تصعيد الشارع يكشف استبداد السلطة وأحزابها , ويعرّي الاقنعة عن وجوه الكثيرين من الادعياء

 

السفير :

 

قبيل ساعات قليلة من انتهاء مهلة الـ72 ساعة التي منحها الحراك المدني للحكومة من أجل تنفيذ مطالبه، من دون ظهور أي مؤشر الى إمكانية الاستجابة لها.. باغت هذا الحراك وزير البيئة محمد المشنوق، ومعه كل السلطة، باقتحام مقرّ الوزارة في وسط بيروت، حيث نفّذ عدد من شبان وشابات حملة «طلعت ريحتكم» اعتصاماً للمطالبة باستقالة المشنوق، فضّته القوى الأمنية بعنف ما أدى الى إصابة بعض المعتصمين.
وإذا كانت خطوة المعتصمين بالدخول الى قلب وزارة البيئة قد شكّلت موضع نقاش لامس حدود التباين بين بعض مكونات الحراك التي لم تكن جميعها في جو قرار «طلعت ريحتكم» باقتحام الوزارة، إلا أن الأكيد هو أن الطريقة التي تعاملت بها القوى الأمنية مع اعتصام بدا سلمياً وحضارياً، لا تتناسب مع الفعل الشبابي، وإن يكن يُصنّف في اللغة القانونية الجامدة احتلالا لمقر رسمي.
وأبعد من النقاش حول صوابية مبدأ الاعتصام في داخل وزارة البيئة او عدمها، فإن أهم ما كشف عنه تحرك الأمس هو ان انتفاضة 22 و29آب، ليست مجرد زوبعة في فنجان، أو»هواية ثورية» يمارسها المتحمسون في نهاية الاسبوع، بل هي تعبير عن مسار مستمر ومتجدد، لن تنفع محاولات احتوائه او تشويهه، من دون أن ينفي ذلك ان هناك ملاحظات مشروعة على بعض آليات الحراك، يُفترض بالقيمين عليه ان يأخذوا بها، حرصاً عليه ومنعاً لحرْفه عن وجهته الأصلية.
ربما، كان قرار الدخول الى وزارة البيئة متهوّراً حسبما يرى اهل السلطة، وربما كان يحتاج الى تدقيق أكبر كما يعتقد بعض المتحفظين من أهل الحراك، وربما كان ضروريا كما يجزم صقور «طلعت ريحتكم»، لكن في كل الحالات، لا يجوز الاستغراق كثيرا في الحدث بحد ذاته على حساب مقدماته المتراكمة.
ما جرى أمس في وزارة البيئة ابعد من مسؤولية الوزير محمد المشنوق او قيادة الحراك المدني. انه نتاج طبيعي لـ «الفساد المستدام» في الدولة، وللإمعان في تعطيل المؤسسات الدستورية، ولتجويف الدستور والقانون من أي محتوى، ولإجهاض الانتخابات النيابية، ولضرب فرص التغيير بالوسائل الديموقراطية.
امام هذا الاختناق، كان لا بد من ان ينفجر الاحتقان في مكان ما، فكانت البداية في ساحة رياض الصلح، ثم الرسالة في ساحة الشهداء، ثم المفاجأة في مقر وزارة البيئة، وصولا الى التظاهرة الكبرى التي دعت اليها «لجنة المتابعة لتحرك 29 آب» في 9 أيلول، بالترافق مع انعقاد طاولة الحوار.
ليس مستبعداً ان تكون قوى خارجية وداخلية قد دخلت على خط الحراك لخطفه او لاستثماره في اتجاه يتضارب مع النيات السليمة التي تحرك غالبية المنتفضين في الشارع، لكن هذا «التسلل» المريب عبر «أحصنة طروادة»، لا يجب ان يدفع الى إدانة الانتفاضة المدنية برمتها، بل ينبغي ان يكون حافزا لحمايتها وتحصينها، عبر رفدها بأوسع مشاركة ممكنة من الشرائح الشعبية «النظيفة»، في حين ان الانكفاء يفسح المجال امام تمدد مساحة الانتهازيين والمشبوهين.
ولعل نجاح حملات الحراك في التوافق على تشكيل «لجنة متابعة» مشتركة، سيساهم في رفع منسوب التنظيم وتحسين شروط القيادة، بحيث تتحول هذه اللجنة الى الناطق الرسمي باسم الحراك، والاطار الجامع لكل روافده، بدل «اللامركزية» في اتخاذ القرار، والتي تركت سلبيات على بعض جوانب إدارة المواجهة مع السلطة، كما حصل بالأمس، حين فوجئت حملات مشاركة في الحراك المدني بقرار اقتحام وزارة البيئة، ولكنها تجنبت تظهير أي اعتراض علني عليه، بل دعمته في العلن، حرصا على وحدة جسم الحراك.
وكانت «لجنة المتابعة لتحرك 29 آب» قد دعت «المواطنات والمواطنين في جميع المحافظات والأقضية الى المشاركة في الحراك العام، والنزول الى الساحات العامة للضغط على السلطات المركزية والمحلية، كجزء من الحراك العام».
وأوضحت أنه سيصار الى توسيع تحركات المناطق من خلال اعتصامات في الشمال (طرابلس وعكار) الخميس المقبل، وفي الجنوب (صور، عدلون، ابل السقي) وفي النبطية الجمعة المقبل.
ودعت اللجنة الى اعتصام حاشد في بيروت يوم 9 أيلول، على ان تُعلن عن مكانه وزمانه لاحقا، «احتجاجا على انعقاد طاولة الحوار، حوار المحاصصة والفساد والتسويف والمماطلة».
وأكدت «ان هدفنا يبقى بناء دولة مدنية وديموقراطية، قائمة على المساواة والعدالة الاجتماعية، وتبقى من أولوياتنا ضمان الكهرباء في جميع المناطق 24/24 ساعة، بتّ ملفات الرواتب والأجور بطريقة تضمن حياة كريمة للمواطنين، ضمان استقلال القضاء والحريّات العامة وعلى رأسها حرية التظاهر والتغطية الصحيّة الشاملة وإنصاف جميع الفئات الإجتماعية المغبونة».

