خطفت الضربات التي وجهها الجيش اللبناني للمجموعات المسلحة التي حاولت التقدم على جبهة رأس بعلبك أمس، اهتمام الأوساط الرسمية والدبلوماسية وكانت على جدول أعمال اللقاء بين الرئيس تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي في السراي الكبير، إضافة إلى شؤون تهم المؤسسة العسكرية، في ضوء التأكيد الفرنسي لوضع شحنات الأسلحة الفرنسية الممولة بالهبة السعودية للجيش اللبناني بدءاً من نيسان المقبل.
ووصفت مصادر عسكرية المواجهات التي خاضها الجيش عبر العملية العسكرية السريعة في جرود بعلبك بأنها تؤكد الرهان على دور الجيش اللبناني في حماية القرى والبلدات اللبنانية شرق وشمال لبنان في وجه الخطط التي تضعها «التنظيمات الارهابية» للتمدد باتجاه البقاع اللبناني والسيطرة على نقاط استراتيجية في جرود بعلبك وعرسال.
وأضافت المصادر ان تعزيز قدرات الجيش بالاسلحة الفرنسية المنتظرة من شأنه ان يرفع من جهوزية ضباطه وجنوده لمنع المجموعات المسلحة المتربصة بمنطقة البقاع من تحقيق أهدافها.
وكان مصدر عسكري أكّد سيطرة الجيش على مرتفعي صدر الجرش وحرف الجرش في جرود رأس بعلبك، حيث تمكنت وحداته من إلحاق خسائر بالمسلحين الغرباء بين قتلى وجرحى في العملية التي وصفت بانها «معركة استباقية» بهدف تحصين المنطقة وجس نبض المجموعات المسلحة لمعرفة مدى قدرتها على المواجهة.
ووفقا لمصادر أخرى، فإن العملية أدّت إلى إغلاق المنافذ التي يتسلل منها المسلحون إلى الأراضي اللبنانية والحد من تهديداتهم لمراكز الجيش المتقدمة في جرود عرسال.
وعلى الرغم من حدة الاشتباكات التي بدأت مع ساعات الفجر الأولى، واستمرت متقطعة حتى المساء، فإن قيادة الجيش تحدثت عن إصابة خمسة عسكريين بينهم ضابط بجروح وصفت بانها غير خطيرة.
وقال بيان القيادة «انه تمّ ضبط عدد من العبوات الناسفة والأسلحة المتوسطة والذخائر بالإضافة إلى أعتدة عسكرية عائدة للارهابيين».
ومن المتوقع ان تستمر الإجراءات العسكرية في المناطق الحدودية المتقدمة شرقاً مع سوريا، مع حلول الشهر المقبل مع تراجع الأمطار وذوبان الثلوج، في إطار عملية أكبر تهدف لقطع دابر التهديدات المسلحة للمناطق الحدودية.
الآلية
سياسياً، بقيت الآلية في واجهة المتابعة والاتصالات، سواء التي جرت مع الرئيس سلام في السراي الكبير عبر وزير الدفاع سمير مقبل، أو وزير التربية الياس بو صعب، بالإضافة إلى وزير الاتصالات بطرس حرب، أو عبر الاتصالات الهاتفية والمشاورات البعيدة عن الأضواء، لتضييق شقة التباعد في ما خص بآلية تسمح باستئناف جلسات مجلس الوزراء.
وأكّد مصدر حكومي وثيق الصلة بالرئيس سلام لـ«اللواء» ان جلسة لمجلس الوزراء ستعقد في الأسبوع المقبل، من دون ان يتبين ما إذا كانت ستناقش جدول أعمال متراكم أو البحث في الظروف التي أدّت إلى تعليق جلسات الحكومة، أو صيغة المخرج الذي سيتم على أساسه استئناف الجلسات..
واعتبر مصدر وزاري واسع الاطلاع انه وبمعزل عن جداول أعمال مجلس الوزراء الروتينية والعادية، فإن أربعة مواضيع بالغة الحيوية تتطلب انعقاد مجلس الوزراء سريعاً لاتخاذ قرارات بشأنها:
1- مشروع قانون التمديد للقادة الأمنيين ورفع سن التقاعد للضباط، والذي أبلغ الوزير مقبل الرئيس سلام انه تمّ إنجازه باسبابه الموجبة ومواده القانونية.
