بمعزل عن المد والجزر الذي طغى على الضفتين السياسية والشعبية حول تداعيات دخول ناشطي حملة «طلعت ريحتكم» أمس إلى مبنى وزارة البيئة والاعتصام في أروقتها للمطالبة باستقالة الوزير محمد المشنوق، وبغض النظر عما أثير من تساؤلات حول مدى تأثير هذه الاستقالة على حل أزمة النفايات، لا بد من الإقرار بكون هذه الحملة استطاعت بخطوتها التصعيدية هذه أن تثبت قدرتها على اجتراح خطوات سلمية مبتكرة لإيصال صوتها وفرض أجندتها على شريط الأحداث من خلال التكتيك المباغت الذي اعتمدته أمس واحتلت على أثره شاشات التلفزة التي تناوبت على تغطية الخبر مباشرةً عبر الأثير في عرض تشويقي متواصل استمر من منتصف النهار حتى ما قبل انتصاف الليل بقليل. أما في وزارة البيئة التي تربع المعتصمون في أروقتها بينما كان المشنوق يعتصم بحبل الصبر والصمت في مكتبه رافضاً مغادرة الوزارة تحت وطأة الضغط المطلبي، فحافظ الناشطون على سلمية تحركهم وأبقوه تحت سقف الشعارات والهتافات العالية من دون الانزلاق نحو ارتكاب أي أفعال تخريبية. وفي المقابل برز على شريط المواقف السياسية المتصلة بالحدث، رفض رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط «احتلال» مكتب المشنوق باعتباره لا يشكل «الحل لمعالجة قضية النفايات والمطالب الأخرى»، بينما ذهب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون إلى حد التشكيك بـ«براءة» المتظاهرين وطرح «علامات استفهام كبيرة» حول الطرف الذي «يحرّك هذا التحرك» مع التحذير من مغبة دفع لبنان نحو «الفوضى الخلاقة التي تقود إلى الخراب والدمار».

وكان نهار «اللعازارية» الطويل، قد انطلق بخبر عاجل مفاده أنّ مجموعة من «طلعت ريحتكم» دخلت مقر وزارة البيئة وسرعان ما تسارعت التطورات في ضوء المواكبة الإعلامية المباشرة للتحرك من داخل الوزارة وصولاً إلى تصاعد وتيرة الأمور مع انضمام مجموعات أخرى من الناشطين حضروا إلى المكان للمؤازرة فتجمهروا في محيط المبنى بعد أن فرضت القوى الشرعية طوقاً أمنياً حوله منعاً لتفاقم الأحداث وحفاظاً على الاستقرار والممتلكات العامة والخاصة لا سيما في ضوء المخاوف المستمرة من دخول مجموعات من المندسين على الخط لحرف مسار التحركات من مطلبية احتجاجية إلى دموية تخريبية.

وبالفعل نجحت القوى الأمنية في ضبط التحرك والنفس إلى أقصى الحدود والتعامل بروية مع الواقعة، بينما أوفد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق فريقه الأمني وعدداً من الضباط إلى وزارة البيئة للإشراف على إخراج المعتصمين من داخل المبنى بطريقة سلمية. وهكذا كان، رغم تعرّض بعض المعتصمين لحالات إعياء وضيق تنفّس نتيجة الحر والتدافع الذي حصل داخل أروقة المبنى الضيقة، علماً أنّ عناصر قوى الأمن الداخلي واظبوا على تزويد المعتصمين بزجاجات مياه معدنية حفاظاً على سلامتهم الصحية، قبل أن يسعى بعض المتجمهرين إلى التصعيد في مواجهة القوى الأمنية عبر رمي عناصرها بعبوات المياه الفارغة والمفرقعات النارية وقد أوقفت مفرزة استقصاء بيروت شخصين بحوزتهما «مفرقعات من الحجم الكبير» وأحالتهما إلى التحقيق.

وبعد فضّ الاعتصام وإخلاء مبنى وزارة البيئة كلياً من المتظاهرين، أعلن ما يسمى «تحرك 29 آب» بدء مرحلة جديدة من التحركات الميدانية على خلفية انتهاء مهلة الـ72 ساعة المعطاة للحكومة، ودعا في هذا الإطار إلى تظاهرات شعبية مناطقية على مستوى المحافظات والأقضية يومي الخميس والجمعة المقبلين «للضغط على السلطات المركزية والمحلية»، على أن يكون هناك اعتصام مركزي في العاصمة في التاسع من أيلول الجاري من دون الكشف عن مكانه وزمانه «احتجاجاً على انعقاد طاولة الحوار».

الحوار

وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد حدد يوم الأربعاء في التاسع من أيلول موعداً للجلسة الأولى للحوار بين مختلف الأطياف السياسية. وبينما أكد عون أمس مشاركة «التيار الوطني الحر» في الحوار، أفادت مصادر نيابية «المستقبل» أنها تترقب تسلّم الدعوات الرسمية اليوم للاطلاع على جدول أعمال الحوار المنصوص عليه في الدعوة، معربة عن أملها في أن تتقدم أولوياته مسألة رئاسة الجمهورية، وأن يساهم بشكل فاعل وسريع في إعادة تفعيل عملي مجلسي النواب والوزراء بغية تمكينهما من التصدي للمشاكل والأزمات الدستورية والمعيشية والاقتصادية والمالية والبيئية والصحية المتفاقمة في البلد.

النفايات

أما في مستجدات الجهود المبذولة لإيجاد حلول علمية مرحلية لملف أزمة النفايات، فقد أعلن وزير الزراعة أكرم شهيب غداة تكليفه متابعة الملف خلفاً لوزير البيئة المتنحي أنّ «لجنة الخبراء» اجتمعت أمس وبدأت البحث «على قاعدة الوصول إلى إدارة مستدامة لملف النفايات تأخذ في الاعتبار الأبعاد الفنية - العلمية والمؤسسية والمالية ومبادئ الإدارة الأمثل علمياً وبيئياً وصحياً واقتصادياً، بالتزامن مع حل فوري للأزمة القائمة»، داعياً في بيان صادر عن مكتبه هيئات المجتمع المدني والجمعيات البيئية والمؤسسات الأكاديمية وأصحاب الاختصاص والخبرة إلى تزويد اللجنة باقتراحات واضحة تتضمن رؤية الحل على المديين الفوري والطويل الأمد خلال مهلة أقصاها ظهر اليوم.

وأوضحت مصادر اللجنة لـ«المستقبل» أنّ اجتماع الأمس ساهم في وضع «الخطوط العريضة» للمقترحات، على أن تكتمل صورة المعطيات والاقتراحات خلال اجتماع شهيب اليوم مع وفود الجمعيات البيئية وممثلي هيئات المجتمع المدني، كاشفةً في هذا السياق أنّ اللجنة ستنتهي من إعداد تقريرها بعد غد الجمعة على أن يتم رفعه فوراً إلى رئيس الحكومة.