بتاريخ 30 آذار 2015، شارك فيه أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة رؤساء الطوائف اللبنانية المسيحية والاسلامية وممثلوهم.

افتتح غبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الاجتماع بكلمة ترحيبية أكد فيها أهمية القمة الروحية ودورها. بعد ذلك وقف الجميع دقيقة صمت احتراما لشهداء الجيش اللبناني بناء على طلب سماحة مفتي الجمهورية وتوجه المجتمعون بالتعزية إلى الطائفة الأشورية الكريمة بوفاة البطريرك مار دنخا الرابع.

وبعدما تداول المجتمعون الأوضاع الراهنة، أصدروا البيان التالي:

 

أولا: في الشأن اللبناني

أعربت القمة الروحية عن قلقها واستيائها الشديدَين جراء استمرار الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية لما يشكله هذا الفراغ الدستوري من خطر على سيادة لبنان وأمنه وسلامته، وحتى على صيغته الحضارية التي يعتبرها رسالة إلى محيطه وإلى العالم.

وجددت القمة دعوة القوى السياسية اللبنانية كافة إلى الاحتكام إلى المصلحة الوطنية العامة وإيلائها الأفضلية على كل مصلحة أخرى، وذلك للخروج من دوامة الدوران في فراغ جلسات الانتخاب العقيمة التي لم تؤدِ حتى الآن إلا إلى استمرار هذا الفراغ وإلى تضاعف مخاطره.

إن التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية ينسحب سلبا على كل المؤسسات الدستورية والمؤسسات العامة، فتتعطل الواحدة تلو الأخرى، ويتم ملء الوقت الضائع في محاولة استنباط حلول لمشاكل تنجم عن هذا الفراغ. بينما المطلوب واحد وهو الاحتكام إلى صندوق الاقتراع في المجلس النيابي وفقا للدستور. ولاحظت القمة أن الحوارات مستمرة بين بعض الفرقاء وهي تشجع في المبدأ على استمرارها ولكنها لم تثمر إلا القليل ولم تلامس حتى الآن الوجع الأساسي. إن موضوع انتخاب رئيس للجمهورية يجب أن يبقى الموضوع المحوري والملح لأن رئيس الجمهورية المسيحي الماروني هو الضمان الأساسي لاستمرارية العيش معا وبالتالي لبقاء الدولة اللبنانية.

ثانيا: الوضع المعيشي

يناشد أصحاب الغبطة والسماحة المسؤولين بضرورة إيلاء الشأنين الإقتصادي والإجتماعي عناية فائقة، لما يترتب على المواطنين من ثقل الأزمات المتراكمة على هذين الصعيدين. إن المدخل لمعالجة هذه القضايا هو التعجيل في إقرار الموازنة العامة للدولة، والعمل على ضبط الإنفاق غير المجدي، وتعزيز الإنفاق الإستثماري الذي يعود بالنفع على الحركة الإقتصادية لتنشيطها، بحيث يستفيد المواطنون منها إن لجهة إيجاد فرص عمل جديدة، أو لمساعدة الفئات الأكثر فقرا.

 

ثالثا: النزوح

إن الحروب والصراعات الدائرة في سوريا والعراق قد خلفت مآسي لا تعد، من مقتل مئات الآلاف، الى تدمير العديد من المدن والبلدات والقرى، إضافة إلى تهجير ما يزيد على مليون ونصف مليون من النازحين السوريين إلى لبنان، فضلا عن آلاف النازحين العراقيين، ناهيك عن ما يزيد على نصف مليون لاجىء فلسطيني. وقد أدى دخول النازحين السوريين غير المنظم وانفلاشهم على امتداد الجغرافية اللبنانية، الى تخطي طاقة لبنان على الاحتمال على أكثر من مستوى، من الأمن الى السكن والعمل، الى الصحة والتعليم، والمياه والكهرباء، والغذاء والنقل وسواها، ما يتسبب في إرهاق كاهل خزينة ترزح لاهثة تحت الأثقال والعجز والديون. ولا يمكننا أن ننسى الظروف المأساوية واللاإنسانية التي يعيشها هؤلاء النازحون، والتي تحتاج الى تحرك دولي فاعل يهدف الى زيادة المساعدات الإنسانية وتكثيفها. كما يجب أن يدرك المجتمع العربي والدولي أن لدى لبنان قدرة استيعاب محدودة لعدد النازحين الذين يمكنه احتضانهم لفترة محددة، فيمنع تحول لجوئهم الى لبنان من مؤقت الى دائم لأن ذلك يشكل خطرا كبيرا على وحدة لبنان واستقراره.

