إن معركة سوريا مرتبطة بلبنان إرتباطاً عضوياً ، ويسقط بها العديد من الشبان ، وللشمال حصته ، غير أن بعض أهالي طرابلس  يتخوفون  من تعليق صور أبنائهم ، الذين يسقطون في سوريا ، حتى لا تصنف المنطقة كداعمة لتنظيم داعش ، وتثبت عليها تهمة الإرهاب .

إلا أنّ الجرح أكبر من الفكرة العامة ، فالأهالي المفجوعين ، لا سبيل لهم غير أن يزفّوا أبنائهم الذين سرقهم التفكير الغريب عن الشمال ، ليخطفهم الموت .

هؤلاء الأبناء الذين يعودون للوطن " في ذل" ، في وقت هناك من يقاتل مثلهم في المعركة نفسها والأرض نفسها ، وعندما يموت ، يعود لموطنه ، جثة مكللة بالغار تستقبل بالرصاص  وخطابات الشرف .

وكأن  مفهوم الموت على أرض الشام ينقسم بين "ناس بسمنة وناس بزيت"

 

بالمفهوم العام ، لسنا بصدد مناقشة "شرعية هذا الموت" ، ولكن فكرة القتال بشكل عام نرفضها حيث أن  كلاهما يهدران الدم بموطن لا علاقة لنا به ، وبحرب لا سيف لنا بها ، إلا أن المفارقة في هذا الموضوع تتمحور في ثلاثة نقاط :

الأولى :  مقاتل الحزب ، ينتمي علنياً لمقاومة تغرقه بأفضالها فيفديها الروح بعلم كل من يهمه أن يعلم ، بينما ابن الشمال ، ينخرط سرّاً بهذه الجماعات ويذهب دون وداع ليموت في غفلة .

الثانية :  مقاتل الحزب "محارب بمرتبة شرف" (ويسترجي حدا يقول غير هيك) ، بينما ابن الشمال العائد بالكفن هو إرهابي ، ويدين مدينته .

الثالثة :  مقاتل الحزب ، يموت و"مأمن عأهله" وعلى الكرامة ، بينما ابن الشمال ، يلحق بعائلاته الشبهات ، ويعرضهم للتحقيقات والمداهمات .

 

أما من حيث التهم ، فالذاهب من طرابلس تثبت عليه تهمة الإنتماء لداعش "بفطرة الموت" ، بينما هناك كثير ممن يسقطون يحاربون مع الثوار أو مع الجيش الحر ، ولكن لأنها الشمال لا داعي للتقصي .
في السياق نفسه ، تأتي تبرأة حزب الله من دم السوريين ، غير أننا في الواقع  لا نستطيع أن نسلم لهذه البراءة ، و أن نقول أن الحزب يقاتل داعش فقط ، فالنظام السوري لا يفرق بين مدني ومسلح ، لذا فالحزب من موقعه التحالفي يشارك النظام جرائمه .

 

 وللحقيقة ، إن مفهوم الدويلة الحاكمة ضمن الدولة ، والخارجة عن كل القوانين ، هو الذي جعل الشمال يعتبر ذاته "مكسر عصا" ، حيث أن ما يصح لحزب الله لا يصح لأبناء طرابلس وعكار ،  فالدولة  تضرب مدينة العلم والعلماء بيد من حديد ، وتتبع الحزم واللارحمة ، في الوقت نفسه التي تخضع به أركان هذه الدولة ذاتها لما يريده سيد الحزب .

فكيف لا يشعر الطرابلسي بأن القانون عليه وليس له ؟؟

وكيف لا يثور وينتفض ، ويتظاهر ، في بلدٍ للدويلة فيه سلطة تفوق الوطن !