النهار :

كرة ثلج الحراك الشعبي بدأت تكبر لتتخذ منحى تصعيدياً ينذر بخطر يؤثر على الاستقرار العام في البلاد، مع اقتحام متظاهرين وزارة البيئة في مبنى اللعازرية في وسط بيروت، وبلوغهم مكتب الوزير محمد المشنوق الذي حوصر ساعات قبل ان تتدخل القوى الامنية فتخرج المعتصمين بالقوة. ولم ينته الاعتصام، كسوابقه، إلا بالمواجهة مع القوى الامنية ورشق عناصرها بالحجارة وعبوات المياه وبعض المفرقعات. وزارة الداخلية تدرجت بخطواتها من التفاوض الى استقدام قوة من مكافحة الشغب الى قطع البث التلفزيوني قبل اخراج معتصمين من الوزارة بأقل قدر ممكن من العنف.
واذا كان جزء كبير من الرأي العام اللبناني في ضفتي 8 و14 اذار يؤيد تحرك حملة "طلعت ريحتكم"، فإن اخباراً وتعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تربطه تارة بأجندات وطوراً بسفارات أو دول كما صرح وزير الداخلية نهاد المشنوق، بدأت ترسم صورة ضبابية وتسبب تشكيكاً لدى البعض في مسار التحرك واهدافه أو تحوله عن الموضوعات التي كانت في أساس انطلاق الحملة، اضافة الى تهويل الطبقة السياسية على المواطنين بـ "الفوضى" التي بدأ يسببها الحراك خوفاً من انفلات الامور من السيطرة في ظل اتفاق داخلي ورعاية خارجية للاستقرار اللبناني والمحافظة عليه.
ورأى رئيس مجلس النواب نبيه بري ان " دخول الشبان الى وزارة البيئة هفوة. وأدت الى تقليل نبض تحركهم واهدافهم"، فيما قال رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط لـ "النهار" إنه "تماشياً مع الحراك السلمي والمطالب التي رفعها المتظاهرون الاحد الفائت، فإن المنطق يقول بأن تكون المعالجة بالهدوء والحوار وبعيداً من التحريض الاعلامي". وأضاف: "يجب البدء بالتعاون بين الحراك الشبابي والدولة لايجاد المطامر البديلة من مطمر الناعمة". واعتبر ان استقالة الوزير محمد المشنوق "لا تنفع". اما كتلة "المستقبل" فاعتبرت ان دخول وزارة البيئة يخدم من يتوسل الفوضى "ونرفض الضغط لإقالة أي وزير". ورأى رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون "أن المطالب المطروحة في التظاهرات سبق للتيار ان ناضل من أجلها لسنوات عديدة"، لكنه حذر "من الفوضى الخلاقة التي تظهّرت صورها البشعة في كل الدول التي مرت عليها". وشدد على "أن الحل ليس بالفوضى".
وشكل موقف هيئة التنسيق النقابية مفاجأة اذ نددت بالاعتصام واعتبرته قراراً منفرداً يسيء الى الحراك الشعبي السلمي والحضاري وصنفت الاقتحام بما يشبه الاحتلال.
وعلمت "النهار" من أوساط وزارية أن الرئيس تمّام سلام أبلغ المتصلين به أنه لن يقبل تحت أي ظرف من الظروف باستقالة وزير البيئة ، وانه طالب البعثات الديبلوماسية في لبنان بـ"عدم صبّ الزيت على النار". وإذ توقعت هذه الاوساط استمرار الحركة الاحتجاجية وربما تصاعدها، لمحت الى أن موضوع إعلان حال الطوارئ مطروح للبحث. وأشارت الى أن الامر مرهون بالتطورات والمشاورات بين أعضاء الحكومة.

