في كتابه الإسلام المريض تناول الكاتب عبد الوهاب المؤدب مسألة التضحية في أوهام الإسلام السياسي والمعرّف دوليّاً بالإرهاب الأوسطي ، فيشير إلى أنّ حزب الله قد صاغ أسطورة حقيقية حول الشهادة والتضحية مستفيداً من تقديس الشيعة الجنوبيين للشهادة الحيّة في نفوسهم ، ووضع حزب الله أساليب إحتفالية وتصويرية توافق الرواية الأسطورية التي تهيىء المرشح للعملية الإنتحارية إلى العرس الذي ينتظره في جنة النعيم المكتظة بالعذارى الحوريات كما يفعل الإسلاميون الجهاديّون .
وقد تعاظم مفهوم الشهادة عند الشيعة من خلال المثال الذي اتخذوه في شخص إمام يقدسونه أكثر من غيره وهو الحسين أحد أبناء علي والذي قتل في كربلاء بطريقة شنيعة ، وقد غذّت هذه الجريمة الشعور بالذنب لعدم التضحية بالنفس دفاعاً عن الإمام وتجنباً لمصرعه ، ويضيف الكاتب بأنّ هذا الشعور الشيعي قد تحوّل إلى طقس إحتفالي من طقوس الألم هدفه طمأنة الضمير المُعذب لكن الاحتفال بهذه التضحية لا علاقة له قط بالجهاد ولا بالشهيد الذي يلتحق بأمثاله إلى جوار ربه عندما يخسر حياته وهو يقاتل في سبيل الله .
إنّ الإسلام برأي الكاتب لم يعرف التضحية البشرية لكن الأصوليين المعاصرين استخدموا مفهوم التضحية هذا لكيّ ينقذوا أعمالهم الارهابية ويُكيفوه مع المُتخيل الإسلامي عبر سلسلة من التحريفات في حين أن المسلم بالعكس يحتفل سنويّاً بأضحية ابراهيم القائمة على عملية استعاضة يفتدي فيها الله ابن ابراهيم بالكبش كما جاء في القرآن الكريم : " فلما بلغ معه السعي قال يا بُنيّ انيّ أرى في المنام أنيّ أذبحك فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت افعل ما تؤمر ، ستجدني ان شاء الله من الصابرين . فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا انّا كذلك نُجزي المحسنين . ان هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم " هكذا يربط القرآن بين الفداء والتضحية .
وعن الشهادة يقول المؤدب في كتابه : إنّ كلمة شهيد غالباً ما تأتي مقترنة بالله البصير الذي يؤكد كل شيء ويطّلع على كل شيء فهو الله العليم . وليس الشهداء هم من يموتون في القتال بل هم في الأحرى شهود الحق أمام الله . وهناك آية واحدة فقط تستدعي صورة الشهيد في القتال وهي :"لا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون " وقد أوّل فخر الدين الرازي هذه الآية بالقول : المقصود هنا الشهداء الذين سقطوا في المعركتين اللتين خاضهما المسلمون ضدّ القرشيين , أيّ بدر وأُحُد ، ويشير الكاتب إلى أنّ هذا الأساس القرآني قد تعرض لجميع أنواع التحريف بغاية تشكيل أسطورة الشهادة كما هو حالها عند الإسلاميين وكما برزها روّاد الاسلام الجهادي من أمثال سيد قطب الذي هاجم العلماء الذين يحدّون من معنى الجهاد ودعا إلى تكثيفه وتعميمه من أجل نصرة الرسالة الإسلامية على مستوى البشرية جمعاء ويلتزم الأصوليون الإرهابيون هذا التفسير ليقوموا بعمليات العنف .
وعن منطق المقاومة في القضايا الوطنية يقول الكاتب : إنّ تجربة الإرهاب من أجل قضية وطنية سامية قد سجلت في ذاكرة الأمة الجزائرية على أنها مجد وليس على أنها أمر مرعب . كما أنّها أصبحت واقعاً ثقافيّاً وملاذاً يقترن بالعيش . واليوم يعرف الجزائريون أنّ هذا السلاح قد ارتدّ عليهم.
فتح عبد الوهاب المؤدب حواراً جديّاُ في مواضيع جريئة تحتاج إلى نقاش وإن من موقع الاختلاف لتصحيح مسارات ممسكة بخياراتنا في الموت والحياة .