جبران باسيل: مستعدّون لفرط النظام



الشراكة «مش زابطة» وإذا كانت الفيدرالية تبقينا أحياء... فلتكن

 

أكّد وزير الخارجية جبران باسيل أن «النظام الذي يفرّط بنا مستعدون لفرطه لأنهم لا يطبّقونه ولا يقبلوننا فيه». وقال في حوار مع «الأخبار»: «عندما تضعني بين خيارين سأختار ما يبقيني حياً. وإذا أرادوا حشرنا للاختيار بين دورنا ووجودنا وكرامتنا وبين الفيدرالية سنكون معها بالطبع». وشدّد على أن اختزال رئاستي الجمهورية والحكومة في شخص رئيس الوزراء «مسألة حياة أو موت بالنسبة الينا»، محذراً من أن «تيار المستقبل يريد أخذ البلد الى قواعد جديدة للعبة وهناك من يدفشه الى هذا الخطأ المميت»

 

وفيق قانصوه

■ الى أين أنتم ذاهبون؟

ذاهبون الى ما يبقينا في الدولة. سوء التصرف وصل الى مستوى بتنا نشعر معه بأننا، كمسيحيين، غير مرغوب فينا إلا إذا كنا مطواعين كما في مرحلة التسعينيات حتى 2005، وإلا فإن البلد يمشي من دوننا. هذا هو مستوى المواجهة حالياً.

 

■... وخطوات المواجهة: إغلاق طرق، حصار السرايا أم ماذا؟

من يفكّر بالأمر من زاوية إغلاق طريق أو تظاهرة أو اعتصام يجهل الى أين نحن ذاهبون. هذا مسار ليس مهماً ما إذا كان سيبدأ قوياً أو ضعيفاً. المهم كيف يتطور، والأمر لن يقتصر على حركة واحدة أو ميدان واحد أو قطاع واحد. نحن، منذ عشر سنوات، نعمل على مشاريع وقوانين تتعرض للعرقلة والإبطاء في مجلس الوزراء وغيره. اليوم سيرون شيئاً جديداً والأمور ستذهب في منحى آخر. لا نقول ذلك كتهديد أو بفوقية أو بسعادة. ولكن من المحزن أن نصل الى مستوى الدفاع عن وجودنا وكرامتنا. ما نحن في صدده ليس خياراً، بل أُجبرنا عليه لأن الأمر بات يتعلق بالوجود والكرامة.

 

■ إسقاط الحكومة، ألا يؤدي عكس المطلوب؟ وزير الدفاع في حكومة تصريف أعمال يمدّد لقائد الجيش.

موضوع إسقاط الحكومة، من داخل أو خارج، واحد من الخيارات، لكنه لا يكاد يشكل شيئاً يذكر أمام مروحة الخيارات الموجودة لدينا. يعتقدون أننا سنغلق طريقاً من هنا أو مرفقاً من هناك، ويراهنون على إخفاقنا في الحشد. الأمر أبعد بكثير، وإذا ما دخلنا في هذا المسار فإننا ذاهبون الى مكان آخر تماماً. الحراك الذي نحن في صدده ليس تقليدياً بمعنى أنه تظاهرة أو اعتصام أو ما شابه. نحن في صدد الدخول في كل بنية الدولة ومؤسساتها وماليتها وكل ما تحويه لإعادة النظر فيه.

 

■ عصيان مدني؟

عصيان على عصيان. الآخرون ينفّذون عصياناً. مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، مثلاً، الوحيدة التي تتقاضى الرسوم وهناك فائض تصرفه على مشاريع المياه. مؤسسات البقاع والشمال والجنوب مفلسة. غيرنا لا يدفع.

 

■ كل هذا من أجل تعيين قائد للجيش؟

الموضوع لم يعد موضوع قيادة جيش ورئاسة جمهورية، بل يتعلق بصلاحيات الرئيس وقانون المناصفة واستعادة الجنسية وتطبيق اللامركزية الإدارية والمالية. هذا اليوم أهم من أن يكون الجنرال عون رئيساً للجمهورية. يبدو واضحاً أكثر فأكثر أنهم لا يريدون انتخاب رئيس، وهذا يؤكد ما قدّره البطريرك بشارة الراعي في إحدى الفترات بأنه لو اتفق المسيحيون على رئيس لن يوافق الطرف الآخر. في غياب الرئيس، يسعون إلى القضاء على ما تبقى من صلاحياته واختزال رئاستي الجمهورية والحكومة في شخص رئيس الوزراء ليكون الآمر الناهي. هذا أمر لا يمكن القبول به وهو مسألة حياة أو موت بالنسبة إلينا. رئيس الحكومة هو رئيس حكومة، ونحن الوزراء وكلاء عن رئيس الجمهورية، وعليه احترام هذه المعادلة. أنا سأتصرف في مجلس الوزراء كأنني رئيس جمهورية ولن أسمح لأحد بالانتقاص من صلاحيتي.

 

■ إلى أي حد تحسنون التوقيت؟ انشغالات العالم اليوم في مكان آخر.