2- اصدارات «اليوروبوندز» التي تحتاج إلى تشريع والتي اصدرتها وزارة المالية، وانجز مصرف لبنان هذه العملية وادخل مليارين و200 مليون دولار إلى حسابه 3- مراسيم البلوكات النفطية والتنقيب عن الغاز في ضوء المعلومات التي وصلت إلى الحكومة، ولا سيما وزارة الطاقة، من اعتداءات اسرائيلية عليها، ومخاطر من ضياع قسم منها، وهذا الموضوع سبق ووضعت خطوطه العريضة في اللقاءات التي عقدت وساهم فيها كل من وزير المال علي حسن خليل والخارجية جبران باسيل، والتي أدت المماحكات داخل مجلس الوزراء الى عدم إدراجها على جدول الأعمال، خلافاً لما أعلنته الحكومة العام الماضي بأن مراسيم البلوكات ستقرّ في الجلسات الأولى لمجلس الوزراء في العام المقبل (أي الحالي) وقد مضى شهران على عدم إقرارها.
4- وهناك استحقاق رابع لا يقل أهمية عن هذه الاستحقاقات الثلاثة، ويتعلق بلجنة الرقابة على المصارف التي يتعيّن على مجلس الوزراء قبل 11 آذار، إما التمديد للجنة الحالية أو تعيين لجنة رقابة جديدة.
وتخوّف مصدر مصرفي من الوصول إلى أزمة في هذا الملف إذا ما استمرت الأزمة السياسية وانعكست خلافاً مستحكماً على حصة المسيحيين في اللجنة، فضلاً عن عدم انتخاب الرئيس، حيث تؤدي اللجنة المعينة أو الممدد لها أداء القسم أمام رئيس الجمهورية، مع الإشارة إلى أن قانون النقد والتسليف يمنع استمرار اللجنة في تأدية مهماتها بعد انتهاء ولايتها، من أن تستمر في تصريف الأعمال كما يحصل عادة في الإدارات العامة.
وحسب المعلومات، فإن تيار «المستقبل» يقترح تعيين سمير حمود محل أسامة بكداشي وهو الرئيس الحالي للجنة والذي طلب عدم التجديد له، وحسمت حركة «أمل» و«حزب الله» خيارهما بإعادة تعيين العضو الشيعي في اللجنة أحمد صفا، ويتمسك النائب ميشال عون بأحقية مرشحه لملء المركز الماروني، في حين جمعيةالمصارف وعلى لسان رئيسها فرنسوا باسيل ترشح الدكتور أمين عواد للمقعد الماروني.
أما الأعضاء الأرثوذكسي سامي اللعازار والكاثوليكي منير اليان، والدرزي فلا مشكلة لبقائهم أو إعادة تعيينهم.
المشنوق
ومهما كان من أمر، فإن وزير البيئة محمد المشنوق توقّع لـ«اللواء» أن تكون الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء في الأسبوع المقبل، لمناقشة الأمور التي أدت الى التجاذب الحكومي الحاصل بوضوح وشفافية، نافياً أن يكون الرئيس سلام طرح تعديل الآلية المتبعة منذ تأليف الحكومة، موضحاً أنه لا توجد آلية، وإنما هناك تفاهم على التوافق في كل ما يطرح على مجلس الوزراء، باعتبار أننا نعمل في ظل ظروف استثنائية، ويفترض أن تكون العودة إلى انعقاد جلسات مجلس الوزراء ضمن روحية ما تم التوافق عليه واعتماد هذا التوافق من دون أن يكون هناك عذر لأحد بالتعطيل.
وكشف مصدر وزاري لـ«اللواء» أنه كان من المفترض أن يزور الرئيس أمين الجميّل الرئيس سلام قبل أيام لتناول الغداء إلى مائدته، لكن الرئيس الجميّل اضطر إلى ملازمة الفراش للعلاج من «الديسك» الذي ألمّ به، فلم يتم اللقاء، كما كشف أن وزير العمل سجعان قزي زار الوزير المشنوق قبل اجتماع الوزراء السبعة في دارة الرئيس الجميّل والذي حضره النائب سامي الجميّل من دون أن يظهر في الصورة، من أجل توضيح الموقف الذي خرج به الاجتماع، انطلاقاً من أنه ليس المقصود منه توجيه رسالة إلى الرئيس سلام، أو أن يكون تكتلاً ضده، وانه جرت مكاشفة في العمق حول ما وصف بـ «نقزة» الرئيس سلام حياله، وقد سبقت تطمينات حيال هذا الأمر، على اساس ان المجتمعين ليسوا تكتلاً، وانه مجرّد لقاء تشاوري، وهذا الأمر ينظر إليه الرئيس سلام بأنه عمل سياسي مشروع من دون ان يذهب إلى ابعد من ذلك.
