عاصفة «تسوية السلة المتكاملة» التي هبطت على لبنان لا تزال تخيم على القادة المسيحيين الذين اذهلتهم السرعة والمفاجأة فظهروا وكأنهم أخذوا على حين غرة. في الرابية كلام كبير لكنه مكتوم ينتظر الوقت المناسب لاطلاقه والظرف المناسب «لبق البحصة». وفي معراب حيرة وضياع في كيفية المعالجة للحادث الخطير الذي ارتكبه الحليف الاستراتيجي الذي تركن له القوات اللبنانية ومعه فقط تطمئن. لكن المستقبل الحليف خذلها بطريقة مجافية كليا لمبدأ الصداقة والاحلاف. ومعراب لا تزال تفتش عن الدوافع هل هي إقليمية ام انها ذاتية انطلقت من اجتهاد شخصي حاقد أبطاله بعض المستشارين وعدد من النواب المسيحيين في التيار الأزرق. الأسئلة عديدة والحيرة تعلو الوجوه لدى الأركان في أرجاء معراب تقول مصادر مسيحية، لكن الأكيد الأكيد هو أن الحكيم لن يتورع عن إطلاق يد ملحم رياشي في العمل على استبدال «النوايا «بالتفاهم «مع التيار الوطني خصوصًا أن في جعبتهما - القوات والتيار- الاسلحة المتطورة كي يتجنبا أضرار العاصفة ويحدا من الخسائر.

ففي الرابية ومعراب بدأ البحث والتفتيش في أرشيف «مخايل الضاهر أو الفوضى» حيث جمعتهما المصيبة فكان لتحالفهما النادر أبلغ الأثر في عرقلة انتخابه الذي كان جاهزا ومدعوما دوليا وإقليميا. لكن رغم الأثمان الباهظة التي دفعها عون وجعجع لاحقا فانهما نجحا في منع وصول مرشح واشنطن إلى بعبدا تقول المصادر، واليوم هل تنجح السعودية الداعمة للتسوية من حيث فشلت أميركا في تحقيقه سابقا؟ هذه المحاولة تدرسها معراب جيدا مع الحذر الشديد من تكرار دفع الثمن مجددا خصوصًا أن المحاذير من تغيير الأمم لا تزال درسا في ذهن الحكيم لن ينساه ابدا، من هنا بدأ الرد والهجوم بطريقة «لايت» وبأسلوب ديموقراطي يعتمد على الأسلوب الذي يتيحه ويسمح به القانون. وبالتالي فإن المؤتمر الصحافي الذي عقده جعجع مساء الجمعة بدا ضبابيا وغير واضح. وفي المقابل فإن الارتباك لا يزال يقيد الموقف الصريح والفج الذي تمتاز به الرابية. فالجنرال عون يبدو في هذه المرحلة كـ«بالع الموس». لا يستطيع أن يتراجع ولا يمكنه الهجوم علما ان للصبر حدوداً في طباعه العفوية.

هل تسكت معراب على غدر حلفائها؟وهل ترضى الرابية بأن تضرب من بيت ابيها؟ الجواب يكمن في التحضيرات التي تقوم بها اللجان المشتركة بين العونيين والقوات وان الاتفاق بينهما وصل إلى الموافقة المبدئية على عقد مؤتمر تأسيسي يعيد صياغة العلاقات بين الشركاء في الوطن بحسب المصادر، خصوصًا أن الشريك المسلم باتيسيطر على جميع المراكز الأساسية. فالمركز الماروني الأول بات في عهدة الطوائف الإسلامية الثلاث الممثلين حاليا بالرئيسين بري والحريري إضافة الى النائب وليد جنبلاط. فالثلاثة اجتمعوا وقرروا انتخاب الرئيس الماروني وفق الأجندة الإقليمية فيما تجاهلوا نداءات البطريرك الماروني التي أطلقها منذ عام ونصف لضرورة انتخاب الرئيس ، هذا الواقع سيكون مدار نقاش مكثف خصوصا ان مقولة «وقفنا العد» لم تطبق كما هو مفروض بل استمرت المناصفة عرضة للسطو والاعتداء والدليل ان الرئيس الماروني لن يصل إلى بعبدا إلا ذا توافق المسلمون الشركاء وهؤلاء ليسوا بحاجة إلى شركائهم المسيحيين لتحقيق هذا التوافق.

واشارت المصادر المسيحية الى ان قانون الانتخابات النيابية سيكون إحدى الوسائل التي ستعتمدها الرابية ومعراب في الرد على الاتفاق الرئاسي حيث أن اللجان تدرس جديا إعادة طرح القانون الأرثوذكسي مجددا خصوصا انه القانون الوحيد المطروح على الهيئة العامة لمجلس النواب. كما أن قانون النسبية سيخرج مجددا إلى دائرة الضوء بعد أن التف عليه الأفرقاء وحجبوه في الادراج. فالجميع في معراب وفي الرابية باتوا على قناعة بأن إعادة تكوين السلطة على أسس عادلة سوف تعيد للمسيحيين النصف الحقيقي المشارك وتمنع عمليات الهيمنة كما هو حاصل اليوم. فالقناعة لدى المعنيين في الرابية ومعراب بان القانون النسبي سوف يفوز بالأغلبية داخل مجلس النواب رغم أن الاشتراكي والمستقبل سيحاربان باللحم الحي لمنع إقراره لكن الجهة المقابلة ستصبح عريضة وستؤمن له الأكثرية النيابية المطلوبة فيما القوات ستؤيد من منطلق البادىء أظلم.