نحن لم نوقّت شيئاً. لسنا من اختار الإقدام على مخالفات قانونية ودستورية في موضوع قيادتي الجيش والأمن الداخلي، ولسنا من انقلب على الاتفاق بيننا وبين المستقبل على هذين الموضوعين، ولسنا من وقّت مخالفة مجلس الوزراء للآلية التي اتفقنا على العمل وفقها منذ أكثر من عام، ولسنا من قرّر مخالفة الدستور وسرقة صلاحيات رئيس الجمهورية. ضحّينا كثيراً في تأليف الحكومة لتجنيب البلد أي منزلق عنفي، لينتهي الأمر بأن الحكومة تمشي من دوننا ومجلس النواب أيضاً وكل البلد كذلك. فكيف نكون من وقّت؟ تيار المستقبل وليس نحن من يريد أخذ البلد الى تحديد قواعد جديدة للعبة، وإما أنه يفعل ذلك بقرار أو أن هناك من يأخذه الى ذلك من دون أن يدري.

 

■ مثل من؟

من أخذ المنطقة الى كل هذه التغييرات على أساس «ربيعي» وشجّعها وطبّل لها، قد يكون هو نفسه من يأخذ تيار المستقبل اليوم في هذا الاتجاه، مع التأكيد له أن قواعد اللعبة لا يمكن أن تتغير. ولكن من قال إن هذه القواعد مقدسة؟ أعتقد أن أحداً ما «يدفشهم» ويدفعهم الى هذا الخطأ المميت.

 

■ تقصد أحداً إقليمياً؟

هم يعرفون. هذا الـ«حدا» داخلي وإقليمي ودولي.

 

■ والهدف؟

تغيير كل ما هو قائم في لبنان كما حدث في سوريا والعراق والخليج وغيرها. يخطئ من يعتقد أن في إمكانه السيطرة على مسار الأمور في ظل الوضع الحالي في المنطقة. هم يأخذون لبنان في هذا الاتجاه بإمعانهم في التحدي عبر مخالفة الدستور وسرقة صلاحيات رئيس الجمهورية، وصولاً الى تحدي كل مواقعنا وحتى وجودنا. الموضوع بالنسبة إلينا أكبر من تعيين قائد جيش وانتخاب رئيس للجمهورية.

 

 

■ ما هو السقف السياسي لما تنوون فعله؟

لا سقوف. الأنظمة تتغيّر. هذا النظام ارتضينا أن نلعب ضمنه، فيما يرفضون تطبيقه. فليطبّقوا الطائف في مسائل كالقانون الانتخابي واللامركزية الإدارية والمناصفة وروح الشراكة، وفي صلاحيات رئيس الجمهورية. يدعوننا إلى نظام لا يريدون تطبيقه. يبدو كأنهم هم من يطمحون الى تغيير النظام. ربما هناك من أقنعهم بامكان تحصيل مكاسب أكبر!

 

■ الرئيس نبيه بري قال إن العماد ميشال عون ابن النظام ولن يفرّط به؟

الجنرال ابن الدولة وليس ابن النظام. النظام الذي يفرّط بنا مستعدون لفرطه لأنهم لا يطبّقونه ولا يقبلوننا فيه.

 

 

■ إذا طرح رئيس الحكومة في جلسة الخميس بند التعيينات الأمنية، هل يتوقف كل ما تلوّحون به؟

نحن يُعتدى علينا. إذا قرر أحد وقف الاعتداء، فماذا نقول له؟

 

■ مسيحياً أنتم وحدكم اليوم؟

مقياسنا هو الناس. هذه ليست معركة التيار الوطني الحر وحده، بل معركة كل المسيحيين حول وجودهم وحقوقهم ودورهم وكرامتهم. الجميع تعلّموا من تجربة 1989 و1990 وحتى حكومات ما بعد 2005، أننا عندما ننتصر ينتصر الناس معنا، وعندما نُهزم يُهزمون. الناس تعلمت ولن تكرر الخطأ.

 

■ ماذا عن الأحزاب؟

أقصد بالناس أيضاً الأحزاب. الحزبيون أبناء تجارب ويتعلمون.

 

■ هذا العنوان المسيحي، ألا يشكّل إحراجاً لكم وإضعافاً لموقفكم؟

ما هو العنوان الآخر؟ نحن لا نفتش عن عنوان، بل نسعى الى معالجة المشكل الحقيقي. بكل بساطة: دستور الطائف لم يترك لرئيس الجمهورية إلا حضور مجلس الوزراء وترؤسه. عندما يرأس رئيس الجمهورية الجلسة، يعني ذلك أن من حقه إسقاط بعض البنود وإرجاء أخرى وإحالة بنود إلى التصويت وطرح أخرى من خارج جدول الأعمال. صلاحية الرئيس في الدستور ليست فقط أن «يطّلع» على جدول الأعمال، وإلا ما الذي يميّزه عن أي مواطن يمكنه أن «يطّلع» على الجدول أيضاً. إذا كانت هذه هي الصلاحيات كما يرونها، فهذا يعني أن البلد مكفّي بلا رئيس ومن يعترض في الحكومة يمكنه الخروج منها.

