يشرح السيد الأمين بداية، حول وجوب اللجوء الى فقهاء مختصين في العلوم الدينية التي تفرّعت واتسعت إلى الدرجة التي لم يعد بالإمكان الإلمام بها إلماماً واسعاً إلاّ من خلال الاختصاص بهذه العلوم، وهذا شأنه شأن جميع ألوان المعرفة البشرية، أي كما العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية، وبالتالي يمكن تسمية العالم الديني بالفقيه، أو بالعالم، وليس بتسمية رجل الدين”.

ويتابع:”قلنا أن العلوم الإسلامية اتسعت لدرجة أنه لم يعد لكل فرد من أفراد المجتمع أن يستوعبها بصورتها الواسعة، وما يجب استيعابه منها على الفرد منها، هو الواجبات والمحرمات، وما عدا ذلك فإنه بحاجة إلى علماء اختصاصيين لاستنباط الأحكام الفقهية، ولذلك اقتضى الأمر أن ينشأ مفهوم سمّي “بالتقليد”، وهو مصداق لقوله تعالى: “واسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون”.

ويشير السيد الأمين الى السبب الرئيسي الذي يدعو الى التجديد في القراءات الدينية قائلا: “بما أن قراءة النص الديني كتاباً وسنّة هي قراءة بشرية، فلا بد أن يقع كثير من الاختلاف في هذه القراءات وفي استنتاج الأحكام الشرعيّة منها، لذلك كان لا بدّ من تجديد هذه القراءة، ولاستمرار في ذلك  وعدم التوقف عند زمن معيّن، فالشيعية من بين المذاهب الإسلامية التي لم توقف هذا الاجتهاد، استناداً إلى أن ما استنبطه السابقون كي لا يلزم المعاصرين ممن أتى قبلهم، فلا بدّ من مجتهدين في الأطوار الزمنية المختلفة، وتكون الإجابة عن الأسئلة الدينية المطروحة وفق هذا الاجتهاد. وأنا لا أقول أن السنة ليس لديهم اجتهاد، وأن الاجتهاد توقف كلياً عند المذاهب الأربعة المعروفة، ولكن أقول أن الاجتهاد عند السنة في أغلبه هو في فهمهم وتفسيرهم لآراء أصحاب هذه المذاهب، وبالتالي فإنهم لا يجتهدون بما يخالف رأي المذهب الذين ينتمون إليه”.

ويستدرك السيد الامين ويقول” أنّ علماء السنة قد يقولون بالنسبة للشيعة أنهم لا يجتهدون مقابل أقوال الأئمة”، وهذا صحيح، ولكن سبب ذلك هو أن الشيعة يعتقدون بعصمة هؤلاء الأئمة وأن أقوالهم الفقهية هي بمثابة نصوص، كالنص النبوي، وحيث أن الأمر كذلك، فليس هناك اجتهاد ومقابل النص، وهنا تقرب المسافة بين الشيعة والسنة في موضوع الاجتهاد، لجهة أن السنة يرون في آراء أصحاب المذاهب، أنها بمثابة النص أيضاً، ولذلك فإذا وجد نص في مسألة من قبل أتباع مذهب من هذه المذاهب السنيّة، فإنهم يأخذون به دون نقاش، وعندما لا يوجد نص في مسألة ما من المسائل المحدثة، فإنهم يعملون على الاجتهاد، ولكن غالباً وفق القياس والقواعد التي ينتمي إليها أصحاب المذاهب، وبذلك يتم الاستنتاج من وجهة نظرنا إنه لا توجد فروق بين السنة والشيعة بالنسبة لمفهوم التقليد وإن اختلفت المصادر، أو بعض المصادر التي يعود إليها كل طرف من هذين الطرفين.

وعن تجاوز الفتاوى الفقهية وتعدّي التقليد إلى الأمور السياسية العامة يرى السيد الأمين أن “الأمر ينطوي على مسألة وهي هل ان المكلف مطالب ان يرجع في شؤونه الدنيوية والسياسية وبما لا يتصل بالأحكام الشرعية الى مرجعه الديني؟ أو ما كان من الموضوعات وليس من الأحكام، هل يجب على المكلّف اتباع المرجع ايضا في ذلك”؟

الجواب “كلاّ”، يجيب السيد الأمين، “فالمرجعية مختصة بالأحكام وليس في الموضوعات. ونأتي هنا بمثال بسيط لإيضاح الفكرة، “كأن يقول المرجع أن في هذه الكأس خمر ويحرم الشراب منه، بينما أنا أعلم علم اليقين، أن في هذه الكأس هو عصير فاكهة وليس خمراً”، فإن قول المرجع هنا لا يلزمني بعدم شربه، بل أستطيع شربه لعلمي اليقيني أنه ليس خمراً.وكذلك في شؤون القضايا والمصالح اليومية، وما لا يتعلّق بالشريعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومنها الموقف السياسي، فإن التقليد هنا غير وارد، وعلى المكلّف أن يعمل بموجب العقل والمنطق والعلم، ولو خالف بذلك رؤية سياسية لهذا المرجع أو ذاك”.

وحول الأزمة الحالية الدائرة في المنطقة العربية والصراع فيها الذي يتمظهر طائفيا ومذهبيا بامتياز، يخالف السيّد الأمين هذا الطرح السطحي في التحليل والاستنتاج فيقول:” في الواقع أن الصراع بين المذاهب عندما يتجاوز الاختلاف في الآراء الفقهية، فإن مضمونه يصبح مستنكرا وغير مباح، لأن الاختلاف في الآراء والاجتهادات هو حق مقدس للجميع، ومنع هذا الاختلاف أن يتحوّل إلى صراع أو نفي ونفي متبادل وتكفير وتكفير متبادل، هو مسؤولية إسلامية عامة، وقد تكون مسؤولية الفقهاء عن ذلك هي أولوية مطلقة، حيث من المفترض أن تتفهم العامة من المنتمين لهذه المذاهب هذا الحق في الاختلاف، لكي تبتعد عن التعصب والمغالاة اللذين يسببان الابتعاد عن جوهر الإسلام الذي يتيح مثل هذا الاختلاف، فإذا تساءلنا لماذا إذاً شهد التاريخ الإسلامي ويشهد في هذه الأيام أشكالاً منفّرة من هذا الصراع، وخصوصا بين السنّة والشيعة، إن كل ذلك هو في نظرنا صراع سياسات وليس صراع عقائد، ولكن ما يعزّز هذا الصراع هو تراجع العقيدة الاسلامية وضعفها أمام عوامل الاختلاف السياسي، مما اسفر عن سيادة العنف اثر محاولات غرائزية متبادلة في تحكيم عنصر القهر والغلبة، وهذا يعني أن مظهر الصراع القائم يحمل دلالة مؤسفة، هي دلالة غياب الوعي الديني الإسلامي الأصيل، ويتحمّل مسؤوليته كل من يحرّض من الفقهاء ويمتنع عن مواجهة الجّهل والتعصّب بين جماعته عن طريق بث الوعي الديني السليم”.