هناك في درعا التي ترزح تحت القصف والحرب والقتل، فَتَّح جلال عينيه على الحياة، رأى بعضاً من تفاصيلها، قبل أن تسودّ الدنيا أمامه. ولد جلال مع بداية الحرب السوريّة، جايلها، فكانت رفيقاً خبيثاً، أفقدته لذّة التمتع بالأشياء. بسببها خسر بيته وألعابه وأقاربه، خسر بلده الجميل، خسر مستقبلاً كان ليكون مختلفاً، بسببها فقد بصره.

هربت عائلة جلال من سوريا مع اشتداد المعارك، هربت حفاظاً على بقايا حياة وكرامة، حملت ولاء ابنها جلال بين يديها فيما كان صغيرها محمد يتخبّط في أحشائها، وأجلس بلال طفلته زمزم على كتفيه ومضوا، توجّهوا إلى لبنان بحثاً عن أمن وسلام. هنا في لبنان بدأت الحكاية وانطلقت رحلة العذاب.

مع بدء خطواته الأولى
مع بدء خطواته الأولى، لاحظت العائلة أمراً غريباً في جلال، فهو لا يجيد المشي، ويقع كلّما خطا خطوة. اكتشفوا أن جلال فقد جزءاً كبيراً من بصره. يقول الوالد بلال سكري لـ"النهار": "أجرينا له بعض الفحوص في مستشفى الجامعة الأميركيّة، ولكننا لم نكمل العلاج بسبب الوضع المادي السيئ، فأنا أعمل ناطوراً في مبنى بدوحة عرمون، وحالنا متواضعة. يبلغ جلال الرابعة من عمره ويعاني ضعفاً حاداً في النظر، لا يمكنه المشي، كلّما خطا خطوة يقع أرضاً أو يرتطم بشيء. كلّما تأخرنا في العلاج تسوء حاله أكثر. عليه الخضوع لعلاج ثمّ إجراء عمليّة جراحيّة لتقوية عصب النظر وشبكة العين أو سنضطر لزراعة عصب".

حرب أبقت حياته لكنها خطفت نظره
يعاني جلال ضعفاً في العصب الذي يغذّي شبكة العين، نتيجة صدمات متتاليّة تعرّض لها نتيجة الحرب السوريّة، ونتيجة الخوف الشديد الذي عايشه خلال سنة في سوريا، قبل أن تنتقل العائلة إلى لبنان. يتابع بلال: "اكتشفنا مرض جلال عندما بلغ سنته الثانية، كان عاجزاً عن تمييز الأشياء والألعاب ودائم السقوط. مرضه ليس وراثياً فقد أفادنا الأطباء أنه تعرّض لصدمات أثّرت على عصب العين، فهو كان يخاف من أصوات الانفجارات، لقد تأثر كثيراً بسبب الوضع الذي عشناه في سوريا. فقده بصره بنسبة 95% أثّر كثيراً على حياته وبات يعاني أيضاً صعوبة في النطق".

ليس كبقية الأولاد
لا يعيش جلال حياة طبيعيّة، لا يمشي ولا يركض ولا يلعب. لا يعرف الألوان، لم يرَ في حياته سوى بشاعة الأسود. يقول والده: "ما زلنا نطعمه حتى اليوم، فهو لا يرى أمامه، آثار الوقعات المتكرّرة تغطّي جسمه الضعيف، يمشي على الإشارة والسمع، يضع يديه أمامه لئلا يصطدم بشيء، لا يميّز ألعابه، جلال ليس كبقية الأولاد".

يحبّ جلال الألعاب التي تصدر أصواتاً، لكونه لا يراها فيستمتع بصوتها. في المقابل يخاف جلال من أصوات الرشاشات والمسدسات، لا يلعب بها كغيره من الصبيان. جلال حُرم الركض واللعب مع أخوته والأولاد، ومُنع عليه ذلك تفادياً لئلا يقع ويؤذي نفسه. يضيف والده: "جلال يتعذّب ونحن نتعذّب معه. جلال سُرقت طفولته. يبكي كثيراً عندما نمنعه من اللعب والركض. يشعر باختلافه على رغم صغر سنّه. نحاول مداراته ومراقبته قدر المستطاع، وإحاطته بالحماية والحنان، لكننا لا يمكننا البقاء معه طوال العمر".

مستقبل مع وقف التنفيذ
غداً سيكبر جلال، وأهله سيشيخون. غداً على جلال أن يتكّل على نفسه، ويخدم نفسه. وضعه دقيق لكن الأمل بشفائه موجود، العلاج معروف لكن الإمكانات ضئيلة، هو ليس ضريراً بالكامل، جلّ ما يحتاج إليه هو عمليّة تعيد له بصيص النور والأمل معاً، فيمضي في حياة، لم يرَ منها سوى سوادها وظلامها.