ليس تغيير  الرأي السياسي أو الفكري في مجتمعاتنا الشرقية من الأمور السهلة أبداً ذلك أن مجتمعاتنا    الطائفية غالباً ما تكون مسألة التغيير والتغير في الرأي السياسي أو الفكري بنظرها نوعاً من الذبذبة أو الردة أو    الخيانة للمبادئ وعلى خلاف الثبات والإستقامة ?!   أو تُعْتَبَرُ نوعاً من ردات الفعل الشخصية التي يكمن وراءها الطمع بمال او منصب أو تَنِمُّ عن خفة العقل    وضيق الأفق ومحدودية النظر في الأفق البعيد أو انعدام الحكمة و...و...و... الخ من توصيفات مشابهة ?!   لأن من يفكر في المجتمعات الشرقية خلافاً لتفكير الأغلبية (  داخل طائفته ) هو شاذ عن الجماعة وفق    التوصيف باللغة الدينية وإن الشاذ عن الجماعة مآله للشيطان  كما أن مآل الشاذ من الغنم للذئب أي يصبح    شيطاناً ?!  

علماً أنني أؤمن بهذا الحديث الديني لكن بمعنى ان يشذ عن الجماعة شذوذاً عسكرياً فّيُعَرِّض الجماعة    لمخاطر وخيمة وليس بمعنى أن يشذ عنها برأي فكري او سياسي  .

لأن الجماعة غير ( المعصومة ) إن لم يكن بينها رأي فكري أو سياسي شاذاً  أو مخالفاً ما هي إلا جماعة    تفتح الطريق واسعاً لسرطان الإستبداد والقمع بنية حسنة تارة وبنية غير حسنة تارة أخرى وبمعادلات    جاهزة وَمُعَلَّبة .  

ولأنني أؤمن بضرورة التنوع والتعدد في الآراء الفكرية والسياسية ولأنني أؤمن بأن قناعة الفرد سياسيا    وفكريا ولو خالفت قناعة الجماعة ما هي إلا كنز لا يفنى ومن أبرز العلامات الدالة على صدق الإنسان مع    نفسه ومع (  ربه  )  ولأنني أؤمن بأن الإنسان الذي يحمل فكرة مقتنعا بها ولو كانت خاطئة  هو افضل من    الإنسان الذي يحمل فكرة صحيحة ( بالتقليد ) على غير قاعدة القناعة كمن يعبد الله على حرف لذلك    استلذ بوحشة الغربة الفكرية والسياسية في مجتمعي الشرقي الطائفي وأستانس بقسوة وفظاظة هذه    الغربة لأن لذة القناعة وحلاوتها تُعَوِّضُ عن وحشة الغربة في مجتمعنا الشرقي المتورط بعقلية طائفية    حادة متعصبة مسرفة في عشق الذات وكراهية الآخر

?! مسرفة بتقديس الذات وتنجيس الآخر ?!   

جاء في الحديث عن الإمام علي عليه السلام {  الجماعة هم أهل الحق وإن قلوا والفرقة هم أهل الباطل    وإن كثروا }    أي عدالة وتتطور وتقدم وتنمية (  وشرعية  )  سيتمتع بها مجتمعنا الشرقي ما دام المرء يعيش فيه تحت    نفوذ الجماعة وسلطتها  خائفا مذعورا صاغراً لأنه يحمل رأياً سياسيا وفكريا مخالفا لرأيها ?!  

عجباً لهذا الشرق الذي ما أُنْزِلَ فيه دين أو دخلت إليه فكرة عظيمة خلاقة إلا وقام أهله بتأويلها تأويلا    بموسوعات هائلة من الإنشائيات اللفظية التي لا تصنع إلا حكاما مجتهدين اجتهادا رهيباً في تبرير كل    قمع  واستبداد وتخلف ويبرعون براعة عظيمة في تحميل الآخرين مسؤولية ذلك وكأننا ملائكة نحن

?!   بقلم الشيخ حسن مشيمش