مجلس الامن
والحراك المحلي وجد اهتماماً دولياً انتقل الى مكاتب الامم المتحدة. وعلمت "النهار" من مصدرين ديبلوماسيين في نيويورك أن مجلس الأمن قرر عقد جلسة طارئة اليوم في شأن لبنان. وأفاد أحدهما أن "هذه الجلسة من خارج جدول أعمال المجلس لشهر أيلول الجاري وهدفها الإستماع الى إحاطة من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ عن التطورات الأخيرة التي تشهدها البلاد، وخصوصاً لجهة الاحتجاجات الشعبية على فساد الطبقة السياسية".
وستقدم كاغ هذه الإحاطة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من بيروت. ولم يتقرر على الفور ما إذا كان مجلس الأمن سيصدر أي بيان أو موقف من هذه التطورات. وأكد ديبلوماسي آخر أن الدائرة السياسية لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، والتي يرأسها جيفري فيلتمان، كانت هي الداعية الى هذه الجلسة "لمعرفة أبعاد التحركات الجارية تحت عنوان: طلعت ريحتكم".
الى ذلك، صرّح الناطق بإسم الأمم المتحدة فرحان حق لـ"النهار" بأن "الفراغ مضر بلبنان. هذا هو موقف الأمين العام بان كي - مون. الأولوية لا تزال للمحافظة على الاستقرار ولانتخاب رئيس جديد للجمهورية". وأضاف أن "موقف المجتمع الدولي داعم الطابع السلمي للإحتجاجات، مع حماية الجو الديموقراطي وحرية التعبير".

 

الحوار
في غضون ذلك، يستعد الرئيس بري لاعادة اطلاق طاولة الحوار الوطني متزامناً مع موعد الجلسة الـ 28 المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية اليوم، في ظل توقع غياب فاضح عن ساحة النجمة تجنباً للصدام مع متظاهرين. وقد حدد التاسع من الجاري موعداً لجلسة الحوار الاولى. ووجه رئيس المجلس امس عبر اعضاء في كتلة " التنمية والتحرير" الدعوات الى الشخصيات التي ستشارك وهي 17 شخصية اضافة الى رئيس الوزراء تمّام سلام، وكل نائبين وما فوق تمثلهما شخصية، واستثنى الوزير ميشال فرعون لضرورات كاثوليكية. وسيشارك ايضا نائب رئيس المجلس فريد

 

المستقبل :

 