 

رابعا: الإرهاب

إن ظاهرة الإرهاب التي تجتاح المنطقة، والتي تتلبس لباس الدين وتتوسل التكفير والعنف ورفض الآخر، يجب التصدي لها ومواجهتها بجدية ثقافيا وتربويا واقتصاديا وسياسيا. كما تكون مواجهتها بتوحيد صفوف الاعتدال وتعزيز مواقعه وتطوير الخطاب الديني الذي يؤكد على المصالحة والتسامح والتعايش ويبتعد عن مصطلحات الإقصاء والإلغاء.

ويحذر المجتمعون من إلباس الحياة السياسية وجها طائفيا أو مذهبيا في عالمنا العربي، متوقفين أمام ما أقدمت عليه الحركات الإرهابية من إلغاء الحدود والتوجه نحو الخيار التقسيمي في المنطقة لأن هذا يلتقي مع المخطط الصهيوني المعروف، والهادف الى تفتيت المنطقة بأسرها الى دويلات طائفية صغيرة، متحاربة باستمرار، ما يتيح للكيان الإسرائيلي أن يكون الأقوى في المنطقة.

 

خامسا: أوضاع المسيحيين المشرقيين

ترى القمة أن هذه الموجات من العنف والإرهاب لم توفر أيا من الطوائف والمذاهب والمكونات المجتمعية في البلدان المختلفة، إلا انها توقفت مليا عند ما يتعرض له المسيحيون المشرقيون بمختلف تلاوينهم من ملاحقة وقهر وتشريد وتهجير وكان آخرهم أبناء الطائفة الأشورية.

ولا بد من التأكيد في هذه المناسبة، على أن ما يميز بلداننا المشرقية منذ القديم، هو التعايش بين أديان متعددة، والتفاعل بين حضارات متعددة، وأن الحضور المسيحي في هذه البلدان هو حضور أصلي وأصيل سبق ظهور الإسلام بعدة قرون، وهو مستمر. وكانت للمسيحيين على مر العصور مساهمات جليلة في الحفاظ على اللغة العربية، وإغناء الحضارة العربية. ولا يزال لهذا الحضور اليوم دور أساسي في إعطاء هذا المشرق مكونا أساسيا في هوية المنطقة، ونشر حضارة المحبة والمغفرة والسلام.

 

سادسا: التطورات

تتوقف القمة باهتمام كبير أمام التطورات السياسية والعسكرية التي تعصف بالمنطقة العربية وخاصة في اليمن. وتعرب عن تمنياتها في احتواء هذه التطورات بما يحفظ للدول العربية أمنها وسيادتها ووحدتها، ويحقق لها ما تصبو اليه شعوبها من استقرار وازدهار.

 

سابعا: توصيات

1 - أقر المجتمعون مأسسة القمة الروحية وجعل اجتماعاتها العادية فصلية.

2 - المطالبة والسعي من أجل الإفراج عن جميع المخطوفين والأسرى مدنيين وعسكريين وروحيين وفي طليعتهم المطرانان يوحنا ابراهيم وبولس يازجي.

3 - الإشادة بالدور المسؤول والبناء الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية في حماية أمن لبنان وسلامته واستقراره، ورد العدوان الذي يحاول التسلل اليه عبر الحدود. وتدعو الى تأمين كل حاجات الجيش والقوى الأمنية من اسلحة ومعدات حتى تتمكن من مواصلة اداء هذه المهمة الوطنية.

بعدما احتفلنا الأسبوع الماضي، مسلمين ومسيحيين معا، بعيد بشارة العذراء مريم، الذي يشكل أول احتفال ديني إسلامي مسيحي مشترك في التاريخ، يعزز قيمة لبنان ورسالته للعالم، وبمناسبة حلول الأعياد المجيدة عند الطوائف المسيحية، نسأل الله أن يقوم لبنان من كبوته، ويعود الى ممارسة دوره الطليعي بين الأمم، ويعم فيه الخير والسلام».