في شهر رمضان المبارك عقدت  جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية مؤتمراً اسلامياً هاماً شارك فيه عدد من المفكرين والباحثين والعلماء المسلمين وتمّ الاتفاق في نهايتها على ما سمي " اعلان بيروت للحريات الدينية" وكان من المقرر أن يتم الإعلان عنه في الإفطار المركزي لجمعية المقاصد والذي تمّ برعاية رئيس الحكومة تمام سلام، لكن بعض الإشكالات والنقاشات الحامية خلال المؤتمر دفعت المسؤولين في الجمعية لعدم الإعلان الرسمي عن الميثاق والإعلان والاكتفاء بنشره في مجلة المقاصد ومن ثم ايصاله بشكل خاص لبعض الهيئات الحوارية ومنها لقاء سيدة الجبل الذي رحب باعلان واشاد به وقد عمد أمس رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة لجمع وفد من جمعية المقاصد مع وفد من لقاء سيدة الجبل لبحث مضمون الإعلان وكيفية تفعيله، لكن رغم هذا اللقاء فالملاحظ أن القيمين على الجمعية والجهات الحوارية والدينية في لبنان لم يهتموا كثيرا بهذا الإعلان رغم تضمنه نقاط مهمة في هذه المرحلة الحساسة ومن أهم ما تضمنه الإعلان النقاط التالية : 

          إنّ جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ، التزاماً منها برسالتها التربوية والإسلامية والوطنية في نشر ثقافة الإسلام الوسطي المعتدل والمتنوِّر والمتسامح ؛

وحرصاً منها على الإستمرار في بناء صرح العيش الوطني المشترك الحُرّ والمدني والمتطوِّر؛ ومواجهة الأخطار التي تتهدد الوطنَ والمُواطن والأمة والدينَ والأخلاق؛

وجدت أنه من واجبها ومسؤوليتها الإسلامية والعربية والوطنية التصدّي لظاهرة التطرف والعنف بإصدار "إعلان بيروت للحريات الدينية" تثبيتاً للميراث الذي ائتُمنت عليه وقامت على أساسه ، ورعايةً لعهود بيروت ولبنان الإنسانية المستنيرة، والتزاماً بكرامة المُواطن والإنسان، واستنقاذاً للدين ممن يحاولون اختطافه تحت شعارات مزيفة .

أولاً: حرية العقيدة والعبادة والتعليم ، ان الإيمان الدينيَّ اختيارٌّ حُرٌّ تماماً ، وقرارٌ حُرٌّ للإنسان، وهو بما يترتب عليه من حرياتٍ في العبادة والتعليم والتربية ، حقٌّ من حقوق الإنسان والمواطن، تكفله النصوص القرآنية القطعية الدلالة : { لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي} (سورة البقرة: 256)، و{ فذكِّر إنما أنت مذكِّر. لستَ عليهم بمسيطر}( سورة الغاشية: 22).

وعلى مدى أكثر من ألفٍ وثلاثمائة عام، ظلت ديارنا عامرةً بالمساجد والكنائس والمعابد جنباً إلى جنب، شأن الحياة الاجتماعية الواحدة.

ونريد أن يبقى ميراث الحرية والتضامن والعيش المشترك هذا زاهراً ومزدهراً على أرضنا وفي مدننا وبين شبابنا، كما يقتضيه الدين، وتقتضيه تقاليد الوطن والأمة وحقوق المواطنة ومواثيقها وعهودها.

إن انتهاك حقوق الجماعات المسيحية في ممارسة حرياتها الدينية وفي رعاية كنائسها وأديرتها ومؤسساتها التعليمية والاجتماعية ، هو انتهاك لحقوق الانسان ، وانتهاك لحقوق المواطنة .

وفوق ذلك هو انتهاك لتعاليم الاسلام الذي تُرتكب هذه الانتهاكات باسمه .

 

ثانياً: الحقُّ في الحُرمة والكرامة: وهو حق تُثبتُهُ النصوص الدينيةُ القطعيةُ الدلالة أيضاً: {ولقد كرَّمْنا بني آدمَ وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقْنا تفضيلا}( سورة الإسراء: 70). إنّ الانسان مكرّم لذاته الانسانية . وأساس هذه الكرامة عقلُهُ وحريتُه في اختيار الاعتقاد والرأي والتعبير، ومسؤوليته أمام الله وحده عن هذا الاختيار. وللانسان الحقُّ في صَون هذه الحرية من جانب السلطات، ومن جانب الآخرين. فلا حقَّ لأحدٍ في الحكم على اعتقاد الناس، ولا في الاضطهاد أو التمييزعلى أساسٍ ديني أو إثني، يقول الله تعالى:{ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلامَ لستَ مؤمنا، تبتغون عَرَضَ الحياة الدنيا}( سورة النساء: 94)، فكلكم لآدم، وآدم من تُراب، كما قال رسول الله صلواتُ الله وسلامُهُ عليه في خطبته في حجة الوداع. وقال الناسُ سواسيةٌ كأسنان المِشْط، فلا تفضيل ولا تمييز ولا إرهاقَ ولا إكراه. وقد حدَّد القرآن الكريمُ سببين وحيدين للحرب الدفاعية، وهما: الاضطهادُ في الدين، والإخراجُ من الديار: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم. إنّ الله يحبُّ المقسطين} (سورة الممتحنة: