لو كان "معرض رشيد كرامي " في دولة متحضرة ، لأصبح من أهم المرافق وأهم المعالم ، فهذا المعلم الذي يعتبر تصميمه لوحة إبداعية ، ومساحته الهائلة تجعله مؤهل لإستقبال أي نشاط ، وأكثر من نشاط في آن واحد .

هو تحفة ، ولكن في بلد لا تليق به المتاحف .

 

معرض رشيد كرامي الدولي قد صمّمه المهندس البرازيلي العصري المشهور أوسكار نيماير هذا المهندس المبدع الذي عرف عنه تصاميمه الهندسية الراقية ومراعاته التنظيم المدني المعاصر المثالي ، وهو نفسه المهندس المسؤول عن تخطيط مدينة برازيليا وعن تصميم العديد من أبنيتها الرئيسية في أواخر الخمسينيات، لتصبح بذلك العاصمة العصرية للبرازيل .

 يتميّز معرض طرابلس بشكله البيضوي الممتد على مساحة واسعة ، تتوزّع فيه أشكال إسمنتيه بسيطة، الى جانب جناح فسيح في الهواء الطلق، ومخطط مستدير يُذكّر بالمخطط العام لمدينة برازيليا ، وتبلغ مساحته مليون متر مربه ويضم 120 ألف متر مربع من الحدائق ، و 20 ألف متر مربع من البرك المائية ، و 20 ألف متر قاعات للمعارض والمؤتمرات ، ونحو 20 ألف متر مربع كسقف يمكن استغلاله وضمه لقاعة المعارض .

كما ويضم البيت اللبناني ، والمسرح العائم ، وقاعة المسرح المغلق ، والمرائب والطرق الدائرية، وناد للدراجات ومدينة سباق سيارات، وممرات مخصصة لرياضة المشي، وقاعدة خاصة لطائرة الهليكوبتر ، كذلك عشرات آلاف الأمتار غير المستثمرة .

هذا المعرض الذي أدرج لأهميته الهندسية والتاريخية على لائحة الصندوق الدولي للمواقع التراثية والهندسية العالمية لسنتي 2005 و2006  ، قد اتخذ في لبنان وظيفة يتيمة ألا وهي استقبال معرض الكتاب ، والذي يخف وهجه عاماً بعد عام ، الذرائع لإهمال هذا المرفق عديدة ، تبدأ من التمويل لقانون المعرض وصولاً  للوضع الأمني ، والنتيجة واحدة المعرض "جثة حضارية" وما من أحد يسأل .

 

لأطرح هنا سؤالين  :

الأول : ما السبب الحقيقي لإهمال المعرض لأكثر من نصف قرن ؟

الثاني : الأموال التي خصصت لمشروع المرآب الذي ذاع صيته لينطفأ ، أليس الأحق بها  إعادة تأهيل المعرض ؟

وللإجابة عنهما كان لموقع لبنان الجديد حديث مع الدكتور فوزي فري وهو أستاذ مساعد في  علوم التربية والتربية البدنية ، وناشط في المجتمع المدني .

وفي سؤاله عن الجهة التي تتحمل مسؤولية هذا الإهمال ؟

أجاب ، أعتقد أن المعرض منذ إنشائه وقع ضحية تجار بيروت والنظام السوري حيث اتفق الاثنان على تأمين مصالحهم بعدم إفتتاحه أو تنميته نظراً لما يمثله من خطر على معرض دمشق الدولي ومعارض بيروت المختلفة.

يضاف إليها إرادة للنظام السوري وأذرعته الشمالية بعدم تنمية منطقة الشمال وطرابلس لافقارها..

كما أن سياسيي طرابلس من الرأسماليين وغيرهم ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر بإقفاله، حيث دفعوا جزء كبير منهم باستثماراتهم إلى بيروت و لم يطالبوا بمَ يكفي لإستكماله وجعله مرفق حيوي طرابلسي قادر على خلق فرص عمل وتحريك العجلة الاقتصادية الشمالية، وذلك بهدف افقار الناس لحكمهم بسياسة الكرتونة والمساعدات العينية ولإلزامهم بالوقوف على أبوابهم البالية..

 

وفيما يخص عدم العمل على إعادة تأهيله حتى بعد الخروج السوري؟

قال : لأن تجار بيروت في الحقبتين هم أنفسهم ولم يتغيروا والسياسيين ما زالوا يكررون ذاتهم في إهمال طرابلس ودفعها إلى الفقر لشرائها بأبخس الأثمان ...

يضاف إلى ذلك أنّ السلطة اليوم وبغض النظر عن تسميتها هي خاضعة لحزب الله بالمباشر أو بالمواربة والتي تمثل ذات سياسات النظام السوري سابقاً ... والتي تسعى جاهدة لتعطيل أي طرح انمائي لطرابلس ومحيطها لاخضاعهما .

 

وفي سؤاله عن مجلس إدارة المعرض الذي يقول رئيسه حسام قبيطر أنّ المشكلة هي بعدم توافر التمويل وبقانون المعرض وبالوضع الأمني ؟

قال الدكتور فوزي :

المجلس اليوم هو نتاج الرئيس ميقاتي وهو بالطبع مقصر ولا جدوى منه... كما أن القرار الإنمائي للمعرض يصطدم بالقرار المحكوم من السلطة التنفيذية المتمثلة على ما أعتقد بوزارة الاقتصاد والمال في بيروت...