 

■ ولكن، أليس هذا ما نص عليه الطائف؟

النص معطوف على أمرين: على عرف استقرّ وعلى نص دستوري آخر كـ«يحضر فيرأس». اتفقنا على آلية العمل الحكومي لأن لنا صفتين: وزراء، وفي الوقت نفسه نمثّل رئيس الجمهورية في الحكومة. وإلا لماذا نحتاج الى الآلية؟ رئيس الحكومة، في الجلسات، ميّز دائماً بين نوعين من المواضيع نتعاطى مع أحدهما كوزراء ومع الآخر كممثلين لرئيس الجمهورية. ووفق هذه الآلية، اتفقنا على أن من حقنا الاعتراض على جدول الأعمال، فكيف تكون هذه الصلاحية لنا كممثلين للرئيس ولا تكون للرئيس نفسه؟ في اختصار، ما نفهمه من موقفهم اليوم أنهم لا يريدون انتخاب رئيس، ومن لا يعجبه يمكنه الخروج، ورئيس الحكومة هو رئيس الجمهورية.

 

■ هل أوصلكم اليأس من النظام الى حد طرح الفيدرالية؟

لسنا يائسين ولا مسلّمين، وخياراتنا كثيرة جداً منها الفيدرالية. الفيدرالية، كما في سويسرا وأميركا والإمارات، ليست تقسيماً. على أي حال، إذا أرادوا حشرنا للاختيار بين دورنا ووجودنا وكرامتنا وبين الفيدرالية فسنكون معها بالطبع. عندما تضعني بين خيارين سأختار ما يبقيني حياً. أنا لست المسيحي غير اللبناني. أنا المسيحي اللبناني الذي أريد أن أبقى حياً بدوري الكامل وليس أن أبقى مجرد كائن حي آكل وأشرب وأنام. ما نطالب به لامركزية إدارية ومالية. الطائف تحدث عن المساواة في الحقوق والواجبات. بأي منطق يدفع المسيحيون 70 في المئة من رسوم الدولة وضرائبها، ولا تزيد حصتهم في المشاريع والإنماء على 30 في المئة؟ «شو هالشراكة؟ مش زابطة».

 

■ أليس في هذا المنطق فوقية على المسيحيين العرب؟

ميزة لبنان أن مسيحيي المنطقة كانوا يستمدون بقاءهم من مسيحيي لبنان. حصل سوء تقدير كبير لأهمية الحفاظ على المسيحيين في الشرق. والآن، هناك سوء تقدير لأهمية الدور المسيحي في لبنان. هذا يأخذ البلد الى انفجار أكبر طابعه ليس فقط سنياً ــــ شيعياً، بل أيضاً مسيحي ــــ إسلامي. هناك سوء تقدير كبير للضرر الذي سيلحق بالجميع.

 

 

■ هل حزب الله معكم في كل هذه الطروحات؟

عندما شغر موقع الرئاسة، كان الحزب مصرّاً على توقيع الوزراء الـ 24 على المراسيم في الحكومة. عندما يتخطوننا نحن والحزب في مجلس الوزراء، هل يكون مستهدفاً أم لا؟ لا أتحدث باسم حزب الله. لكنه اليوم يدافع عن كل لبنان في المعركة ضد الإرهاب ويقدم الدماء، وهو بالتالي لديه انشغالاته الأخرى. نأخذ ذلك في الاعتبار جيداً، ولكن فيما هو يدافع عن اللبنانيين جميعاً ضد قاطعي الرؤوس، هناك من يريد قطع رأسنا في السياسة.

 

■ هل من تواصل مع آل الحريري؟

هم اختاروا السير في هذا الاتجاه، علماً بأنهم يعرفون تماماً مساهمتنا في استمرار الحكومة رغم مآخذنا الكثيرة، وهم أكثر من يدرك أن التطورات الأخيرة ليست من صنعنا ولا تخطيطنا. ولديهم المعطيات الكافية عن سبب سير الأمور في هذا الاتجاه، سواء كان ذلك برغبتهم أو لا.

 

■ هل قصدتهم بوصف «الداعشية السياسية»؟

المقصود كل من يريد أن يلغينا ويحتل مواقعنا ومراكزنا.

 

■ الى أين وصلتم في لقاءاتكم معهم؟

هم يعرفون جيداً الى أين وصلنا وأين أصبحنا اليوم. نحن لم يعد لدينا ما نخسره، لذلك المتضرر الأول من كل ما يجري هم آل الحريري: التطرف في البلد يضرّ بهم، وكذلك المسّ بالنظام واللااستقرار وغياب الشراكة الكاملة مع المسيحيين الممثلين فعلياً، والأهم أن ما يحصل في المنطقة، سواء من الصراعات أو من تفاهمات سياسية مقبلة، سيضرّ بهم أيضاً. مصلحتهم الوحيدة في التفاهم معنا ومع غيرنا.