عمَلياً لا يمكن مقاربة استطلاع الرأي العوني الذي طُرِح على «القوات اللبنانية» ووافقَت عليه بلامبالاة واضحة، إلّا مِن زاوية إكمال «البرواز» الذي يَسعى العماد عون إلى تركيبه والذي يريد منه إعطاءَ الانتخابات الرئاسية وكلّ استحقاق دستوري طابعاً مسيحيّاً صرفاً، على قاعدة اختيار الأقوياء داخل طوائفهم.

منذ بدء الحوار القواتي العوني والجميع يتساءل عن سر هذه المرونة العونية، في التعاطي مع «القوات اللبنانية»، وعن طي صفحة الماضي التي استلزمت كل هذا الوقت الطويل كي تنجز، لكن الواضح ان السر لا يرتبط بمصالحة مسيحية مسيحية، ولا بتنقية ذاكرة الماضي ولا ببناء مستقبل مختلف وفق قواعد جديدة، بل يرتبط حصراً برئاسة الجمهورية،

التي عجز فيها العماد عون عن نيل موافقة «القوات اللبنانية» عليه كرئيس للجمهورية، من هنا كان الالتفاف من خلال مناورة الاستطلاع التي على ما يبدو لن تؤدي هي الاخرى الى أي نتيجة، وما على أي مراقب سوى ملاحظة موقف حلفاء الجنرال وأوّلهم النائب سليمان فرنجية الذي سفه هذا الاستطلاع، وامتنع عن الالتزام بنتائجه، قبل ان تظهر النتائج، فيما برز من الجهة الاخرى موقف كتائبي رافض للاعتراف بثنائية الأقويين على الساحة المسيحية.

يكرس طرح الاستطلاع خروجاً على الطائف والدستور، ويكرس معادلة نسف المؤسسات، ويغطي الفراغ المتمادي، ففي حال عمّم هذا الطرح، فلن يعود ضرورياً إجراء الانتخابات النيابية، ولا حصول الاستشارات لتسمية رئيس الحكومة، ولا نيل الثقة من مجلس النواب، بل يمكن بكل بساطة تعميم منطق استطلاعات الرأي ليشمل موقع رئاسة الحكومة وربما رئاسة مجلس النواب، وهذا يشكل منذ الآن تشريعاً مقنعاً للفراغ، ومحاولة لملء الوقت الضائع الناتج عنه، بألعاب بهلوانية، لا يمكن لهزليتها أن تغطي على الواقع الصعب الناتج عن الفراغ الدستوري الذي تسَببَ به من طرح فكرة الاستطلاع.

وبغَض النظر عن التفاصيل العملية لهذا الاستطلاع، وعن كيفية الاتفاق على إجرائه والشركات المتخصصة التي ستجريه، والنتائج التي سينتج عنها، لا بد من الإشارة الى أنّ العماد عون يسير وحيداً بهذه اللعبة البهلوانية، لا بل بهذه المناورة غير المحترفة، فالمعلومات تقول إنّ بكركي غير راضية عما يجري وتعتبره مجرّد لعب في الوقت الضائع، ولا تزال الكنيسة تشَدد على نزول النواب الى المجلس النيابي وانتخاب رئيس، كمدخل الى سد الفراغ الذي يضعِف المسيحيين ودورهم.

أمّا القوات اللبنانية تبدو رغم عدم معارضتها هذا الاستطلاع، لا مبالية به، في ظل إجماع على اعتباره غير ذي قيمة دستورياً، ولا يحظى بطابع رسمي، ولا يمكن ترجمته في مجلس النواب، وإلزام القوى السياسية بنتائجه.

أمّا في الحديث عن موقف بعض قوى 8 آذار من الاستطلاع، وخصوصاً الرئيس نبيه بري، فتتحدث المعلومات عن تحفّظ كبير واعتراض يَجعل من المستحيل فرض هذا الاقتراح كأمر يمكن ان يمر بسهولة، أو يترجم على شكل اتفاق قادر على إنتاج رئيس جديد للجمهورية.

لكلّ هذه الاسباب سوف تجد وحدة العلاقات العامة العونية التي تسعى لتسويق الجنرال كأقوى مرشح مسيحي، نفسَها مرّةً جديدة أمام الحائط. فلا الحوار مع «المستقبل» استطاع أن يغيّر في التوازنات غير الملائمة لوصول عون شيئاً، ولا التحايل على الحوار مع «القوات اللبنانية»،

عبر طرح مِن هنا أو هناك، سيؤدي الى تغيير موقف القوات من ترشيح عون، وبالتالي ستفشَل هذه المحاولة الجديدة، وسيَبقى المرشح الجنرال في تحَدّ مع لعبة الوقت، والتعطيل، من دون طائل، وستَبقى عملية تغطية الوقت الضائع للفراغ مجرّد محاولة لن تؤدي إلا إلى المزيد من تمهيد الطريق لنَسف الطائف وإعادة تشكيل التوازنات الداخلية.