بمعزل عن المد والجزر الذي طغى على الضفتين السياسية والشعبية حول تداعيات دخول ناشطي حملة «طلعت ريحتكم» أمس إلى مبنى وزارة البيئة والاعتصام في أروقتها للمطالبة باستقالة الوزير محمد المشنوق، وبغض النظر عما أثير من تساؤلات حول مدى تأثير هذه الاستقالة على حل أزمة النفايات، لا بد من الإقرار بكون هذه الحملة استطاعت بخطوتها التصعيدية هذه أن تثبت قدرتها على اجتراح خطوات سلمية مبتكرة لإيصال صوتها وفرض أجندتها على شريط الأحداث من خلال التكتيك المباغت الذي اعتمدته أمس واحتلت على أثره شاشات التلفزة التي تناوبت على تغطية الخبر مباشرةً عبر الأثير في عرض تشويقي متواصل استمر من منتصف النهار حتى ما قبل انتصاف الليل بقليل. أما في وزارة البيئة التي تربع المعتصمون في أروقتها بينما كان المشنوق يعتصم بحبل الصبر والصمت في مكتبه رافضاً مغادرة الوزارة تحت وطأة الضغط المطلبي، فحافظ الناشطون على سلمية تحركهم وأبقوه تحت سقف الشعارات والهتافات العالية من دون الانزلاق نحو ارتكاب أي أفعال تخريبية. وفي المقابل برز على شريط المواقف السياسية المتصلة بالحدث، رفض رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط «احتلال» مكتب المشنوق باعتباره لا يشكل «الحل لمعالجة قضية النفايات والمطالب الأخرى»، بينما ذهب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون إلى حد التشكيك بـ«براءة» المتظاهرين وطرح «علامات استفهام كبيرة» حول الطرف الذي «يحرّك هذا التحرك» مع التحذير من مغبة دفع لبنان نحو «الفوضى الخلاقة التي تقود إلى الخراب والدمار».
وكان نهار «اللعازارية» الطويل، قد انطلق بخبر عاجل مفاده أنّ مجموعة من «طلعت ريحتكم» دخلت مقر وزارة البيئة وسرعان ما تسارعت التطورات في ضوء المواكبة الإعلامية المباشرة للتحرك من داخل الوزارة وصولاً إلى تصاعد وتيرة الأمور مع انضمام مجموعات أخرى من الناشطين حضروا إلى المكان للمؤازرة فتجمهروا في محيط المبنى بعد أن فرضت القوى الشرعية طوقاً أمنياً حوله منعاً لتفاقم الأحداث وحفاظاً على الاستقرار والممتلكات العامة والخاصة لا سيما في ضوء المخاوف المستمرة من دخول مجموعات من المندسين على الخط لحرف مسار التحركات من مطلبية احتجاجية إلى دموية تخريبية.
وبالفعل نجحت القوى الأمنية في ضبط التحرك والنفس إلى أقصى الحدود والتعامل بروية مع الواقعة، بينما أوفد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق فريقه الأمني وعدداً من الضباط إلى وزارة البيئة للإشراف على إخراج المعتصمين من داخل المبنى بطريقة سلمية. وهكذا كان، رغم تعرّض بعض المعتصمين لحالات إعياء وضيق تنفّس نتيجة الحر والتدافع الذي حصل داخل أروقة المبنى الضيقة، علماً أنّ عناصر قوى الأمن الداخلي واظبوا على تزويد المعتصمين بزجاجات مياه معدنية حفاظاً على سلامتهم الصحية، قبل أن يسعى بعض المتجمهرين إلى التصعيد في مواجهة القوى الأمنية عبر رمي عناصرها بعبوات المياه الفارغة والمفرقعات النارية وقد أوقفت مفرزة استقصاء بيروت شخصين بحوزتهما «مفرقعات من الحجم الكبير» وأحالتهما إلى التحقيق.
وبعد فضّ الاعتصام وإخلاء مبنى وزارة البيئة كلياً من المتظاهرين، أعلن ما يسمى «تحرك 29 آب» بدء مرحلة جديدة من التحركات الميدانية على خلفية انتهاء مهلة الـ72 ساعة المعطاة للحكومة، ودعا في هذا الإطار إلى تظاهرات شعبية مناطقية على مستوى المحافظات والأقضية يومي الخميس والجمعة المقبلين «للضغط على السلطات المركزية والمحلية»، على أن يكون هناك اعتصام مركزي في العاصمة في التاسع من أيلول الجاري من دون الكشف عن مكانه وزمانه «احتجاجاً على انعقاد طاولة الحوار».
الحوار
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد حدد يوم الأربعاء في التاسع من أيلول موعداً للجلسة الأولى للحوار بين مختلف الأطياف السياسية. وبينما أكد عون أمس مشاركة «التيار الوطني الحر» في الحوار، أفادت مصادر نيابية «المستقبل» أنها تترقب تسلّم الدعوات الرسمية اليوم للاطلاع على جدول أعمال الحوار المنصوص عليه في الدعوة، معربة عن أملها في أن تتقدم أولوياته مسألة رئاسة الجمهورية، وأن يساهم بشكل فاعل وسريع في إعادة تفعيل عملي مجلسي النواب والوزراء بغية تمكينهما من التصدي للمشاكل والأزمات الدستورية والمعيشية والاقتصادية والمالية والبيئية والصحية المتفاقمة في البلد.

