نفّذ الجيش فجر أمس عملية عسكرية في جرود رأس بعلبك ومحيطها بهدف السيطرة على تلال متقدّمة في محيط «تلة الحمرا» التي دارت فيها المعركة الأخيرة، وشنّت وحداته هجوماً برّياً تحت غطاء جوّي وتحليق طائرات إستطلاع وقصف مدفعي عنيف، شملَ جرود المنطقة، وتحديداً «تلة الجرش» و«المخيرمية» ومحيطهما.

وبعد اشباكات مع المسلحين التابعين لتنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة»، تمكّن الجيش من السيطرة التامة على مرتفعَي «صدر الجرش» و«حرف الجرش»، شمال شرق تلة رأس الحمرا في اتجاه الحدود اللبنانية - السورية، وأصِيب في الإشتباكات ثلاثة عسكريين بجروح غير خطرة، فيما سقط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المسلحين، وصادرَ الجيش كمّية من الأسلحة.

وأكّد مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» أنّ «عملية الجيش التي نفّذها فوج التدخل الرابع كانت خاطفة وحصَلت بسرعة واستُعمل فيها سلاح الطيران بنحو حاسم، وتمكّنَ الجيش من السيطرة على التلال»، لافتاً إلى أنّ «المراكز التي سيطر عليها الجيش لها أهمّية إستراتيجية وعسكرية كبيرة، إذ إنّه يستطيع من خلالها مراقبة المنطقة وتدعيم خطوطه الدفاعية، ويصبح في موقع قوّة ومتقدّماً أكثر».

وأكّد المصدر «أنّ هدف العملية هو تأمين المراكز العسكرية المنتشرة وحماية بلدة رأس بعلبك من أي خرق محتمَل، وما ساعد على نجاحها هو عامل السرعة، حيث سيطر الجيش على النقاط وطردَ الإرهابيين، وحصلت الإشتباكات بعدما تمّت السيطرة على التلال».

وشدّدَ المصدر على أنّ «العملية دلّت على سرعة الجيش وجهوزيته لأيّ معركة قد تحصل، خصوصاً أنّ أسلحة متطوّرة استعمِلت فيها، مع وجود خطط تأخذ في الحسبان أيّ تطوّر ممكن أن يحصل». وأوضحّ أنّ السلاح الاميركي لعبَ دوراً فاعلاً في المواجهات، وهذا السلاح سيستمرّ بالتدفّق الى لبنان، أمّا بالنسبة الى الطيران، فقد وُعِد الجيش بخمس طائرات، لكن حتّى الساعة لم يحدّد نوعها وتوقيت تسليمها».

قهوجي عند سلام

في هذا الوقت، زار قائد الجيش العماد جان قهوجي رئيس الحكومة تمام سلام وأطلعَه على التطورات العسكرية الجارية على حدود لبنان الشرقية وما حقّقه الجيش من إنجازات ميدانية هناك، وتطرّقَ البحث الى مجمل الاوضاع الامنية في البلاد.

الآليّة

حكومياً، وفي انتظار تبلوُر الصيغة التوافقية على آلية عمل مجلس الوزراء، كشفَت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» أنّ حركة المشاورات التي يقودها سلام لم تنتهِ بعد وستستمر في الأيام المقبلة ليتبينَ له من خلالها الخيط الأبيض من الأسود، ولتسمح له حصيلة المشاورات المفتوحة بتكوين الصورة النهائية للمخرج المحتمَل والذي يمكن ان يتمّ تطبيقه ويلتزمه الجميع، فالمرحلة لم تعُد تسمح بخطوات ناقصة.

وقالت المصادر إنّ سلام اقترب من الوصول الى خيارات واضحة ستدفعه ربّما مطلعَ الأسبوع المقبل لتوجيه الدعوة الى جلسةٍ لمجلس الوزراء في أيّ وقت، وربّما في اليوم التالي أو خلال ساعات، فالظروف الإدارية لم تعُد تتحكّم بالموعد طالما إنّ الجلسة المقبلة ستكون استكمالاً للجلسة التي رفِعت قبل انتهائها ولم يعُد هناك من مهَل تتحكّم بهذه الدعوة.

