وجهت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني مزيداً من الضربات الاستباقية للإرهاب شمالا، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها مع القوى الأمنية الأخرى من أجل تفكيك بعض المجموعات العنقودية التي شكلها تنظيم «داعش»، والتي تتمحور مهامها حول تجنيد الشبان وتأمين انتقالهم الى الرقة السورية، والتحريض على المؤسسات العسكرية والأمنية، وتنفيذ العمليات في الداخل اللبناني.

 

وتمكنت مديرية المخابرات، منذ مطلع الأسبوع الحالي، من توقيف أكثر من «رأس مدبر» ينتمي الى «داعش» أو على تواصل مع قياداته، أو لديه أبناء وأقارب ضمنه ويقدم لهم تسهيلات وخدمات لوجستية.


ويبدو من خلال هذه التوقيفات، أن «داعش» بدأ يتغلغل في عمق البيئات الشعبية، مستغلا حالات الفقر والتهميش والبطالة واليأس التي تساهم مجتمعة في وضع عدد لا يستهان به من الشبان أمام خيارين: إما الالتحاق بالمجموعات الإرهابية التي لا تتوقف عن بث سمومها في صفوفهم، أو ركب عباب الموج والهجرة الى بلد أوروبي بحثاً عن فرصة عمل وعن عيش بكرامة، ومن دون وثائق اتصال باتت كالسيف المصلت على رقاب الآلاف من أبناء طرابلس، ما يستدعي تحركاً جدياً من الحكومة لمعالجة هذه القضية، ولوضع طرابلس على خريطة الإنماء، بعد عام ونيف على انطلاق الخطة الأمنية التي كان يجب أن تتزامن بحسب الوعود الحكومية مع خطة تنموية شاملة.


ولعل أبرز الموقوفين هو المدعو مازن ح. (الملقب أبو أحمد ـ وسعيد) وهو خادم أحد المساجد الأثرية في أسواق طرابلس الداخلية، ويمتلك بسطة لبيع الكعك.


وتشير المعلومات الى أن مازن، الذي خاض معركة الأسواق ضد الجيش اللبناني ضمن مجموعة الموقوف محمد الأيوبي في 24 تشرين الأول 2014 وبالتنسيق مع الموقوف أحمد سليم الميقاتي، كان يقول لمن حوله إنه «ولد في طرابلس لأسرة من الطائفة الشيعية، وان الله هداه واعتنق المذهب السني منذ سنوات طويلة»، وكان يستخدم غرفة مجاورة للمسجد لعقد الاجتماعات التي كان يحضرها كل من المطلوبين الفارين شادي المولوي وطارق خياط ونبيل سكاف.. وغيرهم ممن تم توقيفهم مؤخرا.


وتضيف هذه المعلومات انه بعد توقيف المدعو زياد الرفاعي المنتمي الى «داعش» في بلدته ببنين العكارية، شعر مازن بالخوف من افتضاح أمره، خصوصا أن زياد كان أحد رموز مجموعته التي شكلها بعد عملية عاصون في الضنية التي نفذها الجيش وأوقف فيها الميقاتي.


وتيقن مازن أنه لم يعد بإمكانه البقاء في طرابلس، فسافر مع زوجته وابنه عبر المراكب غير الشرعية الى تركيا، بهدف الدخول الى سوريا والانتقال الى مدينة الرقة للالتحاق بقيادة «داعش» هناك، لكنه وقع في قبضة الشرطة التركية التي أوقفته وأعادته الى لبنان حيث أوقفته مديرية المخابرات.
وذكر بيان لمديرية التوجيه في الجيش اللبناني أن مازن بقي بعد تطبيق الخطة الأمنية في طرابلس على تواصل مع قادة المجموعات المسلحة، وشاركهم في اللقاءات التي هدفت إلى تنسيق الجهود لمواجهة الجيش، وشارك في هذه المواجهات بعد توقيف الميقاتي، وأن التحقيقات معه تركز على أنه كان يتلقى أوامره من المطلوب محمد إيعالي الملقب بـ «أبي البراء اللبناني» الذي طلب منه تجنيد شبان جدد، ووعده بأن يؤمن تنظيم «داعش» كل ما يلزم لإنشاء خلايا في طرابلس.


وبحسب بيان الجيش، فإن «أبو البراء اللبناني» طلب من مازن التحضير لاستهداف مراكز الجيش بواسطة انتحاريين، وقد جهز عدداً منهم بانتظار الحصول على المال والسلاح، وقد اشترط «داعش» عليه إثبات جدية عمل الخلايا التي أنشأها من خلال تنفيذ ضربات ضد الجيش كمقدمة لدعمه لوجستياً وعسكرياً، وعندما أحكم الجيش الطوق على مجموعته، وأوقف زياد الرفاعي، قرر مازن السفر إلى الرقة حتى تم توقيفه ورحّل إلى لبنان.
وبنتيجة الرصد والمتابعة من مخابرات الجيش وتحليل «داتا» الاتصالات التي كان يجريها المطلوبون، تمكنت مخابرات الجيش من توقيف ع. إيعالي وهو كان قد أوقف لمدة خمس سنوات في سجن رومية بتهمة مشاركته في أحداث الضنية مطلع العام 2000، وخرج بواسطة قانون العفو الذي منح للموقوفين آنذاك بالتزامن مع العفو على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لكنه ما لبث أن عاد للمشاركة مع المجموعات المسلحة، وأرسل ولديه للالتحاق بتنظيم «داعش» في الرقة، أحدهما «أبو البراء اللبناني» الذي يشغل منصب القاضي الشرعي، والثاني بلال. كما أوقفت المخابرات سمير أ. بتهمة التواصل مع مجموعات إرهابية، ولديه ولدان قتلا في سوريا: الأول كان ضمن مجموعة تلكلخ والثاني قام بتفجير نفسه بأحد الحواجز الجيش السوري، كما أفضت التحريات الى توقيف المدعو م. ب. وهو شقيق الموقوف إبراهيم ب. (المفتي الشرعي لداعش في الشمال) والذي أوقفه الأمن العام اللبناني قبل أشهر، خلال محاولته الهرب الى تركيا، بواسطة جواز سفر سوري مزور عبر مرفأ طرابلس.


وتقول مصادر أمنية مطلعة لـ «السفير» إن الموقوفين لهم أوزانهم على مستوى تنظيم «داعش» وهم ليسوا مجرد عناصر أو مجندين، بل ربما يكونون من ضمن المجموعات العنقودية التي يحرص «داعش» على تشكيلها ولديهم عناصر تأتمر بأمرهم، أو من الذين يعتمد عليهم التنظيم في التحريض والتجنيد، وتتم مشاورتهم في أمور بعض الشبان الذين يتم تجنيدهم للالتحاق بـ «داعش».


وتؤكد هذه المصادر أن التحقيقات التي بدأت مع هؤلاء الموقوفين من شأنها أن تفتح أبواباً كثيرة على خلايا إرهابية نائمة، فضلا عن ربط الخيوط بعضها مع بعض بما يمكن من الوصول الى بعض الرؤوس الكبيرة التي ما تزال تتوارى عن الأنظار ضمن طرابلس والشمال، والتي ترى هذه المصادر أن الخناق بدأ يشتد عليها يوماً بعد يوم.