إذا كانت المعطيات الميدانية على الحدود الشرقية للبنان مع سوريا أملت مسارعة الجيش امس الى تنفيذ عملية عسكرية استباقية اتسمت بطابع السرعة والمباغتة، مما أتاح للجيش تقدماً ملموساً وسيطرة أوسع على تلال استراتيجية تجعله في موقع دفاعي أكثر تحصيناً ومتانة تحسباً لكل الاحتمالات، فيفترض ان تكون هذه العملية أعادت بمفاعيلها غير المباشرة تذكير الوسط السياسي بخطورة الظروف المحدقة بالبلاد التي تستوجب "جراحات" سياسية على مختلف مسارات الازمات المتداخلة.
ففي ما يعد انجازاً استراتيجياً عسكرياً في جبهة جردية شديدة الوعورة والتعقيد، شنت وحدات الجيش فجر أمس عملية خاطفة في جرود رأس بعلبك رداً على محاولات التسلل المتكررة التي قامت بها مجموعات من المسلحين المتحصنين في الجرود وكانت آخرها ثلاث محاولات متعاقبة ليلا استهدفت مواقعه في تلال الحمرا وأم خالد في جرود رأس بعلبك الموازية لعرسال. وتمكّن الجيش في هذه العملية من السيطرة التامة على مرتفعي صدر الجرش وحرف الجرش اللذين يبعدان نحو ثلاثة كيلومترات عن تلة الحمرا، علماً ان التلتين اللتين تمركز فيهما الجيش وأقام فيهما تحصيناته المتقدمة الجديدة هما أعلى من تلة الحمرا وكان المسلحون يتمركزون فيهما. وأتاحت العملية للجيش توسيع إحكام قبضته على المنطقة وإبعاد المسلحين الى داخل الجرد والتضييق عليهم من حيث امكانات التسلل وشن هجمات مباغتة على مواقعه. ولم تقف العملية عند حدود السيطرة على التلتين بل أكمل الجيش طوال ساعات النهار عملية تعقب المسلحين بالنار اذ استخدم المدفعية والطوافات، فيما نفذ الفوج المجوقل انتشارا واسعا في المنطقة بعد استقدام تعزيزات. وأصيب في العملية خمسة عسكريين بينهم ضابط في حال حرجة.
وأكدت مصادر عسكرية لـ"النهار" أن العملية كانت ناجحة جداً، اذ استبق الجيش بها أي عمل عسكري يمكن ان تحضّر له الجماعات الارهابية وأقام تحصيناته في هذه المنطقة التي تعتبر استراتيجية من الناحية العسكرية، وتمكّن من شلّ قدرة هذه الجماعات على القيام بأي عمل عسكري. ونتيجة هذه العملية المباغتة التي لم يتحسّبوا لها، أوقع الجيش في صفوفهم ما بين 13 و14 قتيلاً، فضلاً عن الجرحى، وضبط أعتدة وأسلحة وذخائر وعبوات ناسفة، وفرّ المسلّحون الى خارج المنطقة.
وعلى أهمية هذا الانجاز علمت "النهار" ان ثمة محاذير وثغرات لا تزال في حاجة الى مزيد من الرصد والاستكمال، ويتخذ الجيش الاجراءات اللازمة لتحصين الانتشار الجديد والتحسب لأي احتمال قد يدفع المسلحين الى محاولات اختراق او تسلل جديدة.

