يتساءل كثيرون في العالَمَين العربي والإسلامي وفي أميركا والغرب عن الإنجازات التي سيحققها الاتفاق الذي توصّلت إليه أخيراً المجموعة الدولية 5+1 مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إذ باستثناء الملف النووي الذي أُقفِل نظرياً، والذي ينتظر تطبيقه استكمال إجراءات الموافقة عليه، لا تزال القضايا الإقليمية الخلافية التي توازي أو تفوق الموضوع النووي تنتظر مفاوضات رسمية بين واشنطن وطهران. علماً أن مفاوضات غير رسمية استكشافية وتمهيدية جرت بينهما في أكثر من عاصمة، وانتظار المفاوضات الإقليمية، سيكون "على الحامي" أيضاً كما يقال، كما أنها هي ستكون على الحامي.
هل من جواب عن التساؤل المُثار أعلاه؟
لا يتوقع متابع أميركي جدّي للمنطقة وسياسة أميركا حيالها أن يحقق الاتفاق النووي الكثير من الإنجازات. صحيح أن العقوبات المفروضة على إيران ستُرفع، وأن أعبائها المالية الضخمة ستخفّ، لكنها ستبقى ثقيلة. ذلك أن بيعها نفطها المخزَّن والمقدَّر بـ40 إلى50 مليون برميل، وزيادة إنتاجها منه، سيساهمان في مزيد من انخفاض أسعاره، وسيجعلان وارداتها منه محدودة. وإذا كان المسؤولون في طهران، غير مستعدين للتخلّي عن سياسة الهيمنة وعن محاولة فرضها حيث يستطيعون في المنطقة، ولا يريدون وقف تدخُّلهم في سوريا إلى جانب الأسد ونظامه، وفي العراق إلى جانب الأكثرية الشيعية، وفي اليمن إلى جانب الحوثيين وعلي عبدالله صالح الرئيس المخلوع، فإن ذلك سيتسبّب لهم بالمزيد من "النزف" وسيكلِّفهم كثيراً في الأرواح والمال. وإذا كان البعض في إيران والعالم الحليف لها يعتقد، أن التنظيمات الإسلامية السنّية المتطرفة حتى التكفير والعنف، وفي مقدمها "داعش" و"القاعدة" وأمثالهما، تُقلق الولايات المتحدة كثيراً، فإن هذا الاعتقاد ليس في محله، أو ربما يكون مبالغاً فيه كثيراً. ذلك أن إدارتها بكل "إداراتها" السياسية والعسكرية والأمنية ستقوم بكل ما يجب من أجل احتوائها ومقاتليها، وهي قادرة على ذلك وتمتلك الإمكانات اللازمة له. وهي لن تقوم بأكثر من الاحتواء حالياً، لأن وجود هذه التنظيمات واستمرارها سيزيد من "النزف" الإيراني وفي مجالات كثيرة. طبعاً، يلفت المتابع الأميركي نفسه، تشعر الإدارة الأميركية بل أميركا كلها بالقلق جرّاء تدفق المتطوعين الإسلاميين المتطرفين جداً (السنّة) من كل أنحاء العالم إلى مناطق الحروب والصراع في العراق وسوريا واليمن وليبيا وقريباً ربما في غيرها. لكنها تثق في الوقت نفسه بأن غالبية هؤلاء ستموت في المنطقة قتلاً أو بوسائل أخرى، وبأن الذين يبقون أحياء من مقاتلي الغالبية المشار إليها، سيجدون السلطات في بلادهم في انتظارهم لإيداعهم السجون. وهذا أمر بات أكثر سهولة من السابق جرّاء التعاون الدولي الواسع والرسمي والمنظَّم لمكافحة الإرهاب. طبعاً قد يفلت عدد من هؤلاء من قبضة السلطات في بلدانهم، وقد ينفِّذ بعضهم عمليات إرهابية انتحارية أو غير انتحارية مثل تفجير سيارات وعبوات واغتيالات، لكنهم وعلى رغم ذلك، لن يحققوا إنجازات وإن نجحوا في قتل عدد من المواطنين الأبرياء أو في تفجير عدد من المؤسسات.
هل تغيِّر التطورات التي حصلت على الحدود التركية مع سوريا وأبرزها، إقدام "داعش" على تنفيذ عمليات إرهابية ضد مواطنين أتراك (أكراد) "الخطة" الأميركية المفصّلة أعلاه؟ وهل تنهي "التحالف" غير المباشر وغير المعلن الذي كان قائماً بين هذا التنظيم المتطرِّف جداً وحكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي (أو المحافظ) الحاكم تركيا منذ أكثر من عقد؟
لا يمتلك المتابع الأميركي نفسه جواباً عن هذا السؤال. لكنه يتساءل إذا كان "داعش" شيخ المتطرفين الإسلاميين السنّة هذه الأيام ارتكب خطأ فادحاً بل قاتلاً في التقويم والتقدير عندما "هاجم" تركيا أردوغان. وهو يعتقد أن الزمن أو بالأحرى الأيام المقبلة كفيلة بإظهار إذا كان أخطأ أو تعمَّد، وإذا كانت الحسابات التي أجراها صحيحة، أو إذا فكّر أنه بمهاجمتها يوجِّه إليها رسالة تحذير من الإقتراب أكثر من الولايات المتحدة ومن "التحالف الدولي ضد الإرهاب" الذي تقود، ومن الاستعانة بـ"حلف شمال الأطلسي" التي هي عضو فيه. وفي هذه الحال ربما تكون وصلت إلى "داعش" معلومات "صحيحة" تفيد عن اتفاق أخيراً بين أنقرة وواشنطن حول الموضوع السوري. ما هي كلفة اتفاق كهذا على "داعش"؟