وإذا كانت الجرائم المتمادية فعلت فعلها في تشويه صورة لبنان، إلّا أنّ روائح الزبالة التي غطّت شوارع بيروت قضت على ما تبقى من هذه الصورة، وشكلت فضيحة ما بعدها فضيحة، الأمر الذي انعكس إحباطاً في الشارع اللبناني من هذا الانحلال الذي وصلت إليه دولتهم في لبنان، هذا الشارع الذي يسأل ببساطة: ألم يكن من الممكن تجنّب هذه الكارثة؟

لماذا لم تستبق الحكومة إقفال مطمر الناعمة باللجوء إلى الخطة التي تنقذ اللبنانيين من التلوث البيئي والتداعيات الصحية؟ من يتحمل هذه المسؤولية التي ولو حصلت في أي دولة في العالم لكانت أسقطت ملوكاً وعروشاً ورؤساء وحكومات؟ وهل هناك من يحاسب في لبنان، أم أن ثمّة من يراهن أو يعمل على فتح أزمة لطَي الأزمة التي سبقتها؟

الآلية تراوح

وفي وقت انتهى اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بحث ملف النفايات التي واصلت اجتماعاتها في السراي الحكومي إلى اتفاق على رفع هذه النفايات، بقيت المشكلة الأساس من دون علاج وهي عدم التمكن من إيجاد المطمر المطلوب، فيما لم يعرف بعد ما سيكون عليه مصير جلسة مجلس الوزراء اليوم والتي في حال انعقادها سيتم رفعها وتأجيلها لمواصلة البحث في الآلية إيّاها بسبب استحالة التوافق عليها في ظل تمسك «التيار الوطني الحر» بالشروط نفسها.

وتذكيراً، فالمشكلة الرئيسية هي الآلية، وأمّا ازمة النفايات فقد طرأت على المشكلة الأساس التي ما زالت تراوح، ولا مؤشرات إلى حلحلة في الأفق، بل كل المعلومات تشير إلى مزيد من الشيء نفسه.

بري: تطييف النفايات

وفي إطار لقاء الأربعاء النيابي نقل النواب عن الرئيس نبيه بري أمس قوله «انّ لبنان والمنطقة بعد الاتفاق النووي الايراني يمرّان بمرحلة انتقالية استثنائية وتاريخية، وانّ المطلوب ان نتعاطى بتبصّر وحكمة لحماية البلد وتقطيع هذه المرحلة».

وتناول الحديث ازمة النفايات، فرأى بري انه كان يمكن ان تعالج المشكلة بحلول ميسّرة وبسيطة منذ البداية، لكن للأسف تفاقمت الامور حول هذه المسألة مثل كل قضية من دون أيّ مبررات.

ونقل النواب عنه ايضاً «انه حتى النفايات جرى تطييفها، وكان يجب معالجة هذه المشكلة منذ فترة طويلة بدلاً من ان ننتظر اللحظة الاخيرة ويحصل ما حصل».

وشدد بري مرة أخرى على وجوب تحمّل المؤسسات مسؤولياتها واتخاذ القرارات المناسبة في كل القضايا خدمة للمصلحة العامة، وهذا يفترض كما رددنا دائماً تعزيز عمل المؤسسات وليس تعطيلها.

سلام يتمسّك بالصمت

وعشية جلسة مجلس الوزراء يصرّ رئيس الحكومة على صمته المدوي لئلّا يقول ما لا يعجب كُثراً من أهل البيت وخارجه. فهو يصرّ على فعل ما بقدرته لفكفكة العقد المستعصية التي تشعبت الى ان وصلت الى صحة اللبنانيين وبيئتهم بعدما تجمعت فيها أكوام النفايات في الشوارع في عزّ صيف حارق تزكم الأنوف وتسبّب العديد من الأوبئة والأمراض.