الازمة الحكومية
أما على صعيد أزمة الآلية الحكومية، فعلمت "النهار" ان رئيس الوزراء تمام سلام لم يتوصل حتى مساء امس الى معطيات تتيح له الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل، على رغم اللقاءات والاتصالات التي عقدها في الساعات الـ24 الاخيرة. ولم يستبعد وزير البيئة محمد المشنوق، أحد أعضاء كتلة الرئيس سلام الوزارية، في تصريحات له امس انعقاد جلسة الاسبوع المقبل.
وشهدت الحركة الجارية على محور هذه الازمة لقاءات كثيفة امس في السرايا بين سلام وعدد من الوزراء فيما قام وزير الاتصالات بطرس حرب بتحرك مكوكي شمل عين التينة والسرايا ومعراب محذرا من "ابقاء مجلس الوزراء أسيراً لنزوات بعض القوى السياسية التي استفادت من عملية التوافق لتحويلها الى ممارسة الفيتو على كل ما لا تريد ألا يمر".
في المقابل، قال مصدر في "اللقاء التشاوري" الوزاري لـ"النهار" إن هناك في الاجواء نوعا من التطور الايجابي، إذ صار واضحاً ان تعديل آلية العمل المعتمدة حاليا في مجلس الوزراء شبه متعذر وفي الوقت نفسه يعلم الرئيس سلام ان معارضي تعديل الآلية لا يتخذون هذا الموقف نكاية أو لعرقلة طرحه، بل على العكس، فإن كل الاطراف يؤيدونه. ولكن هناك مكوّن وطني مسيحي يعتبر أن الضغط ليس على الرئيس سلام وإنما على النواب الذين لا ينتخبون رئيسا جديدا للجمهورية. كما أن الرئيس سلام يعلم ان أعضاء "اللقاء التشاوري" هم داعمون له داخل مجلس الوزراء: فوزراء الكتائب حلفاء له ومثلهم وزراء الرئيس ميشال سليمان كما أن الوزيرين بطرس حرب وميشال فرعون من أقرب الناس اليه. ولفت المصدر الى ان الوزير حرب أطلع امس الرئيس سلام على هذه الاجواء. كما أجرى وزير الاعلام رمزي جريج اتصالا بزميله الوزير محمد المشنوق، وكان الرئيس سلام اتصل أخيرا بالرئيس أمين الجميّل للاطمئنان الى صحته. واعتبر ان الإخراج لهذه الاجواء الايجابية يكون بدعوة الرئيس سلام الى عقد جلسة لمجلس الوزراء يصارح فيها أعضاء الحكومة بأنه لن يكون ملكيا أكثر من الملك، داعيا الجميع الى تحمل مسؤولياتهم. فإما يتم تعديل الآلية وإما يعاود العمل بالآلية القائمة شرط عدم عرقلة العمل. وأشار الى ان الرئيس نبيه بري هو من أنصار دعوة الرئيس سلام مجلس الوزراء الى الانعقاد.

 

الحسيني والحص
في غضون ذلك، أثار طرح أعلنه الرئيس حسين الحسيني امس للخروج من الازمة الرئاسية اهتمام الاوساط السياسية، اذ اقترح "حلاً سريعاً بانتخاب رئيس موقت للجمهورية كمرحلة انتقالية لإجراء انتخابات نيابية جدية بقانون انتخاب جديد في ظل رئيس تنتهي ولايته خلال سنة"، معتبرا ان "مفتاح حل أزمتنا هو استرجاع الشرعية للمؤسسات الدستورية وايجاد قانون انتخاب شرعي يؤهلنا لإجراء انتخابات حقيقية". ومن المقرر ان يوجه الرئيس سليم الحص بدوره اليوم نداء الى القوى السياسية في شأن أزمة الفراغ الرئاسي، علما ان اجتماعا ضم امس الحسيني والحص في منزل الاخير.

واشنطن و"حزب الله"
في سياق آخر، أفاد مراسل "النهار" في واشنطن ان وزارة الخزانة الاميركية فرضت أمس عقوبات على شبكة دعم "حزب الله" في نيجيريا متهمة بجمع الاموال والتجنيد والرصد. واستهدفت العقوبات الاخوين مصطفى فواز وفوزي فواز، بالاضافة الى عبدالله الطحيني. كما فرضت عقوبات على مصالحهم الاقتصادية. وجاء بيان للوزارة ان مصطفى فواز الذي اعتقلته السلطات النيجيرية في 2013 واعترف بانتمائه الى "حزب الله" كان يجمع التبرعات لحساب الحزب، وكان يرصد تحركات الاجانب في نيجيريا. واتهمت الوزارة فوزي فواز "بحيازة اسلحة ثقيلة والضلوع في اعمال ارهابية بصفته عضواً في جهاز العلاقات الخارجية في الحزب، وبأنه أوجد البنية التحتية لأعمال حزب الله الارهابية ولوحداته العملانية في افريقيا والعالم". ووصف بيان الوزارة عبدالله الطحيني بأنه "الممثل الدائم لحزب الله في نيجيريا، وبأنه كان يقوم بجمع الاموال للحزب، اضافة الى جمع المعلومات للحزب عن أهداف غربية في نيجيريا".