ممّ يعني حرية الحركة محكومة بالقرار السياسي المعادي لطرابلس .

 

وعن تصوره للبروتوكول الذي وقعه مجلس البلدية مع مدير المعرض منذ ستة أيام ؟

أجاب : لا أعرف مضمونه ولكن على ما أعتقد هو بحاجة بحسب مديره إلى 24 مليون دولار لاعادته إلى الحياة ، وبالتالي هو بحاجة إلى الدولة وإمكانياتها .

 

 

وعند سؤاله عن الطرح الذي راودني ، ألا وهو أحقية المعرض بمخصصات مشروع المرآب الذي لا فائدة منه ؟

قال :

هناك عليك أن تسألي السيد نبيل الجسر ومجلس الإنماء والإعمار وسياسيي  طرابلس الأشاوس الذين إنتقوا المشاريع الإنمائية لطرابلس دون رؤية عامة للمدينة وهويتها المستقبلية بل عبر طرح نفعي لا مكان له في التنظيم المدني ولا في إنمائها .

 

 

أما الأستاذة ناريمان الشمعة وهي إعلامية وناشطة ومنسقة لجنة متابعة مشاريع طرابلس ، ففي سؤالها عن سبب إهمال هذا المعرض منذ أكثر من نصف قرن ، أجابتنا ؟

أعتقد المسؤول عن اهمال المعرض أمرين  :

1 - الخطة العامة من الحكومات المتعاقبة

2 - تقاعس مسؤولي طرابلس  

 

وأضافت :

ما أعتقده بأن الخطة الممنهجة لإفقار طرابلس وتهميشها هي أحد أهم أسباب إهمال المعرض، ويتجلى ذلك حين ننظر للصورة بشكل عام فنرى جميع منشآتها مهملة ومصانعها مقفلة وآثارها على وشك الإنهيار والمشاريع المخصصة لها لا تسهم بإنمائها، بل على العكس تساهم بتشويهها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مشروع البناء الجامعي الموحد، الإرث الثقافي، محطة التكرير، محطة التسفير الشمالية ومشروع المرآب المطروح مؤخراً..

والأسباب الأخرى التي يتذرع بها السياسيين والمعنيين هي عدم وجود المرافق المساعدة التي تسهم بتفعيل المعرض كالمرفأ والفنادق وشبكة طرقات وعدد من الخدمات المتنوعة إضافة إلى الوضع الأمني الغير مستقر لسنوات طويلة، مما حوّل طرابلس إلى مدينة طاردة للإستثمار والسياحة بدل أن تكون جاذبة لهما.

وهنا لا يمكننا إغفال التنافس القائم بين منشآت طرابلس وغيرها، والتي لا تُحسم لصالحها أبداً، فرغم أن معرض رشيد كرامي مصمم ليكون معرض دولي ويمتلك حصرية المعارض التي جُددت له في عام 1995 – رغم المعارضة الوزارية حينذاك – فقد تم حصر المعارض بالبيال، لذا بإمكاننا العودة هنا للسياسيين والجزم بعدم وجود قرار سياسي لإنماء طرابلس بشكل عام، والمعرض جزء من مشكلة الكبرى ويُحمّل كثير من الطرابلسيين سياسيي المدينة بعدم العمل بجدية وحسم من أجل الحصول على حقوقها.

 

 

وعن البروتوكول الذي وقع بخصوص المعرض وإن كان سيحقق نتائج ؟

أجابت الأستاذة ناريمان ،

كم من البروتوكولات وقعت بلدية طرابلس وكم من الاتفاقيات والقرارات... ولكن لا تفعيل ، البلدية عاجزة عن أن تنظم عقد مع شركة نظافة مم حول المدينة لمكب نفايات كبير .

قرار المعرض أكبر بكثير من قدرة البلدية

 

وعن أحقية المعرض وتأهيله بأموال المرآب ؟

قالت :

طرابلس تحتاج الكثير ولو حُوّلت الأموال لترميم المعرض وإعادة تأهيله أو إنشاء الحزام الغربي ( الطريق الدائري الذي يوصل مناطق الكورة - ابي سمراء - القبة - البداوي بتكلفة 125 مليون $ ) أو إكمال الحزام الغربي (من المنية إلى الناعورة) أو انشاء مبنى كلية الصحة أو المسلخ وغيرها الكثير المشاريع التي وضعناها كأولوية للمتابعة في لجنة متابعة مشاريع طرابلس والتي أجمع المختصون على أنها تسهم بإنماء المدينة .

 

وعن الحل لإتمام هذه المشاريع؟

أجابت ، نحن في اللجنة نقوم بتسليط الضوء على هذه المشاريع وتحريك الرأي العام من أجل المطالبة بإكمالها أو انشاءها ونتواصل مع المسؤولين من أجل ذلك ونأمل أن يوصل الضغط الشعبي إلى تفعيلها سريعاً .

 

إذا ، هذه هي طرابلس ، مدينة عريقة بكل شيء ومدمرة بكل ما بها من عراقة ، إهمال ، تهميش ، مشاريع ناقصة ، لا إنماء ...

لتظل المدينة ومرافقها في مرحلة "الموت السريري" ، في وقت يملك به سياسيها المليارات في البنوك ، هؤلاء الساسة الذي جعلوا قروشهم ضد المدينة وليس لها !

فمن لك يا طرابلس ، لك الله يا من كنت يوماً مدينة العلم والعلماء !