الديار :

هل كان يجرؤ وزير الداخلية نهاد المشنوق على استخدام القوة ضد تظاهرة لحزب الله رغم أن حزب الله يحترم القوانين ولا يحتل وزارة، لكن السؤال لو كانت التظاهرة لحزب الله حول مبنى وزارة البيئة وفي ساحتها الخارجية هل كان وزير الداخلية يتجرّأ على قمع التظاهرة او التصدّي لأي متظاهر وكان ترك المتظاهرين على هواهم لأن الوزير المشنوق لا يستطيع ان يعارض حزب الله بأي شيء او يتصدّى لأي مظاهرة يقوم بتنظيمها.
الطبقة السياسية اللبنانية لم تتعلم وتتعظ عبر ذراعها التنفيذية الامنية على الارض وتحديدا وزير الداخلية نهاد المشنوق ومن خلفه الرئيس تمام سلام وكل الداعمين لخطواتهم، ان القمع لا ينهي مشكلة، وان انظمة كبيرة وديكتاتوريات عجزت جيوش «جرارة» عن حمايتها عندما تصدت لمطالب الناس بالقمع والامثلة كثيرة، ويبدو ان السلطة لم تتعظ وما زالت تكابر وترفض الانصياع للمطالب الشعبية التي لن تتوقف وربما «تتدحرج» الى ما بعد اسقاط وزير وربما الى المطالبة برحيل كل هذه الحكومة ومحاسبة الطبقة السياسية المفلسة.
الحراك الشعبي، لن يهدأ، وهو يتطور مع كل تحرك شعبي ويتصاعد مع انضمام المزيد من الناس للحراك وتمسك المتظاهرين بمطالبهم، ورغم ذلك فان الحكومة ما زالت تتعامل «بتعال» وبغض نظر، ولامبالاة، وتعتقد ان الامور ستهدأ قريباً بالتزامن مع اطلاق اتهامات عن خلفيات الحراك استدعت وزير الداخلية الى اتهام دولة خليجية صغيرة بالوقوف وراء المتظاهرين ودعمهم ماليا.
ورغم مرور اسابيع على التحركات الشعبية وتصاعدها فان الطبقة السياسية المفلسة غير مستعدة لتلبية اي مطلب من مطالب المعتصمين، لا بل على العكس فان الرئيس تمام سلام اكد ان محمد المشنوق لن يستقيل ولا بحث في مطالب المتظاهرين تحت الضغط، واعطى وزير الداخلية نهاد المشنوق نصف ساعة لشبان الحراك المدني للخروج من وزارة البيئة، بعد ان دخلها المعتصمون ظهر امس وانتشروا في مكاتب الوزارة مطالبين وزير البيئة بالاستقالة حيث كان وزير البيئة محمد المشنوق في مكتبه مؤكداً على تحمّل مسؤولياته، فيما اعتبر وزير الداخلية ان المعتصمين احتلوا مرفقاً عاماً ولا بد من اخراجهم بالقوة، واعطى وزير الداخلية وبدعم من سلام القرار للقوى الامنية بالدخول بالقوة الى وزارة البيئة وبعملية بوليسية مستخدمين «الهراوات» وكل اساليب الضرب ضد المعتصمين واجبروهم على الخروج