ليست مشكلة النفايات وحدها هي التي كانت السبب الذي حرّك هذا الحشد الشعبي والذي قُدّر ببضعة عشرات الآلاف للتجمع في ساحة الشهداء وسط العاصمة بيروت والإنطلاق بتظاهرة سلمية ضد السلطة الحاكمة وأدائها الفاسد .

وليس مسلسل الأزمات والمشاكل المتراكمة والمتفاقمة والتي تلامس الحياة اليومية للمواطن ومعيشته فحسب هو الذي حرك مشاعر الناس في كافة المناطق اللبنانية للتجاوب مع الدعوة للتظاهر وتحمّل مشقة الإنتقال إلى ساحة الإعتصام حاملين معهم همومهم وآلامهم للتعبير وبعفوية صادقة عن معاناتهم وعن الجانب المأساوي الذي يلف حياتهم.

فالمسألة ليست / رمانة وإنما قلوب مليانة / ومشكلة النفايات كانت القشة التي قصمت ظهر البعير المحمل بأثقال مفاسد أهل السلطة .

فصحيح أنّ أزمة النفايات كانت المحرك الأساسي للتجمع المدني الشبابي ، إلاّ أنّه ما إن نزل الشباب وبينهم أعداد كبيرة من طلاب المدارس والجامعات إلى ساحة الاحتجاج حتى أطلقوا العنان لأفكارهم الإبداعية وتفتقت قريحتهم عن العبارات التي تدين طبقة سياسية لم تستطع أن تلبي طموحاتهم في أبسط الأمور من تأمين بيئة سليمة إلى تأمين الكهرباء إلى الإتصالات إلى الانترنت السريع وغيرها وجعلت منهم أدوات لمشاريع حزبية أو متسكعين على أبواب السفارات طلباَ للهجرة أو اللجوء إلى أي بلد في الخارج هرباَ من واقع أليم يعيشونه وبحثاَ عن فرصة عمل .

والذين حضروا إلى ساحة الشهداء كانوا خليطاً متنوعاً من جماهير مناهضة أو متمردة على ثنائية 8 و 14 آذار ومن ناس لا تنكر أنّها على تقاطع في بعض القضايا مع هذا الفريق أو ذاك لكنها في موقع إدانة تامة لأداء الافرقاء كافة في الملفات الحياتية اليومية .

فالسبب الحقيقي الذي دفع بالناس للتفاعل مع دعوة الحراك المدني للإعتصام والتظاهر ضد هذه الطبقة الحاكمة الفاسدة والإسراع في تلبية هذه الدعوة والذي دغدغ المشاعر والوجدانيات عندهم لدرجة أنّهم رفعوا سقف المطالب لتصل إلى المطالبة بإسقاط النظام برمته ، هو فقدان الثقة بهذه الطغمة الحاكمة التي أنتجتها الحرب الأهلية فتربعت على عرش السلطة فاستباحت البلاد والعباد وحوّلت الوطن إلى مزارع طائفية ومذهبية وحزبية وحوّلت الشعب إلى قطعان تتحرك بإيماءة من الزعيم وضربت مفهوم الدولة ومعنى المواطنة وأدّى ذلك بالتالي إلى فقدانهم الأمل بحياة حرة وكريمة في وطنهم .

فالذين تظاهروا لم يخرجوا فقط للمطالبة باستعادة حقوقهم المهدورة بل لإستعادة حريتهم المصادرة واستعادة الأمل بالحياة واستعادة الثقة بوطن العيش المشترك واستعادة البلد الذي كاد أن يضيع في لعبة التوازنات الإقليمية والدولية .

فما حصل مساء يوم السبت الماضي في ساحتي الشهداء ورياض الصلح أعاد للشعب اللبناني أملاً كاد أن يفتقده بإمكانية استعادة الحياة السياسية وحرية التعبير عن الرأي والخروج للتظاهر والإعتصام خارج الاصطفافات الطائفية والمذهبية والأطر الحزبية...