الجميّل
ولاحقاً، أكّد الرئيس الجميل لـ «اللواء» انه سيزور الرئيس سلام في الوقت المناسب، قائلاً: «نحن لسنا من يعرقل عمل الحكومة، ولا آلية عمل الحكومة، وأن الكرة ليست عندنا ولا عند رئيس الحكومة، بل هي عند الآخرين، والجميع بات يعرف من يعرقل عمل ومن يضع التعقيدات في وجه عملها»، مشيراً الى أن الذين يعرقلون لا يعدمون وسيلة للعرقلة، ورأينا كيف انهم استخدموا الدستور لعرقلة انتخابات رئيس الجمهورية.
اضاف: «نحن بكل تأكيد لا نضع اللوم على رئيس الحكومة، لأنه يقوم بما يمليه عليه ضميره وواجبه الوطني، وفي الوقت نفسه ما يهمنا هو اجراء انتخابات رئاسة الجمهورية وملء الفراغ في هذا الموقع، ومنع استعمال الدستور للعرقلة، والامثلة على ذلك كثيرة وكذلك استخدام الدستور لهذا الغرض، والمهم الان التوفيق بين مصلحة الناس ومصلحة الوطن، وعدم تسخيف الفراغ الرئاسي الذي هو من صلب وأساس الميثاقية.
وتابع الجميل: «ونحن نسأل هل أصبح تعيين موظف في الدولة أهم من انتخابات رئيس الجمهورية؟ وهل بقاء الوضع على ما هو عليه، أي استغلال الوضع لغايات شخصية، يصب في مفهومنا للميثاق والبعد الميثاقي. فانتخابات رئاسة الجمهورية هي الميزان للحفاظ على الميثاق، لأنه عندما يتعطل الميثاق يتعطل كل شيء».
اضاف: «لماذا نكبر الأمور ونخلق كل هذه العراقيل؟ بالطبع لأنهم لا يحترمون روح الميثاقية وتوازناتها، وما نخشى منه هو أن يستمر هذا الوضع ويتأقلم معه الجميع، وعندها يكون سبق السيف العذل».
التوافق
إلى ذلك، أوضحت مصادر وزارية أن أوّل جلسة حكومية سيدعو إليها الرئيس سلام والمرجحة الخميس المقبل، ستشكل إطلالة له من خلال سلسلة مواقف حول الوضع الحكومي والإرادة الجدية باستمرار عمل الحكومة، علماً انه حدّد بعض السقوف في مواقف أدلى بها لنقابة الصحافة، وفي منتدى جودة الغذاء، أو التي نقلها عنه زواره.
وأكدت هذه المصادر أن الاقتناع الذي وصل إليه معظم الوزراء يعطي انطباعاً بأن الحكومة لا بدّ أن تستمر في إنجاز ما يجب إنجازه لجهة الملفات الحياتية التي تتعلق بالناس، وبالتالي فان الاحتكام إلى التوافق هو ما يجب أن يعمل عليه، على أن أكثر من خيار يتم درسه في ما خص تعذر قيام هذا التوافق من بينها التصويت وفق احكام الدستور، غير ان لا شيء نهائياً بعد.
وخلصت إلى القول بأن الكل مجمع على دور الرئيس سلام ودعمه، ولذلك لا بد أن يتحوّل هذا الامر الى نقطة إيجابية، لا سيما وان العرقلة ليست موجهة ضده، لكنها كشفت بأن المشاورات لم تصل بعد إلى تفاهم حول صيغة محددة لآلية العمل الحكومي بسبب التباين في الملاحظات، الا أن الاتصالات التي جرت في موازاة مشاورات سلام اثمرت عن تهيئة الأجواء لعقد جلسة حكومية في اقرب وقت، وهي ستكون بمثابة اختبار للجلسات الحكومية اللاحقة.