بالقوة ونقل اكثر من 7 جرحى الى المستشفيات و60 جريحاً عولجوا في مكان الاعتصام فيما أوفد وزير الداخلية فريقه الامني الى مبنى وزارة البيئة للتفاوض مع قادة الحراك المدني وتحديداً مروان معلوف وعماد بزي وطارق الملاح الذين رفضوا الخروج من المبنى مؤكدين على موقفهم باستقالة وزير البيئة، ورفض قادة الحراك المدني مغادرة المبنى وأصروا على البقاء والاعتصام لكن هؤلاء خرجوا عند الساعة التاسعة والنصف ليلا من مبنى وزارة البيئة بعد ان تعرضوا لأبشع انواع القمع والضرب والاصابة الجسدية.
مشهد الاعتداءات الامنية على المتظاهرين «العزل» بالهراوات وبشكل وحشي كان أمس في شوارع بيروت وليس في شارع آخر (...) وامام وسائل الاعلام العالمية التي نقلت صوراً عن الاعتداءات «حركت» العواصم وستجعل «الحراك المدني» يتطور ويكبر «ككرة الثلج» ولن يتوقف الا عند رحيل حكومة تمام سلام.
فما هو «المبرر» الذي سيعطى الى اللبنانيين عن السبب للاستخدام المفرط «للقوة» بحق الشباب والصبايا الذين يطالبون بالدولة المدنية.
للحقيقة فان الرئيس الراحل عمر كرامي وعندما اتهمته السيدة بهية الحريري بالمسؤولية عن دم شقيقها الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري بادر على الفور الى «الاستقالة» دون سؤال أحد، واحدثت استقالته صدمة اقليمية عند حلفائه، لكن الرئيس كرامي شعر بأنه لا يتحمّل مثل هذا الكلام، وانتصر «لضميره» وليس للكرسي.
ما هو المبرر عند وزير الداخلية ورئيس الحكومة بالاصرار على وضع قادة «الحراك المدني» امام معادلة «اما الخروج من المبنى سلمياً او الخروج مكبلين» ورفض قادة الحراك لهذه المعادلة والاصرار على استقالة وزير البيئة فيخرجوا «مكبلين» «مهانين».
ما هو المبرر من قبل القوى الأمنية باقتحام مبنى وزارة البيئة في هذه الطريقة البوليسية واستخدام القمع بوحشية ضدّ الشباب والشابات العزّل وضربهم بالعصي على رؤوسهم، واقتحام الطابق الثامن حيث يتواجد المعتصمون وبالقوة، ووزعت القوى الامنية الشباب الثمانين الى «مجموعات» ونقلوا كل «مجموعة» الى احد الطوابق واجبروهم على مغادرة كل مجموعة على حدة «عجزوا» عن دفع قادة التحرك الى المغادرة بعد ان نقلوهم الى الطابق الرابع عشر، واوفد المشنوق مستشاره الامني العميد منير شعبان للتفاوض مع المعتصمين وابلاغهم امر تنفيذ الشروط او المغادرة «بالقوة».