الصيغة المضبوطة

وعلى رغم تأكيدات سلام أنّ الصيغة النهاية لم تكتمل بعد، كشفَت مصادر معنية أنّ أساسات هذه الصيغة بدأت تتّضح وهي، بالإضافة للعودة الى الآلية التي حكمَت عمل مجلس الوزراء منذ حصول الشغور الرئاسي، رهنُ التزام الجميع مقتضياتها وهي لم تسمح بممارسة حقّ الفيتو بلا ضوابط أو أصول، فأيّ قرار لا يمكن البناء عليه ما لم يكن ذا أسباب موجبة ووجيهة، فمنطق المؤامرات لن يحكمَ أو يتحكّم بمجلس الوزراء، وأيّ طرف لا يقبَل بهذه التعهّدات المسبقة له الحق بترك الحكومة.

وكان سلام التقى نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل الذي نقلَ اليه الأجواء التي رافقت لقاء «سن الفيل» وما قبله وما بعده وحرص أعضائه من الوزراء على العمل الى جانبه لتفعيل عمل الحكومة وتزخيم إنتاجيتها في افضل الظروف. ولفتَه الى «أنّ هواجس المجتمعين تتمحوَر حول المخاوف من فتح مزيد من الخيارات الصعبة على الحكومة في غياب رئيس الجمهورية».

والتقى سلام ايضاً وزير التربية الياس بوصعب الذي وافقَه على طرحه «لأنّنا ضدّ مبدأ التعطيل»، وقال: «أعتقد أنّه في جو أفكار جديدة للتعاطي داخل الحكومة ومع أيّ جلسة لمجلس الوزراء ُتعقَد مستقبلا، وما يُفكّر به الرئيس سلام هو المناسب، ونحن نؤيّده لأنه من غير الممكن أن تستمرّ الحكومة على النمط الذي كانت عليه سابقاً، فما قبل القطيعة ليس كما بعدها، وبالتالي هو دائماً مع الوفاق وضدّ التعطيل».

من جهته، نقلَ الأمين العام لحزب «الطاشناق» النائب آغوب بقرادونيان عن سلام حرصَه على ضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت والخروج من هذا المأزق، وتأكيده ضرورة التوافق، مشدّداً على أن لا تؤدي ضرورة التوافق الى تعطيل الجلسات الحكومية. ولمس بقرادونيان «أنّ هناك بشائر خير في هذا الإطار مع الحفاظ على اهمّية التوافق في الحكومة».

«حزب الله»

في هذا الوقت، دعا «حزب الله» إلى عدم تعطيل مجلس الوزراء، وإلى تفعيل دور المجلس النيابي، وقال نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم «إنّنا نوافق على معالجة مشكلة آليّة اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء بما يتناسب مع طمأنة الأطراف، ولتكن أزمة الآلية التي نشأت سبباً مباشراً لتحريك إضافيّ وعمليّ جدّي لمصلحة انتخاب رئيس للجمهورية، فهذا أمرٌ إيجابي،

لكن تحت عنوان رئاسة الجمهورية يتمّ تعطيل مجلس الوزراء كما تمّ تعطيل المجلس النيابي وتعطيل البلد، وهذا أمرٌ خاطئ، فالرئاسة شاغرة منذ تسعة أشهر، راجِعوا قبل تسعة أشهر الخيارات المطروحة، ستجدون أنّها نفسها، خيرٌ لكم أن تنجزوا خيار الرئاسة، فإذا خشيتم أن يكون هناك رابحٌ بهذا الخيار فاعلموا أنّه يمكن الاتفاق على خيارات تعيشون معها ربحاً، فيكون الجميع رابحاً في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب وفي رئاسة الجمهورية، وبالتالي الخيار يمكن أن يدفعَ الجميع بدل أن نضيِّع الأوقات من دون الوصول إلى نتيجة».

حرب

في غضون ذلك، زار وزير الاتصالات بطرس حرب رئيس مجلس النواب نبيه بري وسلام، ورأى أنّ «إمكانية التلاقي بين الآراء المتناقضة والمختلفة، كبيرة».

