كل شيء يجري ويحصل أمام أعيننا , ونراه جيدا , ونعرف الأسباب والاهداف , وبعبارة أوضح نحن - كل اللبنانيين - نعرف كل شيء ولكننا قد قررنا أن نكون غنما في قطيع يرعاه الذئب , وأكثر من ذلك أننا نعرف الذئب من الغنم , ونميّز تماما بين الجاني وبين المجني عليه , ومع ذلك قد قررنا أن نلوم الغنم ونبرئ الذئب .

نحن أحرارٌ , هكذا علمتنا المذهبية مفهوم الحرية , علمتنا أن نكون مع زعيم الطائفة حتى لو كان لصا مستبدا ظالما , وعلمتنا أيضا أن زعيم الطائفة يكذب عليهم وليس علينا نحن أبناء الطائفة , فلذلك نحبه كثيرا ونقدسه , أنه ذكي جدا و " حربوق " .

علمتنا الطائفية كل أنواع الشرور الممدوحة , وعلمتنا جيدا كيف نعتبر الشر منا خيرا , والخير من غيرنا شرا , هكذا نحن , وبكل بساطة نحن أحرار , الحرية الطائفية هي أن تفعل كل ما يحلو لك وبدون إعتبار مصلحة الآخر , نحن على حق مطلق , وغيرنا على باطل  مطلق حتى لو قال : لا إله إلا الله , ومَنْ خالف السائد المذهبي فهو عدو لله ولرسوله وللمؤمنين , هذا هو مفهوم الحرية بالمنطق المذهبي الضيق , وكل تعريفات الحرية في الفكر المعاصر برأي المذهبية هي تعريفات وهمية ليس لها اي أساس علمي , ولا تستند على أي معيار أخلاقي أو إجتماعي أو سياسي أو إنساني ,  هكذا نحن أحرار , ونشعر بسعادة كلما مارسنا حريتنا بهذا المفهوم .

هكذا رسّخت الطائفية في لبنان مفاهيم مقلوبة , واصبحت هي القانون والمعيار لكل شيء , ونريد أن نبني دولة على أساس هذه المفاهيم  , مفاهيم مناقضة للحقيقة وللواقع وللأخلاق وللدين ولكل شيء إنساني إجتماعي سياسي .

فمن السهل بمكان , أن يكون العدل ظلما , والظلم عدلا , في ظل سيادة ثقافة المفاهيم المقلوبة المزورة المزيفة , كل شيء في غير مكانه , كل شيء ليس في أوانه , نحن أحرار , ونتغنى بحريتنا .

نحن أحرار , ونعطي العالم دروسا في الحرية والديموقراطية , وخلاص العالم لا يكون إلا باتباع منظومتنا الفكرية والثقافية والسياسية , وإلا فالعالم كله إلى الهاوية إذا لم يسلك مسالكنا , هكذا أقنعتنا الطائفية , وأقنعتنا أن العالم كله في قبضة الحقيقة التي نملكها , ومَن ملك الحقيقة فبيديه مفاتيح السعادة .

فركب على صهوة المذهبية والطائفية بعض القُساة المهمشين في بيئاتهم , لأنهم لا يملكون المؤهلات الذاتية العلمية , فاستغلوا المذهبية  لإثبات الأنا والانانية , وبالتالي تحقيق إهدافهم الشخصية , على حساب مصلحة الناس الذين تمّ تخديرهم مذهبيا , وتحويلهم إلى وقود للصراعات والتناحرات الداخلية فيما بينهم , ففرضوا التقسيم الاجتماعي بعد التقسيم السياسي , وخلقوا منظومة مصالح ربطوا الناس بها , لتكريس زعامتهم , ومن الطبيعي أن الناس تبحث عن مصالحها , فلذلك جعلوا المصالح والمنافع تمرّ عبرهم , وليس عبر الدولة ومؤسساتها