ولا يريد الرئيس سلام الرد على أحد، فهو يدرك ان بعضهم يعرف سلبيات ما يقوم به وهو ماض بما يقوم به ويعرف انّ مواقفه تزيد الطين بلّة. وكل ما يأمله الرئيس سلام ان يتوافق السياسيون ويتصافوا بين بعضهم بعضاً ليضمّوا جهودهم الى جانبه لإنقاذ البلد ومواجهة ما ننتظره من مشاكل وأزمات.

وفي غمرة الإهتمام بملف النفايات وما يخصّصه من وقت لهذا الملف، يرفض الرئيس سلام الكلام، لأنّ موقفه قد لا يعجب كثراً، وقد يقول ما ليس مريحاً لهم. فهو يقرأ تطور المواقف في مسلسل الأزمات بصمت بدءاً من افتعال أزمة التعيينات قبل أوانها مروراً بالكلام عن الحقوق المهضومة وصولاً الى ما يسمونه آلية العمل الحكومي التي شَلّت الحكومة في جلسات متتالية الى الأزمة الرهيبة التي تسببت بها النفايات.

وبالإضافة الى ذلك يرفض رئيس الحكومة الرد على الرسائل التي تصله عبر وسائل الإعلام من قيادات في «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، مُستغرباً ما تحمله من نصائح ودروس لا يحتاجها من أحد يصرّ ان يبقى ظالماً، في وقت لم يبدّل سلام في مواقفه ونظرته الى الأمور منذ ان تولى المسؤولية، فهو لم ينقلب على نفسه يوماً، ولم يغيّر قناعاته في دور الحكومة ورئيسها في هذه المرحلة الإستثنائية التي تعيشها البلاد.

وكل ذلك يجري في وقت لم يكلمه احد بما يريده من الحكومة ورئيسها تحت عنوان آلية العمل الحكومي. ولذلك، فهو بانتظار جلسة اليوم التي سيستهلها بالدعوة الدورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل القيام بأيّ عمل آخر. وسيستعرض التطورات الخطيرة التي تمر بها المنطقة، وما هو متوقع من انعكاسات على لبنان واللبنانيين جميعاً من دون استثناء، محذّراً كلّ من تسوّل له نفسه ترك الأمور على غاربها كما هو حاصل اليوم.

لقاءات رئيس الحكومة

وكان الرئيس سلام أجرى لقاءات عدة، فالتقى وزير الاتصالات بطرس حرب والنائب زياد القادري وسفير ألمانيا لدى لبنان كريستيان كلاجز، والمفتي العام ورئيس الادارة الدينية المركزية لمسلمي القسم الآسيوي من روسيا الإتحادية الشيخ نفيع الله عشيروف يرافقه محمد خير الغباني.

تعويل على فرنسا... رئاسياً

وأما رئاسياً فانشَدّت الأنظار لزيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى طهران لمعرفة مؤدياتها ومدى إمكانية أن تحقق الخرق المطلوب على هذا المستوى، خصوصاً أن وزير الداخلية نهاد المشنوق كان حضّر اللبنانيين لأهمية هذه الزيارة والمسعى الفرنسي لفصل الأزمة الرئاسية عن أزمة المنطقة، هذا المسعى الذي يتقاطع مع مساع فاتيكانية وروسية واستعداد سعودي دائم لأيّ تسوية تنتج رئيساً وترسّخ الاستقرار وتُعيد انتظام المؤسسات.

وفي هذا السياق أيضاً لفتَ ردّ «القوات اللبنانية» على ما كان أعلنه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأنّ «المسيحيين في لبنان منقسمون جداً ما يحول دون التوصّل الى انتخاب رئيس للجمهورية» وأن «الحلّ هو لدى الجانب المسيحي»، فذكرت بأنّ «ما يحول دون انتخاب رئيس ليس الانقسام المسيحي، بل رفض فريق من اللبنانيين الالتزام بالنصوص الدستورية لجهة مقاطعته جلسات الانتخاب التي بلغت حتى اليوم ٢٦ جلسة»، وقالت «إنّ السبب الأساسي للفراغ الرئاسي متصل بالموقف الإيراني الذي يريد إبقاء الورقة الرئاسية بيده كمادة تفاوضية مع المجتمعين الدولي والعربي».