وقال إنّ «مساعِيَ ستبذلها الاطراف الراغبة في أن تستقيم اعمال الدولة وأن لا تتعطّل المصالح العادية واليومية، وفي الوقت ذاته الراغبة في ملء الشغور الرئاسي، وهناك إمكانية انطلاقاً من هذه المبادئ أن نجدَ آليات ونوفّرَ جوّاً لممارسة آليات معيّنة قادرة على إخراجنا من المأزق من دون جعل مجلس الوزراء أسيراً لمحاولة فرض بعض الآراء عليه، إذ لا يجوز ان يبقى مجلس الوزراء أسيراً لنزوات بعض القوى السياسية التي استفادت من التوافق لتحويل مسعاه الى التوافق حقّاً لممارسة الفيتو على كلّ ما لا تريد أن يمّر».

ورأى حرب «أنّ أيّ آليّة يمكن أن تُعتمد لا يمكن أن تشجِّع من يعطّل انتخابات رئاسة الجمهورية على الاستمرار في تعطيلها»، موضحاً أنّه وضعَ برّي في أجواء اللقاء التشاوري الذي عُقد في منزل الرئيس أمين الجميّل و»الذي يصبّ في إطار الحفاظ على الدولة ومؤسساتها بعد إطالة الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، والسعي لإيجاد مناخ ملائم لكي تمارسَ الآلية المتّفق عليها بشكل لا يتعارض مع أحكام الدستور ولا يؤدي الى تعطيل عمل مجلس الوزراء إذا أُسِيء استعمالها».

وأضاف: «عاجلاً أم آجلاً على الوزراء تحمُّل مسؤولياتهم، وعلى مجلس الوزراء أن يجتمع ويُقرّر كيف يمكن ان تسير الأمور، لأنّه اذا كان مجلس الوزراء سيعلن عجزَه فلا أعتقد أنّه يجب ان يستمرّ.

وإذا كنّا سنشهد عملية تجاذب لممارسة السلبيات في إدارة شؤون البلاد ومحاولة فرض آراء البعض على البعض الآخر وممارسة سلطة الوصاية والفيتو ضمن مجلس الوزراء، فلا يجب ان يستمرّ، بل على العكس علينا تحمّل مسؤولياتنا ورعاية شؤون البلد وعدم تعطيل مصالح الناس، وفي الوقت نفسه أن نعمل دائماً بذهنية أنّ رأس كلّ السلطات في لبنان غائب وشاغر وعلينا العمل لملئه».

الحسيني

وفي خضمّ المشهد الرئاسي المأزوم، واستمرار التعطيل الرئاسي، برَز طرحٌ للرئيس حسين الحسيني يتمثل «بانتخاب رئيس موَقّت للجمهورية كمرحلة انتقالية لإجراء انتخابات جدّية بقانون انتخاب جدّي في ظلّ رئيس تنتهي مدّته خلال سنة، وعند ذلك نعود إلى الحالة الطبيعية.

وإذا كان هناك مِن تعَثّر فإنّني أستطيع أن أؤكّد أن لا حلّ لأزمة لبنان إلّا من خلال انتخابات نيابية حقيقية تؤمّن صحّة التمثيل السياسي لشتّى فئات الشعب وأجياله وفعاليّة ذلك التمثيل كما ورد في وثيقة الوفاق الوطني».

وشرحَ الحسيني لـ«الجمهورية» حيثيات اقتراحه، فقال: «لقد وصلنا إلى طريق مسدود، والشغور دخل شهرَه العاشر، فهل يجوز ان نكملَ على هذا المنوال؟ حسناً، الى اين»؟. وأضاف: «علينا ان ندخل في الحلّ من الباب الحقيقي، من دون لفّ ولا دوران.

ومفتاح هذا الحل هو عودة الشرعية الى المؤسسات الدستورية، وهناك مفتاح واحد هو قانون الانتخابات وفقاً للدستور الذي أحالته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الى مجلس النواب بالإجماع. إنّهم يبحثون في كلّ شيء ما عدا هذا القانون. نفهم انّهم لا يستطيعون إنجاز الاستحقاق الرئاسي الآن أقلّه فلينتخبوا رئيس الجمهورية على أساس قانون جديد لمدة سنة وإلّا سنذهب الى الهلاك».

