تمنّت حركة أمل أن لا تستفيق من حلم الأمس عندما استعادت في ذكرى مؤسسها ما فقدته من دور وقيادة وتمثيل لطائفة لم تكون قبل حركة المحرومين ذات كيان .

كان الأمس بالنسبة إليها أكثر من حلم لطالما راودها بعد أن أحاطتها كوابيس الحزب من كل اتجاه لذلك حشدت واحتشدت في مدينة النبطية وأعادت قسم الإمام إلى الحياة مجدداً لا لتبتهج بل لتؤكد أنها عرين طائفة لا يحق لأحد مصادرتها منها وإن تاب وأعلن عن خطيئة محاربة الإمام الصدر- كما فعل رواد حزب الدعوة - يوم خرج شاهراً سيف السلام بوجه الشاحذين لسيوف الحروب .

كان الرئيس بري متجاوزاً لحدود النجومية وغير آبه بها بعد أن بلغ من عمر القيادة الحكيمة عتيّاً لم تحركه حناجر الهاتفين بإسمه ولم تهتز فرائصه لصرخات الآلاف من اللبنانيين المؤمنين به زعامة استثنائية لا تتكرر كل قرن من الزمن كما يفعل المتسلقون المبتدئون لسلم الزعامة .

هذا ما يقوله الجنوبيون علاناَ بعد أن ماتت كلماتهم في الهمس وهذا ما دفعهم إلى التعزيز من معنويات كانت مفقودة وأكثر ما أفرحهم ما قصده الرئيس بري في مخاطبة أمين عام حزب الله بإسمه لا بنسبه باعتبار أنّ هذا القصد يعيد السيد إلى مكانته داخل أمل كمجاهد في صفوفها .

تبدوفرحة أمل معكوسة لدى جنوبيين رأوا في الرئيس بري قيادة لم تعد في السنّ المطلوب لقيادة مرحلة من أدق المراحل التي تمرّ بها لا الطائفة الشيعية في لبنان فحسب بل الشيعية السياسية على امتداد العالم الإسلامي وقد ظهرت عليه علامات الخوف والقلق والكبر المجبول بالوهن وكان خروجه السريع من ساحة النبطية من خلال استعجاله في الخطاب مرّده ‘لى ضعف صحي ونفسي إضافة إلى حسابات أخرى جعلت من حضور الرئيس حضوراً محاطاً بإرباكات كثيرة .

ويضيف هؤلاء الجنوبيون بأنّ بري لم يسترد نجوميته الضائعة من السيّد نصرالله لأن الأخير يستند إلى دور غير متوفر للرئيس وإلى امكانيّات غير متاحة للحركة ولظهرانية إيرانية فقدها الرئيس بري بفقده للظهير السوري وبات أسير السياسة الإيرانية التي حاربها بقوّة منذ الثمانينيّات من القرن الماضي .

اذاً نحن أمام محبين وغير كارهين في هذه اللحظة للرئيس بري ورغم تباينهم الطبيعي تبقى حقيقة وجود حركة أمل ليس كمعادل طائفي للحزب فقط بل كجهة وازنة فيها أمراً قائماُ ولا يمكن تجاهله كما أنّ حضور شخص الرئيس بري كقيادة مصرّة على اختزال الدولة لا الطائفة فحسب ثابتاً وطنيّاً لإستحالة أن يرثه أحد من القيادات الشيعية لأنهم يفتقدون لأهلية حامل الأمانة .

لم يقل الرئيس بري جديداً في النبطية فهو كرر بعد أكثر من ثلاثين سنة ما قاله في السنوات الأولى من ذكرى الاختطاف للإمام الصدر..

من مشروع الليطاني الملتبس إلى التعامل السلبي مع ليبيا ، والإيجابي مع سوريا وإيران إلى ما يشبه الكلمات المتقاطعة في شبكة المعلومات عن ماهية الإختطاف ، إلى النشيد الداخلي من الدولة إلى الشراكة الطائفية .

كانت مبادرة الرئيس بري لإحياء طاولة الحوار وحدها المهمة في هذه المرحلة بعد أن وصلت الطبقة السياسية التي يمثلها إلى الحائط المسدود وبات تهديدها المحتمل من قبل موجة شعبية وطنية استثنائية أمراً ممكناً لذا رفع الجميع إصبع المشاركة في حوار بري – بري لوضع حدّ لإنهيار سقف الطبقة السياسية المتصدع من قبل فسادها المسنّ والمزمن .