في العام ٢٠٠٦ إبّان حرب تموز، وعندما كان السيد حسن نصرالله ذروة المواجهة مع العدو الإسرائيلي، قال كلمته الشهيرة " ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الإنتصارات، كما وعدتكم بالنصر سابقا" ، أعدكم بالنصر مجددا". هذه الكلمات أصبحت شعارا" يعتمده حزب الله منذ تلك الفترة، وهذا الكلام قيل قبل أن يخطر ببال أحد في حزب الله وخارج حزب الله بأنه بعد خمس سنوات ستندلع ثورة في سوريا، وأنّ هذه الثورة سيحولها النظام السوري إلى حرب مذهبية، وأنّ هذا النظام سوف يستدعي حزب الله للمشاركة بتلك الحرب دفاعا" عنه ، مع كل رصيده وإمكانياته وشعاراته وشيبه وشبابه، وإستخدام كل ما لديه من إمكانيات لمنع النظام السوري من السقوط. لم يكن يدري السيد حسن نصرالله بأن هذا الشعار سيصبح عبئا" عليه وعلى حزبه، فالإنتصار على العدو الإسرائيلي على الرغم من قدراته الهائلة، كان سهل المنال بالنسبة لحزب الله، فهو يواجه عدو لديه رأي عام مؤثر، ولديه سقف زمني معين لا يمكن تخطيه في الحرب، وإرتفاع عدد القتلى في صفوف جيشه ومدنييه يفعل فعله، فترتفع الأصوات الداعية لوقف الحرب، علاوة على ذلك،هناك قدرة للرأي العام الإسرائيلي على محاسبة قيادته عندما تخفق في الحرب.

لذلك هزيمة العدو الإسرائيلي تتطلب من حزب الله الصمود شهر كامل أو أكثر مع إنزال خسائر بشرية به، وحزب الله قادر على فعل ذلك، وقد فعل ذلك في حرب تموز ٢٠٠٦ وخرج منتصرا". والذي يساعد حزب الله على الإنتصار في حربه ضد إسرائيل، هو إتكائه على تعاطف شعبي في لبنان والعالم العربي، كون الحزب يقاتل عدو تاريخي للبنان وللعرب، والحزب في هذه الحرب هو صاحب قضيةعادلة، وهو صاحب الأرض، يقاتل على أرضه وبين ناسه، وهذه نقطة قوة كافية لتحقيق الصمود والنصر.

أما في الحرب المذهبية التي يخوضها حزب الله في سوريا، فالوضع مختلف تماما"، وعدوه مختلف تماما" عن العدو الإسرائيلي. فهو خارج أرضه، ويقاتل شعب بأكمله ولا يقاتل فقط داعش والنصرة كما يدّعي، بل يقاتل إلى جانب نظام فاسد ومجرم وساقط بعيون شعبه ، ويشارك في الحرب السورية رغما" عن أنف الدولة اللبنانية وخلافا" لرأي ثلاثة أرباع الشعب اللبناني، فتنظيمي داعش والنصرة وإن كانا في طليعة المقاتلين، فهما لا يمثلان الشعب السوري ولا أكثريته، هما يمثلان الجزء المتطرف في المجتمع السوري مع بعض المرتزقة الذين جاؤوا بهم من الخارج، وهذا الجزء هو أقلية بالنسبة لمجموع الشعب السوري، إلاّ أنّ العنف المفرط الذي واجه به النظام الثورة السلمية في بداياتها، أدّى إلى مجازر هائلة في صفوف المعارضين المدنيين، وإلى عمليات نزوح كبرى إلى خارج سوريا، وتحولت الثورة بفضل ممارسات النظام إلى حرب أهلية، ثمّ إلى حرب مذهبية، خاصة" بعدما دخلت إيران بميليشياتها الشيعية المتطرفة في الحرب إلى جانب النظام ورفعت تلك الميليشيات شعارات مذهبية فاقعة أدت إلى ولادة الوحش الإرهابي وتعاظمه كلما علت وتيرة ونبرة الشحن المذهبي والتعبئة المذهبية لحشد المقاتلين ودفعهم للقتال في سوريا.

إذا"، العدو الذي يواجهه حزب الله في سوريا لديه معتقدات دينية خاصة به، ولديه جنة ونار ونبي وقرآن وحور العين وغداء مع النبي يخصّ به الإنتحاريين منهم، ولدى مقاتلي تلك المجموعات كل الإغراءات الماورائية التي يمتلكها مقاتلو حزب الله، بغضّ النظر عن إختلاف عقيدة كل منهما، وأكثر من ذلك، لدى هذه المجموعات الإرهابية القدرة على التعبئة، معتمدة" بالدرجة الأولى على الخطاب التعبوي الذي يعتمده حزب الله وأمينه العام. فإذا إستطاع خطاب السيد حسن نصرالله الحماسي تعبئة مجموعة من الشباب هنا، سيعبئ بالخطاب نفسه ضعفهم أو أكثر هناك.

وهذا ما يصعّب مهمة حزب الله في سوريا، ويصعب عليه تحقيق نصر حاسم وواضح ونهائي، كالذي تعود عليه بل وأدمنه حزب الله وجمهوره في حروبه العديدة مع إسرائيل. وهذا الإدمان على النصر عند الحزب وجمهوره، أصبح مكلفا" وأصبح الحزب أسير هذا الإدمان وذاك الشعار الذي يعدّ بالنصر دائما"، فالحرب سجال كما هو معروف، جولة لك وجولة عليك، وإحتمال النصر موجود كذلك إحتمال الهزيمة في أي حرب، ولا يمكن لأي حزب مهما بلغت قدراته أن يضمن النصر دائما" وأبدا"، والإصرار على الإنتصار في كل الظروف وعلى كل الجبهات مهما توسعت وتعددت، هو ضرب من الإنتحار، وما تمّ تسريبه من كلام عن إمكانية الدعوة إلى التعبئة العامة التي قد يدعو إليها أمين عام حزب الله وتهديد ووعيد وتخوين كل من يعارض رأيه وينتقد سياسته ويرفض حروبه خارج الحدود، هو دليل على إمكانية الإنتحار وتفجير نفسه بشعبه وبلده إذا تعذّر الإنتصار في الحرب السورية، وهذا ما يفسّر قوله بالأمس في مهرجان عيد المقاومة والتحرير مخاطبا" قوى ١٤ آذار بأنه عليكم أن تخافوا من هزيمة حزب الله في سوريا وليس من إنتصاره، وهذا يؤكدّ المنطق الذي يقول بأنّ حزب الله إذا إنتصر، فالنصر له وحده، وإذا إنهزم، فالهزيمة للجميع شعب وجيش ومقاومة ودولة ووطن.