أن يردّ «حزب الله» اعتباره في وجه إسرائيل هو أمرٌ مفهوم من منظور حرب العمليات والعمليات المضادة على جبهتي الجولان ومزارع شبعا المحتلتين، لكن أن يبادر الحزب غداة «طمأنته» الإسرائيليين إلى إصابة اللبنانيين بالذعر والهلع تحت وطأة إمطارهم في بيروت والمناطق بوابل من نار «رد الاعتبار»، فهذا ما لا يمكن أن يكون فعلاً مفهوماً وفق أيّ من المفاهيم والمعايير الوطنية.. المقاوِمة. 



بالأمس نجح «حزب الله» في ردّ اعتباره أمام جمهوره وأمام الإسرائيليين، لكنه أخفق في الحفاظ على «ماء وجهه» أمام اللبنانيين الذين عاشوا لحظات رعب عصيبة تحت نيران القذائف والرشاشات الحربية التي استهدفت الأحياء المدنية الآمنة إلا من «ابتهاج» الحزب بإطلالات أمينه العام، ما أسفر عن أضرار محقّقة في ممتلكات المواطنين كادت أن تودي بحياة بعضهم كما جرى مع المواطنة زينا عون التي روت كيف نجت بلطف إلهي من رصاصة قاتلة سقطت بعيداً عن رأسها بنحو 30 سنتم في أحد مقاهي الأشرفية، حينما كان محازبو نصرالله يستهدفون مناطق سكنية معيّنة خارجة عن نطاق نفوذهم الحزبي في بيروت وجوارها بقذائف «آر. بي. جي.» وأعيرة رشاشة ثقيلة، سرعان ما حصدت امتعاضاً شعبياً واسعاً، وتحركاً رسمياً مباشراً من خلال طلب وزير العدل أشرف ريفي من النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود «تحريك النيابات العامة لتكليف الأجهزة الأمنية ملاحقة مطلقي النار في بيروت والمناطق وإنزال أشد العقوبات بهم» لكونهم يستبيحون «هيبة الدولة بعاصمتها ويعرّضون أمن المواطنين وكراماتهم وحياتهم للخطر».

أما في الشق «الناري» من الخطاب، فكما كان متوقعاً توّج السيد حسن نصرالله في إطلالته أمس الحملات الإعلامية المبرمجة «ممانعَتياً» لإعلان «رد الاعتبار» لضحايا غارة القنيطرة السورية، وفي مقدّمهم «كبيرُنا» العميد الإيراني محمد علي الله دادي كما وصفه نصرالله في معرض تقديم ذكره على سائر ضحايا الغارة من الشبان اللبنانيين، تحت أنظار ورعاية «الضيف المضيف» رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية الإيرانية علاء الدين بروجوردي. وبعد استعراضه وقائع غارة القنيطرة باعتبارها تجسّد من خلال «امتزاج الدم الإيراني واللبناني على الأرض السورية، وحدة المصير والمعركة»، سرَدَ نصرالله حيثيات قرار الرد عليها من مزارع شبعا فأكد أنّ القرار اتُّخذ بالتنفيذ حتى ولو أدى ذلك إلى «أسوأ الاحتمالات» وجرى التحضير الاستخباراتي والعملاني والميداني المحترف على أعلى المستويات والجهوزية.. إلى أن حصلت العملية يوم الأربعاء الفائت موقعةً قتيلين في صفوف الجنود الإسرائيليين رداً على اغتيال ضحايا القنيطرة السبعة.

«لا قواعد اشتباك ولا تفكيك ساحات»

وفي خلاصة الرسائل التي وجّهها إلى الإسرائيليين، قال نصرالله: «فليأخذوا علماً نحن لا نخاف الحرب وسنواجهها إذا فُرضت علينا»، غير أنه أردف في السياق عينه مستدركاً: «أنا لا أريد الحرب، لا نريد الذهاب إلى حرب ولكن لا نخشاها ولا نهابها». وختم بتحديد موقف «حزب الله» بعد غارة القنيطرة وعملية مزارع شبعا فشدد على أنّ الحزب لم يعد يعترف «بشيء اسمه قواعد اشتباك ولا بتفكيك الساحات والميادين»، موضحاً أنّه بات يعتبر من حقه «الردّ على أي عدوان أينما كان وكيفما كان وفي أي مكان كان».

جيرو في بيروت الإثنين

على صعيد منفصل، من المتوقع أن تعود الحياة لتنبض مجدداً في المساعي الجارية لإنعاش الملف الرئاسي مع الزيارة المرتقبة مطلع الأسبوع المقبل لمدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو، إذ أكدت مصادر ديبلوماسية لـ«المستقبل» أنّ جيرو سيصل مساء الاثنين إلى بيروت حيث سيعقد جولة محادثات جديدة تستمر حتى الأربعاء وتشمل، إلى المسؤولين الرسميين، مجمل الأفرقاء السياسيين الفاعلين في الموضوع الرئاسي.

وبينما أدرجت الزيارة في إطار استئناف المحاولات الفرنسية لفكفكة العقد المستحكمة بمفاصل الاستحقاق الرئاسي اللبناني لا سيما في ضوء الجولات المكوكية التي قام بها المسؤول الفرنسي إلى كل من الرياض وطهران والفاتيكان، قلّلت المصادر الديبلوماسية في الوقت عينه من أهمية ما يُشاع عن كون جيرو يأتي إلى لبنان خالي الوفاض وسألت في المقابل: «لو أنه لم يرصد نقاطاً إيجابية وإشارات مشجعة يمكن التأسيس عليها، هل كان ليأتي إلى بيروت؟».

ولفتت المصادر إلى أنّ السفير الفرنسي باتريك باولي كان قد أجرى سلسلة مشاورات خلال الأيام الماضية مع عدد من المسؤولين اللبنانيين في إطار التمهيد لزيارة جيرو، مشيرةً في هذا المجال إلى أنّ مساعي باريس الرئاسية إنما «ترتكز على وجوب تحقيق اختراق في جدار الأزمة الرئاسية من منطلق الحاجة المُلحّة إلى عزل الساحة اللبنانية واستحقاقاتها عن الملفات والأوضاع الإقليمية الشائكة في المنطقة».