تواصل أحد مقدمي البرامج التلفزيونية الشهيرة في لبنان بزميلته الاعلامية، طلب منها الانضمام الى فريق إعداد البرنامج، وافقت،حدد لها موعدا" مع مدير المحطة، ذهبت الى الموعد..

  حتى الآن، لا شيء مهما" في الموضوع..   ولكن...  

 مدير المحطة إستقبل الإعلامية بكل ترحيب وأعرب عن إعجابه بثقافتها وبشهاداتها وبإشادة زميلها المقدم بها ثم ودون أي مقدمات سألها:  

"هل حجابك الذي ترتدينه دائم؟"..   لم تصدق ما سمعته، إنصدمت، صعقت..

  أجابت: طبعا"..  

فلم يتوان المدير عن القول بأنه لا يستطيع أن يضم الى فريق العمل في مؤسسته فتاة محجبة لأن ذلك سيعطي صبغة تطرف وعنصرية هو بغنى عنها..   ناقشته وجادلته وأصمتته وخرجت تجر وراءها أذيال الخيبة..   ليس الخيبة من فرصة عمل خسرتها، بل الخيبة من وجود أمثال هذا الطارئ في الجسم الإعلامي اللبناني..

  أوليس لبنان هو بلد الحضارات والثقافة؟ ومتى كانت الشعائر الدينية تعني تطرفا" أو عنصرية؟ ومتى كان شذوذ مجموعات صغيرة بريئة منها كل الأديان يوجب التعميم بهذا الشكل؟   ليست المشكلة هنا بين مدير(مسيحي) رفض توظيف (مسلمة محجبة)..لأن النزول في الحديث الى هذا المستوى من التفكير يأخذ القضية الى منحى آخر...

  الموضوع هو في سياسة رفض الآخر مهما كان إنتماؤه..الموضوع هو أن أمثال هذا المدير يشكلون خطرا" على السلم الاجتماعي في لبنان والذي يعتبر الإعلام أحد أعمدته..

  وحتى لو كانت القضية معكوسة..لو أن مديرا" مسلما" رفض توظيف مسيحية كان سيكون لنا نفس الموقف..   لبنان، وطن الثقافة والهوية المشرقية الحرة، هو وطن لكل أبنائه مسيحييه ومسلميه..وهم متعايشون معا" متصاهرون يعيشون جيرانا" في مناطق وبلدات لم تفرق بينهم يوما"..وهذه هي السمة التي يجب تعزيزها وتكريسها لأنها من أسس المجتمع اللبناني والتي على الإعلام المحافظة عليها أمام الكاميرا وخلف الكواليس..  

وبعد،   ربما هذا المدير لا يمثل إلا نفسه، ولا يمثل الكثيرمن الوسائل الاعلامية التي تضم بين أفرادها موظفين من كافة الطوائف، ولكن في نفس الوقت لا يجب عدم مساءلته كي لا تتكرس أفكاره الغريبة عن ثقافة تقبل الآخر التي يدين بها المجتمع اللبناني.  

  الإعلامية التي وقعت معها هذه الحادثة ستتوجه الى معالي وزير الاعلام رمزي جريج والى رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ لإطلاعهما على تفاصيل القضية بالأسماء والوقائع ليبنى على الشيء مقتضاه..    

ويبقى الاعلام في لبنان عصيا" أمام الممارسات الموتورة الفردية..لبنان الذي يتميز بأن آذان جوامعه يصدح مع أجراس كنائسه ليشكلا معا" أنشودة تعايش وأيقونة محبة...

 

 

 

(نادين خزعل)