هو البقاع الشمالي من جديد، حيث حدود لبنان المفتوحة على صراع يومي مع الإرهابيين المنتشرين في جرود القلمون. الجيش أمس استعاد سريعاً زمام المبادرة بعد هجوم شنّه إرهابيو «داعش» على موقعه في تلة الحمرا في جرود راس بعلبك، وسيطروا عليه لبعض الوقت.

لماذا راس بعلبك؟ يتفرّع الجواب ومعه مصلحة الإرهابيين، ميدانياً وسياسياً.

 


اختار الإرهابيون «تلة الحمرا» أو «تلة المرصد»، وهي نقطة مشرفة حوّلها الجيش إلى مرصد متقدّم يؤدي دوراً أساسياً في تعقّب حركة الإرهابيين، لذلك تحوّلت هدفاً بعد مساهمتها في كشف عدد من محاولات التسلّل، كما أن جغرافية جرود راس بعلبك تختلف عن جغرافية جرود القاع ونحلة ويونين، إذ تقع خلف التلال في راس بعلبك منطقة سهلية منبسطة يسميها الأهالي «سهل الوسعات»، تسمح كثافة الضباب فيها للإرهابيين بالتسلل، على عكس أماكن أخرى، حيث يمكن للجيش أن يحصر منافذ التسلل.

 


 

وتملك الأجهزة الأمنية منذ أكثر من شهرين معلومات عن أن راس بعلبك قد تكون الهدف التالي للإرهابيين، لعدّة أسباب، بينها أن «داعش» لا يمانع في أن يعلن عن وضعيته القتالية الجديدة في القلمون من خلال السيطرة على بلدة مسيحية، ما يربك الساحة الداخلية اللبنانية والسياسية، كما أن فتح معركة مع الجيش من جهة عرسال يعني خسارة البلدة على نحو نهائي كخلفية حاضنة، في ظلّ العجزعن إحداث اختراقات في القرى الأخرى مع وجود كثيف لمواقع حزب الله.

تفاصيل الهجوم

 


على مدى الأسبوع الماضي، عمل الجيش على فتح طريق مباشر بين موقع «تلة الحمرا» وموقع إمداد خلفي، يعوّضه عن الطريق الطويل الذي تسلكه آلياته يومياً، مع ما يتخلّله من منعطفات غير مكشوفة على المراصد. وبالتزامن مع عمل الجيش على فتح الطريق، بدأ مسلّحو «داعش» الهجوم على «تلّة الحمرا» فجراً عبر تسلّل مجموعتين قوام كلٍّ منهما نحو ثلاثين مسلّحاً.

 


 

وهوجم مركز الجيش بالأسلحة الصاروخية من نوع «كونكورس»، ودفعت ضراوة الهجوم والعدد الكبير للمسلحين عناصر النقطة إلى التراجع والتخلي عن «المرصد» ليسيطر عليه الإرهابيون، ويستعملوه منصة لاستهداف عناصر الجيش ومركزه الخلفي، حيث فُقد الاتصال بخمسة جنود، قبل أن يُعثر على اثنين منهم في وقت لاحق. وعلى الأثر، تدخّلت قوات من فوج الحدود البرية الثاني والفوج المجوقل واستقدم الجيش تعزيزات كبيرة، وبدأ بالتمهيد بالقصف على «تلة الحمرا» ومحيطها بالمدفعية وراجمات الصواريخ، والإعداد لهجوم مضاد لاستعادة الموقع.

الجيش ينعى
خمسة شهداء وسقوط 22 جريحاً

 

وعند الظهر، أدخل الجيش الطائرات المروحية في المعركة، حيث شوهدت مروحية « غازيل» في سماء راس بعلبك تغير على مواقع الإرهابيين بالصواريخ الموجّهة. واستفاد الإرهابيون من وعورة الأرض في محيط «تلة الحمرا»، حيث تنتشر الصخور والمغاور، إلّا أن الجيش تمكّن مع ساعات ما بعد الظهر، إثر إدخال قوات مشاة، من استعادة السيطرة على الموقع، وسط معلومات مؤكّدة، بحسب مصادر أمنية معنية، عن سقوط العشرات من إرهابيي «داعش» بنيران الجيش. وقالت المصادر لـ «الأخبار» إن «الجيش تمكّن من سحب جثث خمسة إرهابيين، ودمّر إحدى الشاحنات وبداخلها 12 جثة لم يتمكن الإرهابيون من سحبها، وهناك أكثر من ستّ جثث لهم لا تزال على الأرض».

 


 

وبحسب المعلومات، أدت المعارك إلى وقوع خمسة شهداء من الجيش، و22 جريحاً، فضلاً عن وجود ثلاثة لم يعرف مصيرهم.
وليلاً، نعت قيادة الجيش اللبناني كلاً من الملازم أول الشهيد أحمد محمود طبيخ (مواليد 1987، دورس – قضاء بعلبك)، الرقيب الشهيد محمد نيازي ناصر الدين (1983، الكواخ – قضاء الهرمل)، الجندي الشهيد بلال خضر أحمد (1986، شان – قضاء عكار)، المجند الشهيد محمد علي علاء الدين (1995، جديدة مرجعيون)، المجند الشهيد حسن رمضان ديب (1992، تكريت – عكار).
وأشارت قيادة الجيش في بيان لها إلى أنه «على أثر الكمين المتقدّم الذي نفذته وحدة من الجيش ليل الأربعاء الماضي، لعدد من المسلحين المتسللين باتجاه حاجز وادي حميد، وأوقع أربعة قتلى في صفوفهم، وعدد آخر من الإرهابيين في جرود المنطقة، إضافة إلى إحباط الجيش محاولة نقل سيارة مفخخة إلى الداخل اللبناني في 22 الجاري، هاجمت مجموعات من التنظيمات الإرهابية، مركز مراقبة متقدماً جداً للجيش في تلّة الحمرا. وأحكمت قوى الجيش ظهر يوم أمس سيطرتها على التلّة المذكورة».
وليلاً، أشارت مصادر أمنية لـ «الأخبار» الى «تفجير عبوة ناسفة داخل مقرّ المحكمة الشرعية التابعة لداعش في وادي عطا في عرسال». ولمحت الى احتمال ان يكون الانفجار ناجماً عن خطأ أثناء الاستعداد لعمل أمني.