وقيل للحسيني إنّ المشكلة في انتخاب الرئيس تكمن في عدم انسحاب مرشح لمصلحة آخر؟ فأجاب: «إمّا انتخابات نيابية أو انتخاب رئيس جمهورية، لأنّه عنذاك يتبدّل كلّ الخطاب السياسي. هذا هو الطريق الأقصر، فإذا انتخبنا رئيساً الآن نكون مثلما انتخبنا الرئيس ميشال سليمان، أي ننتخب رئيساً مشلولاً سَلفاً ونمدّد بذلك عمر الأزمة ستّ سنوات جديدة».

وهل إنّ هذا الطرح سيبصر النور؟ أجاب الحسيني: «فليجدوا لنا حلّاً بديلاً، أمّا أن يقولوا لنا سنصلب البلد من أجل طموحات شخصية صغيرة، فهذا أمرٌ غير معقول». وأشار الى أنّ طرحه هذا عرضَه على الجميع مؤكّداً أن «لا مخرج للأزمة إلّا باعتماده»، وقال: «عندي أمَل إنّو ما في غيرو».

الرفاعي

وفي المواقف من الإنجاز الأمني للجيش، قال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب كامل الرفاعي لـ«الجمهورية»: «لا شكّ في انّ دحرَ الجيش للقوى المتطرّفة وتحرير التلال الاستراتيجية في منطقة رأس بعلبك يدلّ على انّ لديه القيادة الحكيمة والعناصر، والعتاد الذي يمكّنه من القيام بواجباته في الدفاع عن الوطن. وهنا لا بدّ من ان نسجّل للّبناني التفافَه حول الجيش، ونسجّل للجيش تحقيقه أملَ اللبنانيين في أنه هو الاساس في الدفاع عن لبنان وحماية حدوده».

لكنّ الرفاعي اعتبر أنّه «نظراً الى انعدام التنسيق بين الجيش اللبناني والجيش السوري سيغتنم المسلّحون المرابطون في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية ـ السورية ايّ فرصة للقيام بأيّ خطوة للنَيل، سواءٌ من الجيش أو من اللبنانيين. ولذلك لا بدّ من التنسيق بين الجيشين لكي نستطيع القضاء عليهم في هذه المناطق، فالأمن متقدّم على كلّ شيء، وحماية أرواح اللبنانيين والدفاع عن الحدود متقدّمان على كلّ شيء أيضاً، وحماية المواطن والوطن تستدعي التنسيق في هذه البقعة الجغرافية بالذات».

رحمة

وقال عضو كتلة «لبنان الحر الموَحّد» النائب إميل رحمة لـ«الجمهورية»: «الجيش عادةً كان يقوم بردّة فعل، أمّا اليوم فقام بفعل، ووسّعَ المساحة الحيوية لكلّ المواقع الاساسية لحماية المنطقة، وهذا تدبير ضروري وأُثمِّن هذه الخطوة وأعتبرُها في محلّها، لكن أؤكّد مجدّداً أنّه لاستئصال هذا الخطر من الجرود يجب التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، لذا علينا تجاوُز الانقسام السياسي والاتفاق على التنسيق في هذا الموضوع بالذات، لأنّه خطر داهم على الجميع.

وها هي وزيرة الدفاع الايطالية تقول إنّ «داعش» في ليبيا تقترب من بلادها، فيما هي بالفعل تبعد عن إيطاليا 350 كلم، وتعلن انّها ستتعاون مع الجيش الليبي على رغم الخلافات وعدم وجود تفاهم بين الجيشين الليبي والايطالي.

فالخطر في الجرود اللبنانية ـ السورية المشترَكة هو خطر داهم على السوريين واللبنانيين على حدّ سَواء، ما يحتّم التفاهمَ للإطباق كالكمّاشة عليه. لذلك التنسيق لا يعني انّ الفريق اللبناني المعارض للنظام السوري ومع سقوطه، يؤيّد بقاءَه، بل إنّه بذلك ينقِذ اللبنانيين.

نحن لسنا ضدّ النظام ومطلبُنا ربّما يكون مشوباً بعيب علاقتنا أو تأييدنا له، أمّا مطلبهم فليس مشوباً بأيّ عَيب، بل سيكون مطلباً صافياً، والناس سيقدّرونهم أكثر منّا ألف مرّة، لأنّ فريق 14 آذار لا يقبل التعاطي مع النظام السوري في أيّ موضوع، وهو تنازلَ لمصلحة الوطن. هذا في السياسة، أمّا في الأمن فالخطوة مهمّة للجميع».