الاهتمام الدولي

ومن جهة أخرى قال سياسي مخضرم لـ«الجمهورية» لو يُترجم المجتمع الدولي المحبة التي أظهرها للبنان من خلال الاتصالات الكثيفة التي تلقّاها رئيس الحكومة لثَنيه عن الاستقالة، إلى دعم عملي للجيش اللبناني وضغط فِعلي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لكانَ لبنان بألف خير. وأضاف هذا السياسي بأسى: لا أعلم إذا كان الاهتمام الدولي هو بالدولة اللبنانية ومؤسساتها التي يتمدد إليها التعطيل والفراغ الواحدة تلو الأخرى، أم انه يخشى على ما سيؤول إليه مصير اللاجئين في حال انتقلت عدوى الحروب إلى ربوعه.

وقال: اللاجئون هم في بلدهم الثاني، ونحن الأحرص عليهم، ولكننا لم نعد نرى اهتماماً دولياً يتجاوز الحفاظ على الاستقرار، على أهميته، فيما المطلوب التدخل السريع لانتخاب رئيس وإعادة تنشيط دورة المؤسسات الدستورية قبل أن يأتي من يعلن فشل النظام السياسي في لبنان تمهيداً لنظام جديد يضرب الأسس التي قامت عليها الجمهورية اللبنانية.

التفعيل أو الاعتكاف

وفي موازاة ذلك قالت أوساط وزارية لـ«الجمهورية» انّ الوضع الحكومي لم يعد يطاق، وإذا كان الرئيس سلام وافق على آلية العمل الحكومي بعد الفراغ الرئاسي إصراراً منه على تطمين المسيحيين بأنّ الرئاسة الأولى تبقى الحجر الأساس في الهيكل الدستوري-الميثاقي، فهذا لا يعني استغلال هذا الوضع من أجل الابتزاز والتعطيل على قاعدة إمّا تلبّى شروطنا، وإمّا تجميد العمل الحكومي وتعطيله.

وأسف الوزير لهذا التركيز المتواصل على استقالة سلام أو عدمها، فيما التركيز يجب أن يكون على الفريق المعطّل وكيفية تجنيب الحكومة هذا التعطيل، لأنّ الاستمرار في هذا الوضع يعني الرضوخ لمطالب المعطّلين، وتمنى لو أنّ الاهتمام الدولي ينصَبّ للضغط على هذا الفريق من أجل إعادة تحريك عجلة الحكومة.

وأضافت الأوساط: إذا كانت الاستقالة غير مرغوبة عربياً وغربياً، فإنه لا مناص من الاعتكاف في حال استمرار التعطيل، وذلك حفاظاً على موقع رئاسة الحكومة ودور رئيس الحكومة الذي أبلغ كل من يهمّه الأمر بأنه لن يقبل باستمرار هذا الوضع، وأن لا آليات تغطي التعطيل، وأنّ تعذر التوافق على أيّ موضوع يقتضي الذهاب إلى التصويت كما تنص المادة 65 من الدستور.

وأشارت إلى أنّ الأيام المقبلة ستكون حاسمة على هذا الصعيد، خصوصاً مع الاقتراب من استحقاق نهاية ولاية رئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان في 7 آب المقبل.

الحوار

وعلى خط الحوار بين «المستقبل» و»حزب الله»، من المتوقع أن تكون «سرايا المقاومة» الطبق الرئيس في الجلسة المقبلة المحددة في الخامس من الشهر المقبل. وقال أحد المشاركين في الحوار لـ»الجمهورية» إنّ التجاوزات التي حصلت على يد «سرايا المقاومة في بيروت تشكّل تراجعاً من «حزب الله» عن تعهداته وما تمّ الاتفاق عليه في جلسات الحوار، حيث أنّ رفضه الدعوة إلى حلّ هذه المجموعة ترافَق مع تعهّده بضَبطها، الأمر الذي لم يحصل، بل أعاد ذاكرة البيروتيين إلى أحداث 7 أيار المشؤومة، وشدد على ضرورة إنهاء هذه الظاهرة.