الجمهورية :

قالت مصادر سياسية متابعة لما يجري على الارض «إنّ فريقي السلطة، 8 و14 آذار في مأزق اليوم بعد إهمال المطالب الشعبية والاجتماعية وتزايُد الفساد، الامر الذي يفيد بعض الاطراف الخارجية من هذه الامور، لتبدأ الإستثمار في الأزمات لخلق فوضى، ومن ثمّ الذهاب الى تفاهمات سياسية بناءً على الواقع الذي تنتِجه الفوضى.
وتحدّثت لجنة المتابعة لـ«تحرّك 29 آب» في بيان حملَ الرقم واحد عن بَدء مرحلة جديدة. واعتبرَت أنّ «نزول عشرات الألوف من المواطنات والمواطنين على تنَوّعهم واختلافاتهم الى الشارع تلبيةً لندائنا المستقل عن قوى السلطة، شكّلَ علامة فارقة في تاريخ لبنان الحديث.
علامة مِن شأنها أن تقلبَ جدول أعمال الخطاب العام في لبنان، فالأولوية لم تعُد للمحاصَصة أو لتقاسمِ السلطة بين أعيانها، بل أصبحت لمطالب المواطنين وفي مقدّمها مسألة النفايات».
ودعا البيان «المواطنات والمواطنين في جميع المحافظات والأقضية» الى «المشاركة في الحراك العام، والنزول الى الساحات العامة للضغط على السلطات المركزية والمحلية، كجزء من الحراك العام، وسيُصار الى توسيع تحرّكات المناطق: إعتصامات الشمال (طرابلس وعكار) يوم الخميس المقبل، وفي الجنوب (صور، عدلون، إبل السقي) وفي النبطية يوم الجمعة المقبل، سيتمّ الإعلام بتواريخها تفصيليا».
كذلك دعا إلى «اعتصام حاشد في بيروت يوم 9 أيلول، سنعلن عن مكانه وزمانه لاحقاً، احتجاجاً على انعقاد طاولة الحوار، حوار المحاصَصة والفساد والتسويف والمماطلة».
صمتٌ في السراي
وخلفَ الصمت الإعلامي الذي ساد أجواء السراي الحكومي، قالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ مكتب رئيس الحكومة تمام سلام تحوّلَ خليّة نحل طوال ساعات ما بعد اقتحام وزارة البيئة بعدما عُدَّت منذ اللحظة الأولى أنّها «عملية احتلال» لمرفق عام، فما الفارق في المنطق الدستوري والقانوني بين اقتحام وزارة البيئة والسراي أو أيّ موقع رسمي آخر»؟
ولفتَت المصادر الى أنّ سلام «تابعَ التطوّرات لحظة بلحظة وتحدّثَ عشرات المرّات إلى وزيري الداخلية والدفاع نهاد المشنوق وسمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، وظلّ على اتصال مع المراجع الأمنية التي تواكب ما يجري، مؤكّداً أهمّية إنهائه بما توافرَ من وسائل بعيداً مِن العنف، وداعياً القوى العسكرية والأمنية الى الصبر الذي يتمتّع هو به ليجري تعميمه على بقيّة مَن يتعاطي بهذه الأزمة التي لم تشهد البلاد مثيلاً لها».
وأوضحت المصادر أنّ سلام أكّد تمسّكه بوزير البيئة ورفضَه طلبَ استقالته، «فهو ليس المسؤول الوحيد عمّا يجري، فأزمة النفايات قديمة العهد، وكان واضحاً أنّها أزمة وطنية كبيرة لا يمكن التعاطي معها بهذه المظاهر التي تستجدي روحَ الشباب واستغلال ما يعانيه، وكان واضحاً أنّ الأزمة ستصِل الى ما وصلنا إليه طالما إنّ الملف بات ورقة سياسية حان وقتُ استخدامها في مرحلةٍ هي الأخطر في المنطقة ولبنان».
وشدّدَ سلام في اتصالاته على أهمّية وعي ما يَجري، والسعي إلى فهمِ المرامي ووضعِ حدّ لهذه الظاهرة التي ينقاد خلفَها بعض اللبنانيين، محَذّراً من خطورة استدراج الحكومة الى مسَلسل التنازلات في حال استقال أيّ مِن الوزراء، وداعياً الجميع إلى وعي هذه الحقائق والتنبُّه إلى ما يمكن ان تقود إليه أيّ خطوة يطالب بها المعتصمون من دون أيّ حسابات حول النتائج المرجوّة منها.
ونقلت مصادر السراي عن سلام أنّه يراهن على نجاح اللجنة التقنية والفنّية التي يَرأسها وزير الزراعة أكرم شهيّب في ضوء سلسلة الملاحظات التي تسَلّمها بغية وضع التقرير المطلوب لمواجهة أزمة النفايات على يد تقنيّين ليصار إلى ترجمتها سياسياً.
ومن بين الحلول المطروحة طلبُ استئناف شركة «سوكلين» عملَها في جمعِ النفايات، على أن تتعهّد اللجنة ومعها الحكومة بتوفير المطمر مِن دون استبعاد إعادة فتح مطمر الناعمة في ظلّ ما يَجري، بمبادرة النائب وليد جنبلاط الذي سيَقود حراكاً شعبياً لدعم «خطة شهيّب» الجاري إعدادُها.
