لا شك أنّ ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية يطرح إشكالات وتعقيدات عدّة في العلاقة المارونية - المارونية من جهة، وفي العلاقة بين حليفي الطرفين المسيحيين، أي "حزب الله" و "تيار المستقبل".

 

في العلاقة بين "بيك زغرتا" و"جنرال الرابية" لا بدّ من التذكير بالآتي:

سليمان فرنجية هو من مهّد الطريق أمام ميشال عون للعلاقة مع السوريين العام 2005، وعون الآتي حديثاً من المنفى الباريسي لم يكن يعرف المسؤولين السوريين الذين لعبوا الدور الأساسي في نفيه بعد عملية 13 تشرين. وفرنجية هو من هندس الزيارة الرسمية الأولى للجنرال عون إلى سوريا وفرض على الرئيس بشار الأسد وطاقمه السياسي أن يُستقبل عون الزعيم الماروني الذي حارب سوريا استقبال الرؤساء، ففرش الأسد لعون السجاد الأحمر. وفرنجية هو من وضع مداميك ورقة التفاهم مع "حزب الله"، في حين أنّ "الجنرال" لم يكن يعرف الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصر الله. وفرنجية هو كاتم أسرار الحزب ومصدر ثقته وليس الجنرال ميشال عون، الذي لم ينل "البركة الكاملة" من السيّد نصر الله إلّا بعد حرب تموز عام 2006.

وفرنجية الذي يحظى بشعبية واسعة من البترون وصولاً إلى عكار مروراً بجبيل، حظي بتزكية ميشال عون لإسمه كمرشح رابع للرئاسة في نادي الرؤساء الأربعة لدى بكركي. وعون هو من دعمه في الإنتخابات النيابية الأخيرة، وهو من فرضه زعيماً شمالياً أول في وجه سمير جعجع، وهو من وضعه على يمينه كجزء من تكتل "التغيير والإصلاح".

نقاط ضعف فرنجية المرشح الرئاسي تكمن اليوم في وجود تقاطع قواتي - عوني ضدّه، لكنه بحسب العارفين قابل للحلحلة: جعجع الذي قال يوماً في لحظة انفعال بعد تقديم عون لترشحه: أقبل بفرنجية ولا أقبل بعون! يبدو قادراً، بِحَسَب عارفيه، على المضي بفرنجية إن نال وزارات أساسية ليس أقلها وزارة الداخلية، وعون قد يبدأ بالتفكير بإستعادة قيادة الجيش عبر العميد المتقاعد شامل روكز عبر طلبه من الاحتياط، وبحصة أساسية من ملف النفط، وربما بوعد أن يكون وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل هو الرئيس المقبل، بحسب تحليلات بعض مؤيديه، لكنّ "الجنرال" لم يقل كلمته الفصل بعد مؤثراً التريث.

ومثله يفعل سليمان فرنجية الذي لم يقابل عون بعد لقائه الشهير بالحريري في باريس كي لا يشعره بانه يحشره في الزاوية. فالزعيم الزغرتاوي يقارب عرض الحريري بعقل بارد ومن ناحية المصلحة السياسية لفريقه السياسي وحليفه الأساسي وهو "حزب الله"، تاركاً للحزب التحدث إلى عون خوفاً من أن يكون في الطرح الحريري الجنبلاطي "تزحيطة" ما، وهو لا يزال يقول في مجالسه الخاصة بأن عون لا يزال مرشحه حتى يقرر الجنرال العكس.

ما من أمر محسوم سعودياً بشأن فرنجية، لكن لا شك في أنّ الأخبار المتواترة تشير إلى أن ما نقله سعد الحريري الى ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز من اقتراح حول إسم فرنجية للرئاسة الأولى استقبله الملك سلمان بعبارة: "هيدا ابن طوني"، في إشارة الى الوزير الشهيد طوني فرنجية الذي كان صديقاً للملك حين كان اميراً للرياض، وكان رفيقاً له اثناء زيارات الأخير المتكررة الى لبنان. كذلك فإن فرنجية صديق لسفير أميركا السابق في بيروت ديفيد هيل منذ 20 عاماً، وهيل هو من طرح اسم فرنجية على الادارة الأميركية التي لم تُبْد اعتراضاً عليه.

واقع الأمر أنّ طرح اسم فرنجية جدي جداً لكنه غير محسوم، وأمامه عقبات ولعل أولاها حصوله على تأييد غالبية المسيحيين، وهو شرط سعودي أساسي للمضي فيه حتى النهاية.

فرنجية يدرك هذه الحقيقة تماماً، لذلك طلب ترشيحاً سعودياً صريحاً وطلب اجماعاً حوله من قبل فريق14 آذار بمكوناته كلها وليس تيار "المستقبل" فحسب ما يعني أنه وضع مهمة إقناع سمير جعجع على عاتق سعد الحريري شخصيّاً، في حين أنّ إقناع الحليف عون تقع على عاتق "حزب الله".

في غضون الأيّام المقبلة ستظهر إمكانية المضي في هذه "الطبخة" المحلية التي طهاها: الحريري وجنبلاط والرئيس بري من خلف الكواليس، علماً أنّ ثمّة آراء تشير إلى أنّ موضوع الرئاسة اللبنانية لم ينضج بعد ولن يحسم قبل منتصف السنة المقبلة في أقل تقدير.