جريج
وفي المواقف قال وزير الاعلام رمزي جريج لـ»الجمهورية»: «إنّ التحرّك الشعبي للمطالبة بحقوق هو حقّ مشروع للمجتمع، والتظاهرات هي تعبير عن غضب وسخطٍ مِن الحالة التي وصَل البلد اليها، ولكنّ التظاهر يجب ان يتمّ تحت سقف القانون ووفقَه، ولا يجوزالتعرّض لمقار الإدارات العامة ولا سيّما منها محيط رئاسة الحكومة أو المجلس النيابي أو أيّ مِن الوزارات، يمكن التظاهر امام هذه المقار لكن لا يجوز اقتحامها».
وأكّد جريج «أنّ استقالة وزير البيئة لا تحلّ المشكلة التي هي نتيجة تراكم، وفي الظروف الحاضرة أيُّ استقالة لأيّ وزير مِن شأنها الإخلال بالتوازن داخلَ الحكومة. فالحكومة لا تستطيع أن تستقيل لا بكاملها، عن طريق استقالة رئيسها، ولا فرديّاً، لأنّها تشَكّل المرجَع الدستوري الأخير».
وأضاف: «لقد شاء الوزير محمد المشنوق من تلقاء نفسِه الانسحاب من اللجنة الوزارية ونُقِلت المسؤولية إلى الوزير أكرم شهيّب الذي يعمل ليل نهار لاقتراح حلول، وعندما تجهز سيدعو الرئيس سلام الى جلسة استثنائية يكون على جدول أعمالها بندٌ وحيد وهو المعالجة الفورية للنفايات وإزالتها من الشوارع في كلّ المناطق».
رزق
وقال المرجع الدستوري إدمون رزق لـ«الجمهورية»: «إنّ الحرّيات العامة والخاصة في حمى القانون، والتعبير السِلمي الحضاري هو المطلوب، والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة يُخرج التعبير من إطاره الحضاري والسِلمي ويَرتدّ على المصلحة العامة، لأنّ المؤسسات والمنشَآت هي بالنتيجة ملكٌ الدولة، وبالتالي ملكُ الشعب، وكلّ تخريب يؤدي الى مزيد من الكوارث.
ووصفَ رزق مطلبَ المتظاهرين باستقالة وزير البيئة بأنّه مطلب تعجيزي بسَبب استحالة إيجاد البديل بغياب رئيس الجمهورية، عِلماً أنّنا في حالة حكم الأمر الواقع، وقد دخلنا في دوّامة انقلابية، والمسألة لم تعُد مسألة أشخاص، وإنّما هي سقوط ذريع للمؤسسات يتجاوز قدرات الاشخاص، خصوصاً الآتين بسبب مواصفاتهم الشخصية، فالحالة تتجاوز قدرات الأشخاص الماثلين في الواجهة وترتدّ على القوى السياسية المترَبّصة والمتسَبّبة.
وأمّا الوكالات في هذه الحالة فهي تنتقص التمثيلَ وتقلّص القدرة على تحَمّل المسؤولية، وتزيد المخاطر بدلاً من تذليل العقبات».
برّي والحوار
تزامُناً مع كلّ ما حصل في وسط بيروت، وجَّه برّي الدعوات إلى قادة الكتل النيابية لاجتماع «هيئة الحوار الوطني» في التاسع من الجاري في مجلس النواب، وذلك عبر نوّاب من كتلته النيابية.
وأكّد برّي أمام زوّاره أمس أنّ طاولة الحوار «ستكون فرصةً أخيرة للَبنَنة الاستحقاقات الداخلية وعلى رأسِها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، محَذّراً مِن إضاعة هذه الفرصة لئلّا يدخلَ لبنان في الفوضى».
وأشار إلى أنّه مهّد لمبادرته باتصالات داخلية وخارجية سبقَت الحراك الشعبي في وسط بيروت بأكثر من عشرة أيام، وكانت حصيلتها ترحيباً بهذه المبادرة وتشجيعاً كبيراً عليها. وقال إنّه اتّصلَ بالرئيس سعد الحريري فأكّد أنّه سيَحرص على الحضور إذا سمحَت له ظروفه.
وأكّد «أنّ الحوار سيكون حصرياً بجدول أعماله، وقد يتحوّل ورشة عملٍ دائمة، بحيث يمكن أن تنعقد جلساته صباحية ومسائية، «لأنّه لا بدّ لنا من الإسراع في مناقشة البنود، خصوصاً أنّ أوضاع البلاد باتت لا تتحمّل أيّ تأخير».
وعن نسبة نجاح الحوار قال برّي: «النسبة هي صفر في المئة أو مئة في المئة». وأكّد «أنّ الأولوية بالبحث يجب ان تكون لموضوع رئاسة الجمهورية»، وقال: «كلّ ما سيتَّفَق عليه في الحوار سينفَّذ بالتأكيد، لأنّ مرجعَه مجلس النواب، فإذا اتّفقنا مثلاً على انتخاب رئيس جمهورية فإنّني سأدعو المجلس الى جلسة لانتخابه خلال 24 ساعة».